الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من حالات أرق شديد وشعور بتلبس الجن، فما تشخيصكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تأثرت من موقف قبل 6 سنوات، فجاءني شعور أني ملبوس من الجن، واستمرت معي حالات التعرق ودقات القلب القوية، والخفقان وتنميل الأطراف فتره طويلة.. بعدها خفت الأعراض ولكن النوم صار في أسوأ مراحله بالنسبة لي؛ بحيث أني أتقلب في الفراش لساعات ولا أقدر أن أنام إلا ساعات قليلة متقطعة، وأحيانا أواصل ولا أنام!

بعدها نصحني زميلي بحبوب اسمها (ليستال) 20 ملغ، وأخذتها لمدة سنة وتعدل النوم عندي 50 بالمائة، وبعد السنة قطعتها، وبعدها انتكست حالتي وصارت أسوأ من الأول من حيث الشعور بالرجفة أو التنميل، وثقل الرأس وزيادة التبول، وخفقان القلب ونغزات قوية في القلب، وجفاف الفم (لازمتني معظم أيامي إلا قليلًا )، وصرت إذا أسمع قرآناً أو أصلي بالمسجد والإمام يقرأ قرآناً تبدأ الأعراض تجيئني، وتنتفض أطرافي وأخاف من الصرع من أثر اللبس من الجن، ويخفق قلبي زيادة، وأحيانا الأعراض تزيد فجأة من غير مبرر من مجرد تفكير صغير من خوف من صرع أو مس، تجيء الأعراض.

مع العلم أنني أصلي لكن بالمنزل وليس في المسجد؛ خوفًا من سماع القرآن وهجوم الأعراض عليّ بالمسجد، وأقرأ قرآناً بصوت منخفض، وأقرأ الأذكار، ومع العلم أيضاً أنني حاليا أعاني من صعوبات في بداية الدخول في النوم تمتد لساعات وأنا أتقلب في السرير، مع وخز في القلب ونومي متقطع!

أرجو أن يكون لحالتي سبب علمي ومسمى تشخيصي، لأنني احترت من الحالة التي أنا فيها.. وإذا كانت تحتاج لعلاج دوائي أرجو أن لا يكون من أعراضه الجانبية زيادة الوزن أو الإدمان.

ولكم جزيل الشكر والحب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يظهر لي أن هذه أول مشاركاتك مع إسلام ويب، ونحن نرحب بك، وسعداء جدًّا أن تكون من المتواصلين مع استشارات إسلام ويب.

اطلعت على رسالتك هذه وكل الأعراض التي تعاني منها، ومن الواضح أن القلق هو المهيمن على أعراضك، والأعراض الجسدية التي تحدثت عنها من تعرُّقٍ وتسارعٍ في ضربات القلب وتنميل في الأطراف، واستوقفتني زيادة التبوّل كعرض مزعج فعلاً، وكذلك النغزات القوية في القلب، وهي حقيقة ليست في القلب، إنما هي في القفص الصدري، كذلك جفاف الفم، هذه كلها أعراض جسدية ناشئة من القلق.

أنا أستطيع أن أقول لك: إن هذه الحالة حالة نفسوجسدية، هذا هو التشخيص، والقلق هو المهيمن ولا شك في ذلك، وبعد ذلك أتاك شيء من المخاوف، والوساوس البسيطة، خوفك من مرض الصرع هو خوف وسواسي، وكذلك موضوع الجن، وطبعًا المخاوف من الجن متأصلة في مجتمعنا، وأحياناً وبكل أسف يتم تضخيمها حتى تأخذ حيزاً أكبر من حجمها الطبيعي.

أيها الفاضل الكريم: إذًا حالتك -من منظور الطب النفسي- هي حالة قلق المخاوف، ذي الطابع الوسواسي من الدرجة البسيطة، وأعراضك أعراض نفسوجسدية، أتمنى أن يكون التشخيص مقنعًا بالنسبة لك.

والقناعة مهمة جدًّا في التشخيص؛ لأن هذا هو جوهر العلاج، أي أن الحالة مزعجة ولكنها ليست خطيرة، وأول ما تقوم به قطعًا هو أن تجري فحوصات طبية عامة، وذلك لتطمئن، والتواصل مع الطبيب –طبيب الأسرة– يعتبر هو الأفضل -خاصة أنك تعيش في بريطانيا- وطبيب الأسرة سيقوم بفحصك، وإجراء الفحوصات العامة، ونتائجها -إن شاء الله تعالى- سوف تكون سليمة، وهذا سوف يعطيك دفعًا نفسيًا إيجابيًا.

بعد ذلك لا تتردد على الأطباء، ولا تتنقل بين طبيبٍ وآخر، واصل مع طبيب الأسرة، وسوف يصف لك -إن شاء الله تعالى- أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف، وأفضل دواء هو (زولفت Zoloft) والذي يسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline) يُضاف إليه جرعة صغيرة من علاج يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل Dogmatil) ويسمى علميًا باسم (سلبرايد Sulipride). هذا من حيث العلاج الدوائي.

جرعتك هي جرعة بسيطة جدًّا، تبدأ بنصف حبة من الزولفت، تتناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً -خمسين مليجرامًا كافية جدًّا- وتستمر عليها مثلاً لمدة ستة أشهر - أو حسب ما يرى الطبيب – ثم تُخفض الجرعة إلى نصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

أما الدوجماتيل فجرعته هي خمسون مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة – أي خمسين مليجرامًا – صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله.

هذه الأدوية سليمة، وفاعلة، وآثارها الجانبية بسيطة جدًّا، ويجب ألا تشغلك. بعد ذلك أنت مطالب بتغيير نمط الحياة: ممارسة الرياضة يجب أن تكون على جدول أسبقياتك، الصلاة في وقتها هذا أمر لا جدال فيه ولا نقاش فيه. حسن إدارة الوقت، التغذية السليمة، النوم الليلي المبكر، تحديد الأهداف الحياتية بوضوح شديدٍ، ووضع الآليات والطرق والسبل والوسائل التي توصلك إلى أهدافك وغاياتك، هذا –أخِي الكريم– يصرف انتباهك تمامًا عن أعراضك هذه.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر على الثقة في إسلام ويب.

----------------------------
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ عماد البكش مستشار اجتماعي تربوي
-----------------------------

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك؛ فما تذكره من أعراض وما ينتابك من مشاعر يحتاج إلى أمرين:

الأمر الأول: وهو الجانب النفسي فقد ذكره لك الدكتور الفاضل/ محمد عبد العليم، بارك الله فيه ونفعك الله بعلمه.

الأمر الثاني: هو الجانب الروحاني وهو اعتقاد أنك ستصاب بالصرع.

أخي الكريم: الشيطان يخوف المؤمن ليظفر منه بحاجته، وغاية ما على المؤمن ألا يبالي بتخويف الشيطان ولا وسوسته، ويضعها في الموضع اللائق بها.

فالشيطان ضعيف الكيد وليس له سلطان على الذين آمنوا، ولا يملك إلا أن يوسوس ويستجيب من لا يلجأ إلى الله عند وسوسته، وهو يتعاظم عند نسبة الضرر إليه، ويضعف إذا لم يبالِ به المؤمن؛ فعن أبي تميمة الهجيمي عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرت بالنبي صلى الله عليه وسلم الناقة قال: فقلت تعس الشيطان، قال: لا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل الجبل ويقول بقوتي صرعت؛ ولكن قل بسم الله؛ فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب.

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :" إن الشيطان إذا لعن ضحك، وإذا تُعُوِّذ منه، هرب ". وقد أمرنا رسول الله أن نتفل على يسارنا إذا تحسسنا وسوسته، والتفل لا يكون إلا على الحقير الضعيف!

فعليك بتقوية نفسك بثقتك بحفظ الله لك وحسن ظنك بربك، وإيمانك الجازم بأن ما قدره الله كائن، وأن الأمة لو اجتمعت على أن تضرك بشيء؛ لن تضرك إلا بما كتب الله عليك! وعليك بمعاندة الشيطان، ففي الأثر: "إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال إنك ترائي فزدها طولا" فإن قال لك إن صليت في جماعة سيحدث كذا وكذا وتصرع؛ فقل -توكلاً على الله-: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ولا تترك صلاه الجماعة، وأدخل على نفسك السرور، فلا شيء يعينك علي الشيطان ويذهب عنك وسواسه أفضل من الفرح والرضى عن الله، وحسن الظن والتفاؤل بالخير، ولذا غايته أن تحزن حتى في لحظات الفرح؛ ليعيدك خاضعا له، ويسيطر عليك، ويجعلك ضعيف النفس خائر القوى.

فإذا أدركت قوة نفسك وأن الله كافيك، وأن الشيطان لا يعدو كونه مخلوقاً من مخلوقات الله، فاعلم أنه لا يعدو إلا على الضعفاء، فعن عكرمة قال: كان الجن يَفْرَقُون من الإنس كما يفرَق الإنس منهم أو أشد، وكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن، فيقول سيد القوم: نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجن: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم. فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول الله: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }.

فإذا زال عنك خوفك واعتصمت بربك واستعذت به؛ ذهب ضعفك وقويت نفسك واشتد ساعدك، فعند ذلك عليك بأسلحة المؤمنين:

قال ابن القيم: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط! فمتى كان السلاح سلاحاً تامًا لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة؛ تخلف التأثير.

والأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره؛ فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء!

والقلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة، وهمة مؤثرة في إزالة الداء؛ نفعت بإذن الله!

فعليك أخي أن تدفع عن نفسك ذلك بما يلي:

- الوضوء عند نومك.

- متابعة الذكر من دخولك فراش نومك حتى تغلبك عيناك، وستجد أثر ذلك في تغير مرضك؛ بل في ذهابه بالكلية -إن شاء الله- وخاصة أذكار النوم، ومسح جسدك بالمعوذات بعد النفث بهما في يديك.

- المحافظة على أذكار اليوم والليلة، خاصة أذكار الصباح والمساء.

- تقرأ الرقية على بعض الماء فتشرب منه، وترش على جسدك أو تغتسل به.

- وعليك بالقرآن فهو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه؛ لم يقاومه الداء أبداً! كيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان؛ إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه.

ولم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن.

عافاك الله من كل سوء، وصرف عنك شر كل ذي شر، وكتب لك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً