الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بفتور في همتي وعزيمتي.. كيف أتغير داخليا؟

السؤال

السلام عليكم.

عندي مشكلة فتور في الهمة والعزيمة، كثيرا ما يصفني أبي وإخوتي وأمي بالكسل! والله أني عندما أقرأ أذكار الصباح والمساء، أركز على الاستعاذة من هذا الكسل.

حزينة على حالي جدا، وأتألم جدا، يؤرقني التفكير في حالي حد البكاء، كثيرا ما حاولت أن أخرج من هذه الدوامة، أجتهد في فترة قصيرة، ثم تقل عزيمتي تدريجيا، علما أن لدي إمكانيات كبيرة بفضل الله، وينقصني الاجتهاد، ولكن نفسي تأبى الانصياع، أعلم أن عمري هو الساعات التي أقضيها، ومتأكدة من القدرات اللا منتهية التي وضعها الله فيّ، إلا أن المشكلة الأساسية أنني لا أملك إحساس الرغبة والشغف تجاه عملي، شح في الإصرار، لا أريد تغير عملي، أريد أن أتفوق فيه، كيف أبدأ وأستمر؟

كثيرة التفكير مع نفسي، لا أحب الاستعانة بالأفراد في مشاكلي الخاصة، لذلك لم أشتك كوني ملولة لأحد.

أعلم أيضا أن الاستعانة بالله ضرورية، -الحمد لله- وأنا الآن بفضل الله أصلي الليل، وأسأل الله كثيرا أن يهديني ويشرح صدري لحب العلم والعمل، وكثيرا ما أشعر بالراحة بعد الفراغ من الصلاة، لكني أخاف أن الله لن يعينني تحت مفهوم " إن الله لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

كيف أبدأ وأنا مثقلة جدا، ما زلت أتململ من عملي، وأختم بالحزن على عمري؟

بدأت بحفظ القرآن -الحمد لله-، هو فقط الآن يعطيني أمل التغير، ولكن ماذا أفعل؟ وما هو المطلوب؟ كيف أتغير داخليا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سحر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- لا يخفى عليك – أختي الفاضلة – أن الكسل من العادات والآفات السيئة التي تعطّل كمال الإنتاج والنجاح والعمل، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من العجز والكسل والهم والحزن والجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال.

- فمن أعظم مصائب آفة (الكسل) أنها تهدر على الإنسان الاستفادة من نعمة الوقت والفراغ فتعطل عليه الكثير من مصالحه الدنيوية والأخروية، وفي الحديث: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري، ومن جميل وصاياه صلى الله عليه وسلم لأبي ذر, وهي من أعلى الوصايا في الدين؛ لأن فيها الحث وطلب التحقق بمعارف الهدى علماً وعملاً, وهي دعوة إلى اغتنام الحياة كلها قبل الممات بالمسابقة إلى فعل الخيرات, والغنم: هو الفوز والنجاح والفلاح من غير مشقة ولا تعب: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك) فالوقت هو الحياة كما قال الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت مجموع أيام كلما مضى يوم مضى عمرك).

إنّا لنفرح بالأيام نقطعها ** وكل يومٍ مضى يدني من الأجل.

كل الناس -أختي الفاضلة- يمرون بأوقات من الفتور والخمول والكسل, وذلك يرجع إلى أن الإيمان يزيد وينقص كما يرجع إلى علّة فوضى الوقت، وعدم الانتظام في أمور حياتنا، ومنها عدم انتظام مواعيد النوم أو قلّته أو زيادته، أو إلى عدم ممارسة الرياضة، أو عدم الثقة بالنفس، أو لأسباب اجتماعية أو نفسية أو غيرها, ومن ذلك عدم التغيير في روتين الحياة، أو بسبب الإجهاد أو الإحباط أو القلق والاكتئاب بسبب أزمات الحياة المختلفة، أو الخوف من مواجهة المهام، أو للشعور بالمرض والتعب والإرهاق، وهذه حالة طبيعية, إلا أنها تكون مرضية إذا استمرت هذه الأعراض لوقت طويل، أو خرجت به عن طريق الخير, وفي الحديث: (لكل عامل شرّة, ولكل شرّةٍ فترة, فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى, ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل) رواه البزار وصححه الألباني.

وعليه لا بد من إزالة القيود على القدرات الذهنية، وتحرير الرغبات المكبوتة من الانفعالات السلبية كالغضب، أو الإحباط أو الخوف، واستشعار التحدّي النفسي، وترك الاستغراق بالهموم والمخاوف، والتفكير جدّياً وملياً بأهدافك ونشاطاتك التي تملأ عليك حياتك، وابحثي عن أهداف مقنعة، وابني حياتك حولها، فالعاقل يسعى –ولاشك– إلى المجد, وهو لا يأتي هبة, ولكن بالمثابرة والمصابرة والمناهبة.

بقدر الكدِّ تكتسب المعالي ... ومن طلب العُلا سهر الليالي
ومن رام العُلا من غير كدٍّ ... أضاع العمر في طلب المحال

لولا المشقّة ساد الناس كلهمُ ** الجود يفقر والإقدام قتّالُ.
وما نيل المطالب بالتمني ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قومٍ منالٌ ** إذا الإيمان كان لهم ركابا.

- لكِ الأسوة الحسنة برسول الله الذي تفطّرت قدماه وربط الحجر على بطنه من الجوع، وأدميت عقباه بالحجارة، وخاض بنفسه كل غارة في سبيل نشر الدعوة, وهكذا كان الصديق أبو بكر صرف للدين أقواله، وأصلح بالهدى أفعاله وأقام بالحق أحواله، وأنفق في سبيل الله أمواله، وهاجر وترك عياله؛ ذلك لأن الحياة عقيدة وجهاد ونضال وكفاح لا مكان فيها للنائم الكسول، ولا المحبط المخذول.

عليكِ الجد إن الأمر جد ** وليس كما ظننت ولا وهمت
وبادر فالليالي مسرعاتٌ ** وأنت بمقلةٍ كسلان نمت.

انفضي غبار الكسل، فكل من سارع الدرب وصل، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، ولهذا قيل: (المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت, وإن قصّر بها اتّضعت)، وما أجمل قول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: (وقد عرفت بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدمي, وإن ما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حثّت سارت, ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسلِ المنعم, أو كسلاً فالجأ إلى الموفّق, فلن تنال خيراً إلا بطاعته, ولا يفوتك خير إلا بمعصيته).

- ومن أحسن ما يعين على معالجة آفة الكسل لزوم الصحبة الطيبة التي تذكرك إذا نسيتِ وتنبهك إذا غفلتِ وتعلمك إذا جهلتِ, وتنشطك على فعل الخير فـ(المرء على دين خليله)، (الجماعة رحمة والفرقة عذاب)، (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) كما في الأحاديث الصحيحة.

- ولا أجمل من اللجوء إلى الله تعالى الرحيم الرحمن بالدعاء والذكر، وقراءة القرآن فهو خير علاج، ورقية لظاهرة الكسل والفتور وضعف الإيمان، ومواجهة أهواء النفس ووساوس الشيطان، والله الموفق والمستعان.

أسأل الله تعالى لكِ التوفيق والسداد، وأن يلهمكِ الهدى والصواب والرشاد، والسعادة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً