الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من قلق وخوف وأحلم بكوابيس، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة عمري 17 سنة، ومعقود قراني، مشكلتي بدأت منذ 3 سنوات تقريبا، حيث بدأت أعاني من آلام وحرقة في المعدة، فتوجهت إلى طبيب مختص، وتعالجت كثيرا، ولكن دون جدوى، وكل يوم يزداد الأمر سوءا، حيث أصبحت أتجشأ بصوت مزعج، وكأن معدتي مصدر لصنع الغاز، وكنت أعاني من ضعف في صحتي، وتعب شديد.

أصبحت أتكاسل خاصة في دراستي، وشعري بدأ يتساقط بشكل شديد، وأنا كثيرة القلق وشديدة الخوف والفزع، أخاف من أبسط الأمور، ولعدم الجدوى من الأطباء، توجهت إلى الرقية الشرعية، وذهبت إلى شيخ معروف يعالج بالقرآن، عندما قرأ علي القرآن بدأت في أول الأمر أضحك، وسرعان ما تحولت إلى البكاء دون سبب، كنت أبكي بصوت شديد دون إرادتي، خاصة عندما يقرأ آيات السحر، وأعطاني بعض الدواء للاستفراغ، فتحسنت معدتي في ذلك الوقت بشكل ملحوظ.

بعد مرور حوالي 7 أشهر -أي في شتاء العام الماضي- بينما أنا نائمة، إذ بقدمي تهتز لوحدها، ترتفع وترتمي على الفراش، خفت كثيرا، وذهبت لأنام عند أمي، مع العلم أنني -بفضل الله- ملتزمة بصلاتي، وأقرأ الأذكار والقرآن، وأنام على وضوء.

الأمر يتكرر كثيرا عندما أكون في فراشي، تتحرك أصابع قدمي وحدها، فقمت بقراءة سورة البقرة، وعزمت أن أكملها مرة واحدة، في الأول كنت أقرأ بشكل عادي، وسرعان ما بدأت أبكي بلا سبب، وكل جسمي يتنمل، وقدمي تهتز قليلا لوحدها، أقرأ وأبكي بكاء شديدا، يكاد يجعلني لا أستطيع إكمال القراءة.

في الليل لم أعد أجد الراحة في النوم، أحلم بالجن أنه يلعب بروحي، يهزني ويرفعني في الهواء، أو أجد نفسي أنظر في المرآة، فيتغير شكل عيوني، وأستيقظ على فزع وخوف شديد يكاد يقتلني، وأصبحت هذه الكوابيس جزءاً من حياتي.

أنا أعاني من قلق شديد، ومن كثرة الشرود والنسيان السريع، وأعاني من ضعف في صحتي -والحمد لله على كل حال-.

أريد أن أستشيركم فيما يخص حالتي إن كانت مرضية أو نفسية؟ وما قصة الكوابيس والجن الذي أحس بهم دون أن أراهم في منامي، وما تفسير قدمي التي تتحرك لوحدها؟

أنا لا أرغب في التوجه إلى الرقية مرة أخرى، فقبل أيام سمعت حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب؛ لأنهم لا يسترقون لحسن توكلهم على الله، وأستطيع أن أصبر على العناء حتى أشفى، وأتوكل على الله، وأعالج نفسي بالرقية لوحدي.

أمي تعبت من رؤيتي على هذه الحالة، وتريد مني أن أتعالج بالرقية، خطيبي كذلك تعب من كثرة قلقي، فأنا أثور عليه دون سبب، ولا يستطيع أن يتحمل قلقي المستمر، أريد أن أكون معه زوجة صالحة؛ لأنه حنون ويفعل الكثير لأجلي، فانصحوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جميلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك - أيتها الفاضلة الكريمة - رسالتك هذه وثقتك في إسلام ويب، ورسالتك رسالة واضحة، وقد أعجبتني كثيرًا، أسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أنا الذي أراه أنك لست مريضة لا عضويًا ولا نفسيًا، وهذا الذي بك هو فقط ظاهرة نفسية، وهي أنك تعانين من القلق، والقلق حين يشتدُّ على الإنسان يُصبح قلقًا سلبيًا، والقلق في الأصل هو طاقة إيجابية لأنه هو الذي يُحسِّنُ من دافعيتنا، ويؤدِّي إلى مثابرتنا وإقدامنا وإنجازاتنا، لكن في بعض الأحيان القلق قد يتجمَّد ويتزايد بصورة سلبية ممَّا ينتج عنه التوترات وكذلك الأعراض الجسدية من النوع الذي تحدثتِ عنه، وفي ذات الوقت يُعرف أن تشتت التركيز هو أحد النتائج المباشرة جدًّا للقلق.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: حالتك هي حالة قلقية وليست أكثر من ذلك، ما عانيت منه تجشؤٍ واضطرابات في الجهاز الهضمي ناتجة من التقلصات التي تُصيب المعدة والأمعاء، لأن القلق ينعكس على بعض عضلات الجسم، ومنها عضلات الجهاز الهضمي.

فإذًا العملية عملية فسيولوجية بيولوجية طبيعية جدًّا، والأمر من وجهة نظري لا علاقة له بالجن أو السحر أو العين، هذا الموضوع - أي موضوع العين والسحر- أعتقد أن الناس قد تجاوزوا فيه كثيرًا، وهنالك الكثير من الأفكار الخاطئة، الأفكار غير السليمة، التي أدَّتْ إلى توهمات كثيرة جدًّا.

أيتها الفاضلة الكريمة: العلاج يكون من خلال: تحقير وتجاهل الأعراض، ومن خلال التفكير الإيجابي، وأنت لديك أشياء جيدة وجميلة في حياتك، مُقدمةٌ على الزواج، أسألُ الله تعالى أن يرزقك حياةً زوجية هانئة مع زوجك الصالح، الأمر يتطلب منك أيضًا الابتعاد تمامًا عن التوهمات - كما ذكرتُ لك - وأن تعيشي حياة صحيَّة: أن تُصلي صلاتك، أن تحرصي على أذكارك، ويكون لك وردك القرآني، أن تكوني بارة بوالديك، أن تفكري في المستقبل بصورة أكثر إيجابية وأكثر نضوجًا، وأن تنامي ليلاً مبكرًا، النوم الليلي يؤدي إلى استرخاء وراحة كبيرة.

وفي ذات الوقت أريدك أيضًا أن تتناولي أحد مضادات القلق، لكن هذا يتطلب أن تذهبي إلى الطبيب، طبيب الأسرة وليس الطبيب النفسي، فأنت لست مريضة نفسية، وهنالك أدوية بسيطة جدًّا مثل الفلوناكسول Flunaxol (فلوبنتكسول Flupenthixol) أو الديناكسيت Denaxit) أو البسبار Buspar (بسبرون Busiprone)، هذه أدوية ممتازة، أو جرعة صغيرة اسمه (تفرانيل Tofranil)(امبرمين Imipramine) هذه سوف تُساعدك كثيرًا، وتجعلك -إن شاء الله تعالى- في راحةِ بالٍ واسترخاءٍ نفسيٍ وجسديٍ.

ممارسة الرياضة مهمة ومهمة جدًّا، لأن الرياضة تحرق الطاقات السلبية - جسديَّةً كانت أو نفسيَّة - كما أن تمارين الاسترخاء نعتبرها مهمة جدًّا، لذا حرصنا في موقعنا أن نشرح هذه التمارين، وذلك تحت رقم الاستشارة (2136015) فأرجو أن ترجعي إليها وتطبقي كل ما بها بصبرٍ وأناةٍ حتى تستفيدي منها.

أنا مطمئن أن حالتك هذه حالة عارضة، و-إن شاء الله تعالى- ما ذكرته لك كافي جدًّا، وسوف يفيدك أحد الأخوة المشايخ فيما يتعلق بحديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، لأنهم لا يسترقون لحسن توكلهم على الله.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل اللهُ لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم-استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل مكروه، وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بما يفيدك -إن شاء الله تعالى- من الناحية الطبية والنفسية.

وأما ما سألت عنه بشأن حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم لا يسترقون، فالأمر كما ذكرتِ أنهم نالوا هذه الفضيلة بتمام توكلهم على الله تعالى، فلم يأخذوا بأسباب دفع ما نزل بهم بطرق الرقية والكي، وذلك لكمال تفويضهم الأمور لله تعالى، ولكن هذا لا يعني أن من يطلب الرقية ليدفع عن نفسه المكروه، لا يعني ذلك أنه قد فعل أمرًا حرامًا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بالاسترقاء، لكنه لم يفعله -صلى الله عليه وسلم- ومدح هؤلاء الذين لم يفعلوه، وإذا كان الإنسان إذا ترك الرقية يعود على نفسه باللوم والعتاب، أو يرجع حاله إلى التسخط والتضجر أو نحو ذلك، فالأكمل له والأولى له في هذه الحال أن يأخذ بالأسباب فيتداوى.

ولهذا فنصيحتنا لك أن ترقي نفسك إذا أمكنك ذلك، وهذا أحسن وأفضل، وهو خارج عن حديث (لا يسترقون) فإذا رقى الإنسان نفسه بنفسه فإنه لا يزال ممَّن يشمله حديث السبعين ألفًا، وكذلك إذا رقاه غيره دون طلبٍ منه، ولكن إذا لم تُحسني الرقية واستعنتِ بمن يُحسنها من الثقات أهل الدين والتمسُّك بالسنة، فإن هذا ممَّا أباحه الله تعالى وأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن يحتاجه، فيسعك الوقوف في هذا المقام والتسبُّب في دفع ما قد أصابك من الأذى والهم والقلق.

وأما ما ترينه في المنام من أهوال فإنها جزء من إيحاءات الشيطان يريد بها أن يُنغص عليك عيشك ويُحزن قلبك، فلا تهتمي بذلك، فإن من الرُّؤى ما هو أهاويل الشيطان - كما سمَّاها النبي صلى اللهُ عليه وسلم - ومنها ما هو من حديث النفس وما يهتمُّ به الإنسان في يقظته فيأتيه في منامه، وهذا فيما يبدو لنا هو ما تعانين منه، فإنك تعيشين قلقًا في اليقظة ينعكس ذلك حال المنام، فلا تحزني لذلك، ولا تهتمِّي به، ولا يُشكِّل ذلك حقيقة حتى تخافي منها، إنما هو جزء من حديث النفس وأهاويل الشيطان، علاجه أن تستعيذي بالله تعالى من شرِّ الرُّؤى إذا رأيتها، وتستعيذي بالله من شر الشيطان، وتتحولي عن جنبك الذي كنت عليه، وإذا قمتِ فصلَّيتِ فإن ذلك أكمل ما يكون في دفع شر هذه الرُّؤى وإذهاب قلق النفس.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً