الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدث الطلاق بعد الزواج وخسرت كل ما أملك!

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، عمري 35 عاما، كان عندي شقة ولدي عمل، وتزوجت، ولكن للأسف طلقت، وخسرت كل ما أملك" الشقة والمال..".

عملي صعب في مصر، وللأسف عندي حالة يأس؛ لأن عمري كبير، وأحس بأني سأنتهي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يحيى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يعوضك عمَّا فقدت خيرًا، وأن يجعلك من صالح المؤمنين ومن سعداء الدنيا والآخرة، وأن يُكرمك بفرصة عملٍ طيبةٍ تحيى منها حياةً كريمةً، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل-؛ فأحبُّ أن أبيِّن لك أن المؤمن لا يعرف اليأس والقنوط أبدًا، لأن له ربًّا يعلم السِّرَّ وأخفى، ولأن له ربًّا هو أرحم به من أُمِّه التي ولدته، ولعلك عندما تبدأ القراءة تقول {بسم الله الرحمن الرحيم} فتجد أن الله تبارك وتعالى بدأ تعريفه بنفسه بصفتين عظيمتين جليلتين جدًّا، وهي صفة الرحمن وأنه الرحيم، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بأن الله أرحم بالإنسان من الوالدة بولدها.

فثق وتأكد أن الله تبارك وتعالى أرحم بك من نفسك ومن كل شيء، ولذلك ما عليك إلا أن تتوجَّه له بالدعاء والإلحاح عليه أن يُغيِّر حالك، وأن يعوضك خيرًا، وينبغي عليك ألا يتسرَّب اليأس إلى نفسك.

تقول إنك أصبحت كبيرًا في السن وتحس أنك سوف تنتهي، أقول لك أخِي الكريم: أتدري متى رزق الله زكريا -عليه السلام- بولده يحيى؟ في بعض الروايات أن زكريا – عليه السلام – كان فوق المائة، وأن امرأته كانت فوق التسعين، وما أن توجَّه إلى الله بالدعاء بصدقٍ إلا رزقه الله تبارك وتعالى بيحيى كما ذكر مولانا ذلك في القرآن الكريم.

فمهما كانت المشكلات التي تواجهك، ومهما كانت التحديات التي تقف في طريقك، فاعلم أن الله أقوى من ذلك كله، ولكن كل المطلوب منك أن تتوجَّه إليه بالدعاء والإلحاح مع البكاء، وأن تُحسن علاقتك به، وأن تجتهد في أداء حقِّه عليك في أفضل صورة، وأن تُري الله من نفسك خيرًا، وأن تأخذ بالأسباب المادية البشرية، وثق وتأكد أنه لم ولن يتخلى عنك.

كثير من أصحاب الملايين وأصحاب المليارات كانوا في يومٍ من الأيام يعيشون حالة من الفقر المدقع، ثم رزقهم الله تبارك وتعالى وبسط لهم، فأصبحوا من خِيرَة أهل الأرض، وأصبحوا من أكثر الناس مالاً، فلا ينبغي عليك أن تيأس، إنِّي أعلم كثيرًا من التُّجَّار أُصيبوا بنكبات، وأُصيبوا بكوارث مالية عظيمة، ولعلَّ بعضهم دخل السجون ثم خرج منها ليبدأ مشواره من جديد، وإذ به يُصبح الآن من أصحاب المليارات.

إذا كنت أنت قد كبوت هذه الكبوة وضاعتْ منك هذه الأشياء، فهذه ليست نهاية الدنيا، وإنما يجب عليك أن تقف على قدميك مرة أخرى، وأن تقوم متحدِّيًا هذا الوضع القائم، وأن تتوجَّه إلى الله تبارك وتعالى مولاك بالدعاء، وأن تُلحَّ عليه، وأن تخرج للبحث عن عمل، واعلم أن الخامسة والثلاثين ليست سِنًّا كبيرًا، أنت ما زلت في منتصف عمرك، وفي عنفوان شبابك ورجولتك، فلا ينبغي عليك أن تستسلم للشيطان اللعين الذي يريد أن يُدمِّرك وأن يُحطِّمك، والذي يريدك أن تنتهي كما تقول أنت، قم يا رجل وقف على قدميك، لك ربٌّ كريم، لك ربٌّ عظيم، لك ربٌّ جواد، لك ربٌّ يسمع السِّرَّ والنجوى، يعلم السرَّ وأخفى.

فتوجَّه الله عز وجل بالدعاء والإلحاح عليه، توجَّه إلى مَنْ يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وأكثر من الصلاة على النبي –عليه صلوات ربي وسلامه– وأكثر من الاستغفار، لأن الاستغفار من مفاتيح الأرزاق، وكذلك الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- والتوبة، وصلاة الضحى، وقيام الليل والمحافظة على السنن ...؛ هذه كلها عوامل جلب أرزاق – أخِي الكريم – بارك الله فيك، وكذلك قيام الليل إن استطعت ولو بركعتين، والإكثار من الصلاة على النبي على وجه الخصوص كما ذكرت لك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن من أكثر الصلاة عليه كفاه الله همَّه وغفر ذنبه، وعليك بدعاء عظيم: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك).

لا تستسلم لهذا الظروف الصعبة، لأن هذا الظرف لم ولن يطول، وإنما عمَّا قريبٍ سوف ينتهي وتتبدَّل الأحوال إلى أحسن حالٍ بإذنِ الله تعالى.

ألحَّ على الله، وأري الله من نفسك خيرًا، ولا تستسلم – أخِي – رجاءً، واعلم أنك لستَ أوَّل من يتعرض لمثل هذه الابتلاءات، وإنما هناك من ابتُلي ابتلاءات أعظم.

أخي الكريم – بارك الله فيك –: أنت لم يُصبك الله في بدنك بشيءٍ، فهناك من فقد سمعه، وهناك من فقد بصره، وهناك من فقد كلتا رجليه، وهناك من فقد يديه، وهناك الذي لا يستطيع أن يتحرَّك، وهناك من لا يستطيع أن يغسل عورته بيده، وهناك الذي لا يستطيع أن يرفع لقمة الطعام إلى فمه، وهناك الذي لا يستطيع أن يلبس ثوبه، فاحمد الله تعالى على ما أنت فيه، فإن فيك نعماً عظيمة لله، وظِّفْ هذه النعم في تحسين وضعك، وأبشر بفرج من الله قريب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً