الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجاوزت محنة الإصابة بالسرطان لكني فقدت حبي لأطفالي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

عمري 32 سنة، أم لولدين 8 و4 سنوات، أدرس في الجامعة، منذ سنة ونصف أصبت بسرطان البلعوم الأنفي، وتجاوزت المحنة، ولكن تغيرت أشياء كثيرة في شخصيتي، منها أنني أصبحت جافة جدا في المشاعر لدرجة أني لا أتحمل أن أحتضن أولادي، وسريعة الغضب لا أتحمل حركاتهما وعدم سماعهما كلامي، فقدت كل السيطرة عليهما، كثر صراخي وعتابي وتعبي، أصبحت أحس أنني لا أحبهما إلا عندما ينامان أو يبتعدان عني.

منذ مدة رجعت للدراسة في محاولة لإخراج نفسي من دائرة المرض والالآم، وتحسنت نوعا ما خاصة بالتقدم في الدراسة، لكن أحس أني فاشلة كأم وزوجة، لم أستطع أن أعود كما كنت، وهذا يقتلني ويفقدني الرغبة في الحياة والاستيقاظ كل يوم.

أحاول عبر القراءة على النت أن أتقبل ما حصل لي، والحمد الله الكل يتحدث عن كيف كنت صابرة عند الابتلاء، علما أني أحس أني فقدت شيئا ولا أعرف ما هو!!

انصحوني بارك الله فيكم، غير الدعاء والتقرب من الله ماذا يسعني أن أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن الإصابة بالسرطان، وفي هذا العمر الصغير من الشباب لأمر صادم، ونحن نعتبره مما يسبب صدمة نفسية شديدة للمصاب، أعانك الله وخفف عنك.

ومن الواضح أنك تحاولين التكيّف مع ما حصل ولكن يمكن أن يكون هناك عادة افتراق بين تقبل العقل وتقبل القلب، فمن الواضح وأنت المرأة المؤمنة قد تقبلت الأمر من الناحية العقلية، ومن باب الإيمان بقضاء الله وتقديره لك، وقد اتخذت بعض الخطوات العملية لمحاولة التكيّف، ومنها العودة للدراسة الجامعية.

اسمحي لي أن أقول، وكأنه ما زال هناك حاجة للعمل على التقبل القلبي، وهو تقبل العواطف والمشاعر، وفي هذه الحالة يمكن للكثيرين أن يعتبروا العودة للدراسة إنما هي نوع من الهروب من مواجهة التكيّف القلبي!

وما الأعراض التي تشتكين منها من عدم تقبل الأولاد والاقتراب منهما وعدم احتضانهما، والغضب والصراخ والعتاب... إنما هي تنفيس عن الصعوبات القلبية العاطفية التي تشعرين وتمرّين بها، فأنت بدل أن تعبّري عن حقيقة مشاعرك من الغضب وعدم الارتياح مع حقيقة أنك أصبت بالسرطان، فهذه المشاعر التي تحاولين كبتها، إنما تخرج في نوبات الغضب والعصبية، ومنها صعوبات الاقتراب من الأولاد وربما الزوج.

أنصحك بالتواصل مع قسم السرطانات في المستشفى التي تتعالجين فيها، أو كنت تتعالجين فيها، وأن تطلبي الحديث مع الأخصائية النفسية في هذا القسم، فهناك بعض العمل الذي يفيدك أن تقومي به مع الأخصائية، ومما يتيح لك التفريغ العاطفي عن بعض المشاعر السلبية التي تحاولين كبتها، وهناك طرق كثيرة صحية للتفريغ العاطفي، أما التفريغ العاطفي بنوبات الغضب والابتعاد عن الأولاد، فهي من الطرق غير الصحية.

ولا أظنك في حاجة أن أذكرك بأن أطفالك أو أولادك في حاجة لك ولعطفك أكثر من أي وقت آخر، وخاصة أني متأكد من أن عندهما الكثير من الأسئلة عنك وعن مرضك والمستقبل، وهما لا يعرفان أين يذهبا بهذه الأسئلة، وتذكري أنك عندما تقتربي منهما ولمساعدتهما، فأنت في نفس الوقت تساعدين نفسك في تجاوز ما حدث، والتكيف العقلي والقلبي مع كل ما حدث ويحدث، ونفس الشيء مع زوجك، أرجو ألا تخرجيه من دائرة اهتمامك، فحديثك معه، ولو بكيت، يساعدك ويساعده في نفس الوقت، وأنا متأكد أيضا أنه يحاول أن يساعدك، ولكن لا يدري كيف.

أرجو ألا تشعري بأن هذا السرطان هو مشكلتك أنت فقط، وبأن عليك التعامل معه بمفردك، فالحمد لله أن الإنسان إنما هو مخلوق اجتماعي، وهو بتواصله مع الآخرين يساعد نفسه ويساعدهم.

وفقك الله، وكتب لك الصحة والعافية، وأعانك على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، لا شك، والدعاء لله تعالى دوما مفيد ولا بد من اتخاذ الأسباب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً