الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائر بين البقاء في الغربة والرجوع إلى عائلتي

السؤال

الإخوة الأفاضل: أنا صيدلي، أعمل بالسعودية، متزوج، وعمري (31) عاما، ورزقني الله بولد عمره (4) أعوام، وبنت عمرها عامان، وزوجتي تعمل في مصر موظفة طبيبة نساء، وتدرس ماجستير في نفس التخصص، وأنزل إليهم في السنة شهرا واحدا إجازة، وهم يأتون إلي شهرا واحدا في العام وقت تجديد الإقامة، وقد تعبنا من البعد عن بعضنا بعضا.

زوجتي -الله يجزيها خيرا- متحملة تعب عملها، ومشقة عملها، وتربية الأولاد، والمذاكرة من أجل دراستها، وقد تعبنا من هذا الوضع، وأنا لي وظيفتي في مصر كصيدلي، وأنتم تعرفون الفرق في الراتب بين هنا وهناك، فالوضع هنا يسعني أن أدخر جزءا من مالي للمستقبل، وهناك يكاد يكون المرتب يكفينا. فهل أنزل نهائيا، وأستقر مع زوجتي إلى أن تكمل دراستها، ونسافر معا، أم أنتظر هنا وحدي إلى أن تكمل دراستها وتأتي إلي؛ لكي تعمل هنا؛ لأنها لا تريد الجلوس في البيت، أم أجعلها تتوقف عن دراستها وتأتي لتستقر معي هنا، أم بم تشيرون علي؟

وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يجمعك بأهلك على خيرٍ، إنه جوادٌ كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فالذي أنصح به أنه إذا كانت الفترة الدراسية المتبقية أمام زوجتك قليلة فأنصح أن تنتهي من هذه المرحلة؛ على الأقل تكون قد أنجزت مرحلة مهمة وفاعلة، وتستطيع بعد ذلك أن تُكمل دراستها في وقتٍ آخر، أما إذا كان المتبقى أمامها طويلاً فإني أنصح بأن تُوقف دراستها بأن يتم تأجيل الدراسة لظرفٍ أو آخر، وأن تستقدم أهلك؛ لتُقيم معك هي وابنك؛ لأن الحياة -بارك الله فيك– اليوم الذي يمر منها لم ولن يُعوض أبدًا، وأنت رجل الآن ما زلت في ريعان الشباب، وفي أمس الحاجة إلى زوجتك، وهي أيضًا في أمس الحاجة إلى وجودك معها، كذلك ولدك هذا في حاجة إلى الاحتضان والاحتواء، فزوجتك مهما كانت قدرتها التربوية لن تستطيع أن تقوم بدور الأب والأم في وقتٍ واحدٍ بنوعٍ من التميز أو المهارة، وإنما هي ستحاول، إلَّا أنه سيظلُّ هناك نوع من القصور؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل للرجل دورًا، وجعل للمرأة دورًا، ومهما حاول أحد الطرفين أن يقوم بدور الآخر فإنه سيظلُّ ناقصًا ومبتورًا.

لذا الذي أنصح به -كما ذكرتُ لك أخي الكريم/ الدكتور محمد: إذا كانت الفترة المتبقية قصيرة فلا مانع، كأن تُتمَّ هذا العام -بإذن الله تعالى- ثم بعد ذلك أنصح بأن تظل معك حتى وإن كنت لن توفِّر شيئًا؛ لأنك في جميع الأحوال ماذا تفعل؟ أنت تجمع الآن حتى إذا ما ذهبت إلى بلدك في المستقبل عشتَ حياةً كريمة، وأنت الآن -بارك الله فيك– لماذا تعيش حياة مهينة، وتحرم نفسك الآن، وأنت لا تدري هل ستنزل إلى مِصْرَ بعد ذلك لتعيش بها أم لا.

فالذي أنصح به إنما هو أن تجتهد في أن تأخذ حقك الشرعي من أهلك، وأن تُعطيهم حقهم الشرعي منك، وأن تستمتع بالحلال الطيب المبارك الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به، وأن تكون عونًا لزوجتك على طاعة الله وأداء رسالتها في الحياة، وأن تكون هي كذلك.

لذا فإني أنصح –كما ذكرتُ لك– باستقدام زوجتك معك إذا كانت المدة –مدة الدراسة– مدة طويلة، أما إذا كانت قصيرة فالذي صبَّرك السنوات الماضيات أعتقد أنك من الممكن لنهاية هذا العام -بإذن الله تعالى- وأكثر قليلاً، ثم بعد ذلك تعيش مع أهلك؛ لأنه كما ذكرت لك نحن نجمع الأموال لنكون سعداء، ومع الأسف الشديد أن معظم الذين يغتربون يأتون إلى بلاد الغربة وهم في شرخ الشباب وفي عنفوان الشباب وقوته، ثم بعد ذلك يعودون كُهولاً إلى بلادهم، فلا يستطيعون أن يستمتعوا حتى بالأموال التي جمعوها، ولا بالحياة التي خططوا لها.

إذًا عش يومك -بارك الله فيك– بطريقةٍ صحيحةٍ توافق شرع الله تعالى، وتتفق مع الفطرة التي فطرك الله تبارك وتعالى عليها، وخذ بالأسباب قدر استطاعتك، ودع النتائج لمولاك، فإن مولاك جلَّ جلاله لن يُضيعك، واعلم أنه لا يضيع أهله.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً