الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلقة بشأن المستقبل وتركت دراستي ولا أرغب في الحياة فهل أحتاج لطبيب نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر (21) سنة، وأعاني من القلق بشأن المستقبل، خاصةً عندما أذهب للنوم، فأنا أظل ما يقارب الثلاث ساعات أو أكثر في فراشي، وأكون مشغولة في التفكير بشأن المستقبل بشكل سلبي، وبعد أن ينهكني التعب أكون أمام خيارين إما أن أنام أو أن أنهض من فراشي.

لقد تركتُ دراستي الجامعية قبل ستة أشهر بسبب خوفي من عدم النجاح، وأيضاً لأنني أصبحتُ كسولةً جداً، وانسحبت من المجتمع بشكل كامل، فلم أعد أتواصل مع أحد مطلقاً، أشعر بأن الناس تكره شخصيتي، أو تتحدث معي لغرض المصلحة، أو تظهر قواها على شخصيتي لأنني لا أرفض طلبا لأي أحد، لقد أصبحت أهجم على الجميع، وبالأخص المقربين فأبعدتهم عني.

مزاجي متقلب بشكل كبير، أشعر بالحزن دائماً، لم يعد لدي أي إرادة، أو طموح، أو أحلام، أسأل نفسي ما الغرض من وجودي على قيد الحياة؟ وما الذي أفعله؟ أشعر بالضياع، ومهما فعلت سيكون ما أفعله بلا فائدة، أشعر بأن القادم أسوأ، لقد تعبت من البحث عن الحلول.

أقضي معظم وقتي في النوم، عندما أكون مستيقظة أشعر بالتعب على الرغم من أنني لا أقوم بشيء سوى الجلوس أمام شاشة الحاسوب من دون حركة، أهمل نظافتي الشخصية، وحينما أتناقش مع شخص ما، تكون الفكرة موجودة في داخل عقلي، لكن العبارات لا تعينني في الكثير من الأحيان، فأصمت أو أقوم بتغيير الموضوع، عندما أحاول إيجاد العبارات المناسبة أجد بأن عقلي أصبح فارغاً، في بعض الأحيان أستمر بإعادة قول العبارة نفسها، كلامي غير مفهوم وغير مترابط، أصبحت باردة المشاعر ولا أهتم بالذي يحصل في العالم الخارجي، علماً بأنني أعاني من الحساسية العالية بسبب الأصوات، لدرجة تفقدني أعصابي، فأبدأ بالضرب على رأسي، وكذلك رائحة اللحم تشعرني بالغثيان، فحينما أشم رائحة اللحم المسلوق أرغب بقتل نفسي.

في الواقع لم أفكر إطلاقاً بمحاولة استشارة الطبيب النفسي، أعلم بأنني قد أعاني من شيء ما، في البداية ظننتً بأنها أعراض طبيعية، خاصةً وإنني أسكن في بلد دائم الحروب كالعراق، والسبب الآخر من أنني أخشى عند زيارتي للطبيب بأنه سوف يقول بأنني بخير، وبعدها ستظل نفسي موسوسه في أن هذا الطبيب سوف يستهزئ بي، ويقول بأنني أعطيتُ الموضوع أكبر من حجمه، ولكني أسألكم هل أنا بحاجة لمراجعة الطبيب النفسي؟

لقد قرأتُ بأن نقص أو زيادة الدوبامين قد تسبب الأمراض العقلية، وفي الواقع والدي وعمي يعانيان من مرض (باركنسون)، وعمي الأكبر يشكو من الصرع الجزئي، فهل هنالك احتمالية بأنني قد ورثت هذا الخلل في اختلال عمل نواقل مادة الدوبامين؟

أفيدوني ولكم خالص الشكر والثناء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على ثقتك في إسلام ويب، ونرحب بك جدًّا وبرسالتك، وأعتقد أنها رسالة مهمة، لأنك بالفعل تعانين من حالة نفسية يمكن علاجها.

هذا الانسحاب الاجتماعي، والركون إلى النوم، والتكاسل، وافتقاد الفعالية، والأفكار السلبية ذات الطابع الوسواسي والمُحيِّرة كلها دليل على وجود اكتئاب نفسي من الدرجة البسيطة إلى المتوسطة، والاكتئاب في مثل عمرك دائمًا يأتي على هذه الكيفية، أو على الأقل نستطيع أن نقول في أكثر من نصف الذين يعانون من الاكتئاب النفسي في سن الشباب تكون الصورة غير الصورة المطابقة المعروفة، حيث إن الاكتئاب المعروف يكون فيه الكدر والسوداوية هي الأعم، لكن في الاكتئاب الغير مُطابق الذي يحدث بالنسبة لليافعين والشباب، تكون الصورة الإكلينيكية هي في شكل تكاسل ووهن اجتماعي ونفسي، وافتقاد الفعالية، مع شيء من الشعور بالحزن.

أيتها الفاضلة الكريمة: حالتك يمكن أن تُعالج، وتُعالج بصورة فعالة جدًّا، مطلوب منك أن تكوني إيجابية التفكير، أن تدفعي نفسك دفعًا نحو الأنشطة المختلفة في الحياة، وممارسة الرياضة تعتبر ضرورية بالنسبة لك، وكذلك تنظيم الوقت، وقطعًا يجب أن تستبدلي كل الفكر السلبي بفكرٍ إيجابي.

وذهابك إلى الطبيب النفسي أراه أمرًا مهمًّا وضروريًا، أنت تحتاجين لفحوصات طبية بسيطة متعلقة بالهرمونات، خاصة هرمون الغدة الدرقية، وفيتامين (د)، وفيتامين (ب12)، يجب أن نتأكد من مستواها، لأن الخلل أو الاضطراب في هذه المكونات ربما أيضًا يؤدي إلى الشعور بالتكاسل والانسحاب الاجتماعي والوجداني، لكن في الأغلب أنها ستكون طبيعية.

وقطعًا الطبيب سوف يقوم بإعطائك أحد محسِّنات المزاج، ومن أفضلها عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك Prozac) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، لأنه يؤدي إلى شيء من الحيوية النفسية والجسدية، ويُحسِّنُ المزاج، ولا شك في ذلك، لكن الدواء يجب أن تُدعميه بالإصرار على التوجُّه الإيجابي في حياتك، وأن يكون نمطها على هذا الأساس.

بالنسبة لموضوع كيمياء الدماغ، ونقص أو زيادة الدوبامين، أو الموصلات العصبية الأخرى: هذا الأمر مهم وضروري، والمدارس البيولوجية في الطب النفسي تتجه نحو هذا الاتجاه، لكن هذه المواد لا يمكن قياسها بصورة دقيقة أثناء الحياة، لذا نقول للناس: لا تشغلوا أنفسكم بها، وما دامت الأدوية تُصحح المسارات لهذه الموصلات العصبية دون أن يكون هنالك ضرر، فالأفضل للناس أن يتناولوا الدواء حسب الجرعة المطلوبة، وللمدة المقررة، وهذا يكفي تمامًا من وجهة نظري.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً