الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب والخوف يفقدني المتعة والرغبة في عمل أي شيء! أرشدوني

السؤال

إلى الدكتور محمد عبد العليم حفظه الله

أنا شاب أبلغ من العمر 32 سنة، مشكلتي أني دائم الندم على الماضي, ودائما أحمِّل نفسي أخطائي في الماضي.

أنهيت دراستي الجامعية منذ 8 سنوات في علم برمجة الحاسوب، ولكني لم أحصل على فرصة مناسبة في العمل على شهادتي، فهذا التخصص يحتاج العديد من الدورات، ولكني لم آخذ أي دورة حتى الآن، وأريد العودة إلى الدراسة وأن أبدأ بأخذ دورة، لعلي أستفيد فيها في العمل على شهادتي الجامعية، ولكن الشعور بالندم على ما فات والإحباط يعيقني عن الدراسة، وخاصة أنني كبرت في السن، وأندم على ما فاتني من سنين وعلى أخطاء كانت في الماضي، لدرجة أن بعض الوساوس والمخاوف تراودني كثيرا، وحالة من الرهبة عند الخروج والاختلاط مع بعض الناس، وهذه الأمور دائما تشغل بالي في التفكير؛ مما أفقدني المتعة والرغبة في عمل أي شيء.

مع العلم أنني في مرحلة من مراحل حياتي ( أي أثناء مرحلة دراستي الجامعية ) أصابتني حالة من الاكتئاب، اضطررت من أجلها لتأجيل سنة كاملة، وأثناء تلك الفترة ذهبت إلى أكثر من طبيب نفسي واستفدت بعض الشيء، فالدكتور الأول وصف لي منيتران (تربتزول 3 حبات ) وحبة زولام ليلا قبل النوم.

تحسنت أموري بعض الشيء أثناء تلك الفترة، واظبت على العلاج مدة سنة كاملة، ولكنني للأمانة لم أرتح نفسيا بصورة جيدة على هذه العلاجات، وكأن شيئا ما ينقصني فلم أشعر بالحيوية مطلقا.

فيما بعد ذهبت إلى أحد الأطباء الآخرين وصف لي بروزاك وسوليان 50 ملغم، ولكن أيضا لم أحصل على نتائج مفيدة، وأنا الآن في حيرة من أمري ماذا عليّ أن أفعل، فقد كبرت في العمر، ولم يعد باستطاعتي زيارة أي طبيب نفسي.

ولم أحصل على فرصتي المناسبة في العمل وإمكانياتي المادية محدودة، وأريد العودة إلى الدراسة بعض الشيء، لكن الإحباط والندم يشغلان تفكيري ومصاب باكتئاب ورهاب ووساوس وأرق شديد؛ نتيجة لتلك الأمور، وفي الصباح حالة من الخمول والكسل؛ لأنني لم أنم جيدا في تلك الليلة، بالإضافة إلى المزاج المتعكر والتوتر والقلق الشديدين؛ لدرجة أنني لا أستطيع أن أجلس بدون أن أهز رجلي.

مع العلم أنني استعملت بعض من الأدوية الأخرى من تلقاء نفسي غير بروزاك مثل فافرين ولم أستفد مطلقا، فما الحل لأتخلص من تلك المشاعر القاتلة بصورة نهائية؟ وهل فعلا أعاني من أكثر من مرض نفسي في نفس الوقت؟ وما هي إرشاداتكم لي؟ وأي الأدوية أفضل لحالتي؟

وأعتذر سلفا للإطالة بالشرح، ولكني أحببت أن تكون الصورة واضحة تماما لحضرتكم، وأرجو أن يصلني ردكم شافيا وافيا للضرورة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمدان محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي: الإنسان إذا ضاع منه شيء أو أفتقده أو حتى هُزم في شؤون الحياة، هذا لا يعني أنه قد فقد كل شيء، لا، والإنسان يجب ألَّا يأسف على ما فاته.

أخي الكريم: أنت موجود وفي نضارة الشباب، حباك الله بالقوة، حباك الله بالقدرة، حباك الله بالطاقات وبالمهارات، وإن تعطّلتْ لفترة من الزمان هذا لا يعني أنها سوف تتعطّل إلى الأبد، المهم الذي أوصيك به ألَّا تضيع المزيد من الوقت - أخي الكريم - ما فات قد فات وانتهى ولن يعود.

أخي الكريم: يمكن أن تدخل فيما نسمِّيه بالقفرة العلمية والعملية والفكرية، يعني يمكن أن تقفز على الأمور، هذا ليس مستحيلاً، ما كان يمكن أن تقضيه في خمس سنوات يمكن أن تقضيه في سنة واحدة، وهذا -إن شاء الله تعالى- يعوضك ما فاتك، لابد أن يكون لديك دافعية.

أنت تتحدّث عن العلاج الدوائي، لا أرى مشكلتك تُعالج بالأدوية، مشكلتك تُعالج على المستوى الفكري والاستيعاب والمعرفي.

اجلس مع نفسك - أخي الكريم - وضع خارطة طريق لتُدير بها وقتك من الآن، والذي ينجح في إدارة وقته ينجح في حياته، لا تؤجِّل، لا تكن مثل تارك الصلاة، يقول أبدأُ غدًا أو بعد غدٍ، لا، ابدأ الآن، خطتك يجب أن تكون واضحة.

موضوع أن تنضم لكورسات علمية، هذا أمرٌ سهل جدًّا، اذهب وسجّل اليوم.

والحياة - أخي الكريم - تحدِّيات، والحياة تتطلب الطاقات، وتتطلب أخذ المبادرات، وهكذا، والله تعالى أكرمنا بأن أعطانا هذه الطاقات والإمكانات، يجب ألَّا نتركها مُعطّلة، والتغيير منك أنت - أخي الكريم - ثم صدَّق على هذا الكلام قول الله تبارك وتعالى: {إن الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}، خذ كلامي هذا مأخذ الجديَّة.

أخي الكريم: مهما كانت درجة إخفاقاتك فأنت أفضل من الكثير من الناس، فإن هنالك من الناس مَن هو مُعدم، مَن هو لا أمل له، ولكنّ تجده أيضًا يُثابر ويُكافح.

فأرجو أن تتحرّك تحرُّكًا إيجابيًا، وألَّا تُماطل، ولا تعتمد على الآخرين، اعتمادك على ربِّك ثم عليك، وفي حالتك يجب أن تأخذ بالأسباب، لن تأتيك الأمور وحدها، فالسماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة، والصيد لن يأتيك بنفسه، والمسمار لن يُدق بنفسه في لوح الخشب، والزرع لن يحصد نفسه، لابد أن تأخذ المبادرة وتكدَّ وتتعب حتى تجد الثمرة وحتى تجد النجاح، وأنت مُدركٌ لذلك.

وأنا أنصحك ألَّا يكون تركيزك فقط على موضوع العمل، نعم هو مهم، لكن عش الحياة بقوة، تواصل اجتماعيًا، ما هو موقفك من الواجبات الاجتماعية؟ تجاه أسرتك؟ تجاه والديك؟ برَّهم، محبتهم، صلة الرحم، زيارة المرضى، المجاملة في الأعراس، في الأتراح، أين أنت من هذا - أخي الكريم - ؟ لا تُفشل نفسك اجتماعيًا، ونجاحك الاجتماعي يؤدي إلى نجاحك في أشياء كثيرة، وستجد العمل من خلاله.

إذًا يجب أن يكون لديك نيّة صادقة وقويّة، والنية - أخي الكريم - تعني القصد والعزم، وأن تضع برنامجًا واضحًا، وألَّا تتسامح مع نفسك في الإخفاق أبدًا، ما مضى قد مضى، وليس كلّه سيئًا بالمناسبة - كما ذكرتُ لك - لكن يجب ألَّا يكون المزيد من التعطيل.

هذا هو الذي أراه مهمًّا جدًّا لك -وإن شاء الله تعالى- يكون سببًا في نجاحك.

الدواء يُساعدك في أن تُصبح هادئا ومتقبلاً لذاتك، وأعتقد أن عقار (سيرترالين) سيكون الأفضل، والسيرترالين له عدة مسميات تجارية، منها (لسترال)، و(زولفت)، وربما تجده في الأردن تحت مسمَّى تجاري آخر، وهو دواء سليم، ونافع، وغير إدماني، تبدأ بخمسة وعشرين مليجرامًا - أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا - تتناولها يوميًا لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم حبتين لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم نصف حبة لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً