الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من صداع ودوخة وآلام في الرقبة والظهر والكتفين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله بركاته
أشكر كافة القائمين على هذا الصرح الكبير، ربي يبارك فيكم وينفع بكم، وبالخصوص سيادة الدكتور محمد عبد العليم.

منذ 7 سنوات أصبت بآلام جسدية على شكل شد كبير في الرأس، وذهبت إلى المستشفى، وعملت الفحوصات، وقال لي الطبيب: أني سليم، وأعطاني بعض المسكنات، ومن ذلك الوقت وأنا لا زلت أعاني، وخلال هذه المدة ترددت على أطباء في كافة التخصصات: باطني، أنف وأذن، أعصاب، عيون، عظام، وجميعهم لم يشخصوا حالتي، حيث أن الألم يمتد إلى رقبتي على شكل صداع ضاغط، مع آلام في البطن متقطعة صباحا عند الاستيقاظ، مع نوبات من الدوخة، وأحيانا يصحبها خفقان، وأشعر بأنني سأفقد الوعي أو أموت.

تولد عندي إحساس بالقلق والخوف بأني مريض بمرض لم يستطع الأطباء تشخيصه، وأنا إلى الآن في معاناة يومية، لا أحب الخروج من البيت إلا قليلا، وأذهب إلى عملي بصعوبة، حيث أعاني من النوبات أثناء العمل -طبيعة عملي مكتبي-، وكذلك أنا مغترب عن وطني وأهلي.

عملت تحاليل صورة دم، وظائف كلى وكبد، سرعة ترسيب، غدة درقية، فيتامين (د)، أشعة مقطعية على الدماغ والجيوب الأنفية، ومؤخرا كانت متابعتي مع طبيب الباطنية، حيث أخبرني أنني لا أعاني من أي شيء عضوي، وحولني إلى طبيب النفسية، والذي بدوره صرف لي دواء سمبالتا 60، إلا أنه غير متاح، فقام باستبداله بدواء بروزاك 20 حبة صباحا لمدة شهرين، ثم أراجعه، ونصحني بعمل أشعة رنين مغناطيسي على الرقبة والعمود الفقري، عندما أخبرته بأنني أعاني من الصداع والدوخة وألم في الرقبة وأعلى الظهر والكتفين.

سؤالي: هل البروزاك علاج جيد بالنسبة لحالتي؟ علما بأن اليوم هو الخامس من تناولي للعلاج، وأحسست معه بقلق وصداع غريب، وأستيقظ من نومي ليلا ثم يأتيني خفقان ويذهب بعدها، كما أود الإشارة بأني أتناول علاج ديوفان 80 حبة يوميا للضغط.

أرجو الإفادة والنصح، وجزاك الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أشرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك – أخي الكريم – ثقتك في إسلام ويب، وجزاك الله خيرًا على ذلك، ونسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا.

حالتك – أخي الكريم – هي مثال للحالات الكثيرة والمنتشرة جدًّا في هذا الزمان، والحالة حقيقة ليست خطيرة، لكنّها مزعجة بالنسبة لك، وأنا أُقدِّر ذلك تمامًا.

حالتك تأتي تحت نطاق ما يُسمَّى بالحالات النفسوجسدية، بمعنى أن هنالك أسبابا نفسية بسيطة كوجود قلق مثلاً نسبةً لقابليتك واستعدادك التكويني للإصابة بالقلق، هذا ظهر عندك في شكل أعراض جسدية أو أدى إلى أعراض جسدية.

فهذا هو تشخيص حالتك – أيها الفاضل الكريم – الذي أتصوره هو أنه لديك قلق نفسي قد يكون من الدرجة البسيطة أو المتوسطة، والقلق يؤدي إلى القلق النفسي، والتوتر النفسي كثيرًا ما يتحوّل إلى توتر عضلي، وأكثر عضلات الإنسان التي تتأثر هي عضلات الرأس، وفروة الرأس عضلة كبيرة جدًّا، لذا يحدث ما يمكن أن نسميه بـ (الشد العضلي) في الرأس، وهذا هو الذي تُعاني منه.

والكثير من الناس يشتكون من آلام جسدية متعدِّدة مثل النوع الذي تعاني منه، وقطعًا حالتك ازدادتْ أو ترسَّخت نسبةً لمحاولاتك الطبية المتكررة لأن تعرف السبب وأن تزيله وتسعى لعلاجه، والتنقل من طبيب إلى آخر أيضًا يُدعِّم الحالة النفسوجسدية هذه، أخي: قطعًا أنت لا تُلام على ذلك، لأنك تبحث وتريد أن تعرف ما بك وتُعالجه.

أول ما أنصحك به – أخي الكريم – هو أن تقتنع أن حالتك هذه نفسوجسدية، بمعنى أن الأسباب النفسية تلعب دورًا فيها، وليس من الضروري أن يكون هنالك سببًا نفسيًا واضحًا، قد تكون أسعدَ الناس وفي أفضل الأسر ولديك أفضل وظيفة، لكن في ذات الوقت يكون لديك شيء من الهشاشة النفسية، أي القابلية للقلق وللتوتر، وهذا موجود بين البشر، ممَّا يجعلك عُرضة لمثل هذه الأعراض.

فحوصاتك جيدة، كلها ممتازة، وصورة الرنين المغناطيسي الذي طلبها منك الطبيب لا بأس بها، وإن كنتُ لا أرى منها ضرورة، لكن إذا تيسَّر لك إجرائها ولم تكن تمثِّلَ عبئًا ماليًا عليك فقم بإجرائها.

الخطة العلاجية – أيها الفاضل الكريم – تتمثل في الآتي:
أولاً: أن تفهم أن حالتك نفسوجسدية، أنك لست متوهِّمًا أبدًا، لكن القلق النفسي هو الذي ينعكس على أجزاء من جسدك ويؤدي إلى الصورة الإكلينيكية التي تعاني منها. إذًا فهم الأمر مهم. ويُعرف – أخي الكريم – أن الإنسان حين يسعى للراحة النفسية بقدر المستطاع ويُقلل من انفعالاته، هذا يُساعده كثيرًا.

الأمر الثاني: أرجو ألَّا تُكثر من التردد على الأطباء، هذا – يا أخي – يُولِّد لديك الكثير من التهجُّس والمخاوف والوسوسة، وقد تنتهي بحالة تُسمى بالمراء والتوهم المرضي. لا أريد لك هذا.

ثالثًا: الرياضة يجب أن تكون هي المرتكز الأساسي لعلاجك، أي نوع من الرياضة، المشي، الجري، ممارسة كرة القدم، أي نوع من الرياضة متاحة لك يجب أن تمارسها، بشرط أن تكون هنالك استمرارية في ذلك، الرياضة تُتيح للجسم أن يتخلص من سلبياته كلها، الرياضة تؤدي إلى الاسترخاء العضلي، تؤدي إلى إغمار الجسم بالدم وبالأكسجين والمواد الكيميائية الإيجابية، فاحرص على الرياضة – أخي الكريم – واجعلها منهجًا في حياتك.

عليك أيضًا بتمارين الاسترخاء، لأن هذه التمارين ذات فائدة عظيمة على النفس وعلى الجسد، وأيضًا - يا أخي الكريم - التواصل الاجتماعي، الترابط الاجتماعي السليم والصحيح، وأن يكون للإنسان شبكة اجتماعية تواصلية إيجابية، هذا يعود على صحتك النفسية بصفة عامَّة بخير كثير، كل الدراسات الحديثة في علوم السلوك تثبت ذلك.

بالنسبة للعلاجات الدوائية: الـ (سيمبالتا) علاج لا بأس به، وهو علاج مفيد لكثير من الناس، لكن قطعًا لا نستطيع أن نقول أنه يُناسب كل إنسان.

بالنسبة للبروزاك والذي تتناوله أنت الآن: هو عقار رائع وممتاز، وسوف يعود عليك بخير كثير -إن شاء الله تعالى-، ويتميز البروزاك أنه لا يزيد الوزن، وفي ذات الوقت يعطي حيوية، ويُساعد في بناء الطاقات النفسية والجسدية، ممَّا يعني زوال الشعور بالإجهاد النفسي والجسدي.

لكن أتفق معك أيضًا أنه يُسبب صداعا لحوالي عشرين بالمائة من الناس خلال الأسبوع الأول، وحتى الأسبوع الثاني من بداية العلاج. وعليه في حالتك - أخي - أنصحك بأن تصبر عليه، تحمّل هذا الصداع، وحتى نُساعد على تخفيف هذا الصداع أريدك أن تتناول عقار (دوجماتيل/سلبرايد) بجرعة كبسولة صباحًا ومساءً لمدة أسبوعين، ثم كبسولة مساءً لمدة أسبوع، ثم تتوقف عن تناوله. -إن شاء الله- سوف يساعدك كثيرًا الدوجماتيل بالتخلص من الصداع.

الجرعة العلاجية التي ربما تحتاج إليها قد تبلغ، أو من الأفضل أن تصل حتى أربعين مليجرامًا في اليوم، زيادة الجرعة ننصح بها بعد شهرٍ إلى شهرين من بداية العلاج، وهذا الأمر يمكنك أن تُناقشه مع طبيبك.

وكما ذكرتُ لك لا تستعجل على تغيير البروزاك، استمر عليه، وفي ذات الوقت أبشرك بأنه توجد بدائل ممتازة للبروزاك في حالة أنك لم تستفد منه. عقار (زولفت) سيكون هو الأنسب، لكني لا أريدك أن تبني مشاعر سلبية حيال البروزاك، لأن ذلك قطعًا سوف يُقلِّل من قناعتك العلاجية الإيجابية.

بالنسبة لعلاج الـ (ديوفان) بجرعة 80 مليجراما: دواء ممتاز لعلاج ارتفاع ضغط الدم الخفيف أو البسيط، فاستمر عليه حسب التعليمات من جانب أطبائك.

بارك الله فيك - أخي الكريم - وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على ثقتك في استشارات الشبكة الإسلامية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الكويت اشرف

    جزاك الله خير يادكتور محمد

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً