الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من شعوري العميق بالوحدة، وأخاف من التجمعات

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة في الـ 21 من عمري، أعاني من شعوري العميق بالوحدة، وبنفس الوقت أخاف من التجمعات البشرية.

معاناتي ليست حديثة؛ فمنذ أن وعيت وأنا أعاني من هذا, في الحقيقة أنا أمتلك عينا جاحظة وبشرة بيضاء، بعكس بقية إخواني، وهذا ما يجعلني دائماً محل سخرية الجميع، كان الناس عندما يروني يخبرون أمي بأني لا أشبههم، وكانوا يسخرون من جحوظ عيني، حتى جعلوني أكره نفسي، وعلى هذا الحال كبرت.

ففي الابتدائية؛ كنت أحاول لفت الانتباه بكل الطرق لأجعل الفتيات يرغبن بصحبتي لكن لا أحد يحبني، ولا أحد يرغب بمرافقتي، لهذا بدأت بسرقة المال من أمي لأجل لفت انتباههن، وجعلهن يحببنني.

وعندما أصبحت في المتوسطة؛ كنت أجعل مصروفي كله تحت ملك صديقاتي، إن صح اعتبارهن صديقات أصلاً، كنّ يبقين معي لأجل هذا فقط.

وفي الثانوية؛ الوضع لم يتغير كثيراً، فقد كنت أجلس بمفردي غالباً، حتى وإن اجتمعت مع أحد أشعر بالنقص وأظل صامتة طوال الوقت، الجميع يشعر بالملل بالجلوس معي، ولا ألومهم على ذلك، لا أمتلك ردة فعل حماسية، وخجولة لحدٍ كبير، وأيضاً حساسة، فأقل كلمة تؤثر بي سلباً.

تخرجت من الثانوية؛ وبقيت في المنزل 4 سنوات، لا أخرج لمقابلة صديقاتي ولا لزيارة معارف، أشعر بالقلق إن أخبرتني أمي أن هناك مناسبة وعلينا الذهاب لمكانٍ ما، بجدية أكره هذا؛ حتى أني أصاب بالأرق ذلك اليوم.

الآن أنا أحاول التقدم للجامعة؛ لأني بدأت أشعر بالوحدة الشديدة والضياع، أشعر بأني أصبحت بعيده كلياً عن البشر، وأرغب في العودة للاختلاط بهم، أرغب بمصادقة الفتيات والتعرف على الكثير، فقد تعبت من الوحدة.

عندي أخت أصغر مني، ولكنها منشغلة بدراستها، وأمي دائماً منشغلة، وصديقاتي اللواتي تعرفت عليهن إلكترونياً جميعهن أصبحن بعيدات عني، لم يتبق لي سوى القليل، ولا أراهم، فقط نتواصل كتابياً.

حتى المحادثات الهاتفية الصوتية أكرهها، أعيش بتضارب بين الرغبة في التخلص من شعوري بالوحدة والخوف والرهبة من مقابلتي للناس.

أخاف من أن ينتقدني أحد ويسخر من منظري، أخاف من أني سأفشل في تكوين علاقات، وأبقى وحيده طيلة دراستي في الجامعة، أخاف من أن أشعر بالنقص في كل يوم أستيقظ فيه لمقابلة الآخرين، وبنفس الوقت أخاف من أن أترك هذه الفرصة وأبقى أسيرة للشعور بالوحدة.

أرجوكم ساعدوني بإيجاد حل لمشكلتي، فقد أرهقت في حياتي، حتى إنني أفكر دائماً بالانتحار، لولا خوفي من الله.

أمي دائماً ما تجبرني على الخروج معها، لأنها تعلم أني لا أخالط البشر، ولا أحد يعرفني، وهذا يجعلني أشعر بالضغط وأكره نفسي، ثقتي بنفسي سيئة مهما حاولت بنائها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ miro ki so حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.
ابنتنا العزيزة: نقول لك أولاً الحمد لله على سلامة عقلك، والحمد لله أن صحتك أفضل من غيرك، فالأمر قد يهون ويسهل إذا كانت المشكلة فقط هي مظهر الوجه أو لون البشرة.

والشيء الطبيعي أن يتمنى الشخص أفضل وأحسن الصفات في وجهه، ومعيار الجمال شيء نسبي، ما يراه البعض جميلاً قد يراه البعض الآخر غير ذلك، وليس هناك إنسان كامل الأوصاف إلا من اصطفاهم الله تبارك وتعالى، و إذا خيّر الإنسان في خلقه لأختار أجمل وأفضل الصفات.

والرضا بما أراده الله درجة من درجات الإيمان.
ابنتنا العزيزة: هل مظهر الوجه هو المعيار والمقياس لشخصيتك؟ أم أن هناك العديد من الصفات غير مرئية هي التي تعبر عن شخصيتك؟ أين العقل؟ أين الأخلاق؟ أين التدين؟ أين الثقافة والمعرفة؟ وأين وأين؟

الذي نريده منك هو: أن تفكري في الجوهر وليس المظهر، فالمظهر قابل للتغيير، ولكن يبقى الجوهر كما هو، فالمولى عزَ وجلَ ينظر إلى قلوبنا لا إلى صورنا وأشكالنا، فالمعيار الحقيقي هو التقوى.

لذلك؛ نذكرك بمواجهة المواقف، والنظر في عيون الآخرين، لأنك لم تفعل شيئاً فاضحاً حتى تنطوي وتستحي، فالأمر لا يستحق هذا التصور الكبير الذي يمنعك من ممارسة حياتك بصورة طبيعية.

ويمكن للشخص أن يتميز بصفات أخرى تكون جاذبة للآخرين وتحببهم فيه، ففكري في ما يمكن اكتشافه في شخصيتك، ستجدين إن شاء الله الكثير من القدرات والإمكانيات والمهارات التي تزيد من ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك، وتغير اتجاهات ومفهوم الآخرين عنك.

لذلك نقول لك ابنتنا العزيزة: مشكلة تجنب الآخرين وعدم الاحتكاك بهم؛ لا بد من التفكير في حلها بالطرق الواقعية، وأولها: المواجهة وعدم الانسحاب والتعذر بأسباب واهية، فحاولي رفع شعار مفاده التحدي والمواجهة، ولا تستسلمي للعزلة والوحدة، فكوني مؤثرة لا متأثرة بالآخرين، مادامت لديك صفات وخصال أنت راضية عنها وتفتخرين بها.

وللمحافظة على العلاقة مع الآخرين نرشدك بالآتي:

1- اسعي في مرضاة الله؛ فإذا أحبك الله جعل لك القبول بين الناس.

2- كوني نموذجاً في الأخلاق واحترام قيم وآراء الآخرين.

3- أفشي السلام على من تعرفين ومن لا تعرفين، وساعدي من يطلب منك المساعدة، وأعرضي مساعدتك على من يحتاج للمساعدة.

4- قدمي الهدايا لمن حولك حتى ولو كانت رمزية، فإنها تحبب فيك الناس، وازهدي فيما عندهم.

5- بادري بمواصلة الآخرين في مناسباتهم الاجتماعية، وشاركيهم في مناسباتهم السارة وغير السارة، ولا تنسحبي، بل واجهي مثل هذه المواقف ولو بالتدريج.

6- أحسني الظن دائماَ في الآخرين إلى أن يتبين لك العكس.

7- لا تستسلمي للأفكار السلبية، والتصورات غير الواقعية، بل فكري بأنك ستكونين أفضل مما أنت عليه إن شاء الله.

وفقك الله تعالى لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً