الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالحزن على ما أفعله بصديقتي، أرشدوني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأساتذة والشيوخ الأفاضل، أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الرائع والطيب، جزاكم الله خيراً، ونفع بكم -إن شاء الله-.

أنا خريجة جامعية أبلغ من العمر 23 عاما, تخرجت من الجامعة في شهر 10، أي تقريبا قبل 3 أشهر, طيبة وهادئة، يمكن الاعتماد علي, لكنني انطوائية وسريعة الإحساس بالذنب، أفضل الآخرين على نفسي وإن سببوا لي مشاكل، وأيضا لا أحب المكالمات الهاتفية مع زميلاتي وصديقاتي، لأنني أشعر بأن المكالمات الهاتفية قد تؤدي للغيبة والنميمة، وأحاول تجاهلهما قدر المستطاع، وخلال دراستي الجامعية تعرفت على فتاة طيبة وملتزمة بالصلاة، وتحب مساعدة الغير, ومنذ ذلك الوقت أصبحنا نجلس معا ونراجع الدروس، أخبرتني صديقتي بأنها مرت بتجربة غير ناجحة في الصداقة عندما كانت بالمرحلة الثانوية، حيث تعرفت على فتاة وصادقتها وتقربت لها، رغم اختلاف تخصصهما، ولكنها افترقت عنها، ولم تعد تتواصل معها كالسابق، حتى انتهت تلك العلاقة.

صديقتي إنسانة جادة بطبعها، كانت تعتبرني أقرب صديقة لها، ودائما تخبرني بمشاكلها وهمومها، أحبها وأرتاح لكلامها في أمور الدين والحياة، وأشعر بالطمأنينة والأمان معها، بالرغم من معاملتي لها بطريقة رسمية، ولا أخبرها بهمومي، ولا أحب البوح لأحد عن مشاكلي؛ لثقتي بأنه لا أحد يسطيع حل مشاكلي ولو كانت صغيرة، لذلك أعتمد على الله ثم على ذاتي، إلا أنني كنت دائما أحاول مواساتها والتخفيف عنها، وكانت تتصل بي كثيراً، ولكنني أصاب بالتوتر والخوف، وسرعة نبضات القلب وتعرق اليدين عند اتصال أي شخص بي، ولا أستطيع أن أذكر لها ذلك حتى لا تزعل مني، أو تظن أنني لا أرغب بمصادقتها.

في إحدى المرات اتصلت بي ولم أرد على الهاتف، وتكرر ذلك الأمر كثيراً لأنني مللت من الرد عليها، وأحياناً أحاول البحث عن اسمها ورقمها للاتصال بها ولكنني أتوقف عن ذلك، وأحسست بأنني أقاطعها دون قصد، بل كان هدفي فقط أن أرتاح من المكالمات الهاتفية، لكنني بعد فترة أحسست بالذنب، فاتصلت بها، واعتذرت منها، وفي كل مرة أقدم لها الأعذار حتى لا تشعر بأنني أريد الهروب من مكالماتها الهاتفية.

وفي أحد الأيام اقترحت عليها فكرة أن نقوم بحفظ القرآن معاً، وفرحت بهذه الفكرة، وشرحت لي فوائد حفظ القرآن، والأجر الكبير الذي سنحصل عليه، وقالت لي: بأننا -بإذنه تعالى- سندخل في حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"، لأننا أحببنا بعضنا في الله واجتمعنا عليه, حتى قامت بالبحث عن مراكز تحفيظ القرآن الموجودة في البلاد، وأرسلت لي أرقامها عن طريق الهاتف.

لكنني تجاهلتها مرة أخرى عندما اتصلت بي، ثم أرسلت لي رسالة عبر الهاتف تقول: تعبت من تصرفاتك، وأشعر بأنكِ لا تريديني في حياتكِ. مما جعلني أشعر بالذنب مرة أخرى، وفي اليوم التالي كتبت لها رسالة قلت لها: كيف حالك، ومتى تريدين أن نبدأ بحفظ القرآن؟ ولكنها أخبرتني بأنها سوف تناقش معي الأمر في وقت لاحق، فأحسست بأنها ملت مني.

أشعر بالحزن الشديد على ما فعلته، ولا أعرف ماذا أفعل؟ وأشعر بالحيرة، فأحياناً أود مصادقتها، وأحياناً أخرى أرغب بالابتعاد عنها، حتى لا أسبب لها أي حزن أو تعاسة، لأنني لا أحب أن أتسبب بالحزن لأي إنسان، ولا أرغب بمصارحتها بأمر المكالمات الهاتفية، فماذا أفعل؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام بمشاعر صديقتك، وبحرصك على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، ويصلح الأحوال، وأن يؤلف القلوب، ويحقق في طاعته الآمال.

لقد أعجبتني فكرة الاشتراك في حفظ القرآن، وهذا توجيه جيد للاستفادة من المكالمات، ومن علاقة الصداقة، لتكون في الاتجاه الصحيح، ومن المفيد وضع جدول، وإشعارها من خلال الجدول بأهمية تنظيم الوقت، وأشعريها بأن لديك التزامات أسرية، وأنك بحاجة إلى أوقات حرة تمارسين فيها بعض الأعمال أو الهوايات النافعة، وعليه فينبغي أن يكون الجدول المتفق عليه على النحو التالي، ثم قدمي مقترحك الخاص لجدول الحفظ، وبذلك تستمرين في الاستفادة من إيجابياتها.

ونشكر لك تفادي جرح مشاعرها، ونتمنى أن تتاح لك فرصة لتوضحي لها نفورك من المكالمات، ونقترح عليك الثناء على نشاطها، وحيويتها وهمتها وإيمانياتها، ثم قولي لها: بأنك تتمنين أن تكونين مثلها في كذا وكذا، وأنك لا تحبين الكلام في الهاتف، وأنها الإنسانة الوحيدة التي تردين عليها، واطلبي السماح منها على تقصيرك، وبيني لها أنك تحبينها، وبذلك تكونين قد نجحتِ في إيصال ما في نفسك، من أجل أن تقوم الصداقة على أسس ثابتة، ولا يخفى على أمثالكن أن الصداقة الناجحة هي ما كانت في الله، ولله، وبالله، وعلى مراد الله، وكل أخوة وصداقة سوف تنقلب إلى فشل وعداوة، إلا صداقة أهل الإيمان، قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بالمحافظة على صداقتك وصديقتك، وعليك بالمداراة وهي معاملة كل إنسان بما يقتضيه حاله، واعلمي أن المؤمنة التي تخالط وتصبر خير من التي لا تخالط ولا تصبر، ونسأل الله أن يعينكم على إصلاح الخلل، وعلى الثبات على ما فيه إرضاء لله -عز وجل-.

أسال الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً