الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديق زوجي يحرض زوجي على الفسق والزنا، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماذا أفعل؟ صديق لزوجي يحرضه على الفسق والزنا، مع العلم أن زوجي يخاف الله ومحافظ، لكن صديقه لم يمل من تحريضه على الليالي المحرمة والفجور ويوعده أن يتكفل بكل شيء مادياً على أن يوافق ويكون معه، ويقول له انحرف ثم تب! ولم أعلم إلا من محادثة الواتس لهذا الرجل مع زوجي.

أفيدوني جزاكم الله خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatmah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك مع موقع الشبكة الإسلامية، والجواب على ذلك.

- أكثري من الدعاء لزوجك بأن يصرف عنه رفقاء السوء.
- وعليك أيضا أن تنصحي زوجك ببعض فتاوى العلماء المحذرة من الزنا وعواقبه، ولو بطريق غير مباشر.
- قال الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا، واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال: "يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك"، فأنزل تصديقها في كتابه: ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ... الآية ) الفرقان/68.

قال ابن القيم: "والزنا يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله، فالغدر، والكذب، والخيانة، وقلة الحياء، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.

ومن موجباته: غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملِك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة، ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومنها: ظلمة القلب، وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له، ومنها: الفقر اللازم، ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن، ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن، كما في الصحيحين عن النبي أنه قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "، ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنُّور الذي رأى النَّبيُّ فيه الزناةَ والزواني، ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) النور/26.

وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين، ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) النحل/23، وقال تعالى: ( وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) الزمر/73، فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة: من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميَّز الخبيث من الطيب وجعلَ الخبيثَ بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيبٌ، ولا يدخل الجنةَ خبيثٌ، ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به، ومنها: قلة الهيبة التي تُنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة، ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده، ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه.

ومنها: ضيقة الصدر وحرجه، فإن الزناة يعاملون بضد قصدهم، فإن مَن طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه: عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خيرٍ قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش: لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة، والفوز بثواب الله وكرامته، ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة: فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله: ضيِّق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام: فاته نظيره يوم القيامة.

ومنها: أن الزنا يُجرئه على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسراً إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك، وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجندٍ من المعاصي قبلها وجند بعدها، وهي أجلب شيءٍ لشرِّ الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها: عز على الناصحين استنقاذه، وأعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يُفدى، وقتيلها لا يُودى، وقد وكَّلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبدٌ: فليودع نِعَم الله؛ فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: { ذلك بأن الله لم يك مغيِّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم }، وقال تعالى: { وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال }، فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر " روضة المحبين لابن القيم " (  ص 360 – 363 ).

وأخيرا عليك سد منافذ التفكير في الحرام لدى زوجك؛ بأن تكوني متجملة لزوجك ملبية لرغبته.

كان الله في عونك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات