الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانفصال عن الحاضر والخوف من المستقبل .. المشكلة والحل

السؤال

لا أستطيع أن أعيش الحاضر، وأخاف من المستقبل، وأريد منكم النصيحة، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتاة سعودية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!

فإن الناس طلبوا السعادة في المال فلم يجدوها، وبحثوا عنها في الشواطئ والملاهي فلم يجدوها، ورغبوا في تحصيلها بجميل الثياب ولذيذ الطعام فلم يدركوها، وذلك لأن السعادة لا تنال إلا بطاعة الله والحرص على تقواه وأحسن من قال:

ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد

وقد ذاق طعم السعادة بعض الفقراء والضعفاء وحرمها أكثر أهل الدنيا من الأمراء والأغنياء، وقد أكل إبراهيم بن أدهم رغيفاً يابساً وردد العبارة الشهيرة: (إنا لفي سعادة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف).

فاجتهدي ـ يا فتاة الإسلام ـ في عمارة وقتك بذكر الله وطاعته، واشغلي نفسك بالمفيد، واستقبلي الحياة بأملٍ جديد ورغبة في رضوان الله المجيد، وتذكري أن الطمأنينة لا توجد أدويتها لا في الصيدليات ولا يتوصل إليها بمتابعة القنوات، ولكن بالإكثار من ذكر رب الأرض والسموات، القائل في آياته البينات: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28].

وأرجو أن تفرحي وتسعدي بنعمة الهداية لهذا الدين، واشكري نعم الله عليك: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))[يونس:58]، والسعيد في الناس هو الذي يعرف نعم الله عليه ليؤدي شكرها ويرضى بقضاء الله وقدره، ويعلم أن رزقه لا يأكله غيره، وأجله لا يستطيع أحد أن يزيد فيه أو ينقص، ويوقن أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فلماذا الهم والغم والأحزان، ونحن نعلم أن الكون ملك لله ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله؟

والمؤمن لا يحزن على ما فات؛ لأنه يعلم أن كل شيء بقضاء وقدر، وإذا أصابه شيء فلا يقول لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكنه يرد في يقين: قدر الله وما شاء الله فعل، فيغلق الأبواب على الشيطان الذي همه أن يحزن الذين آمنوا: ((وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ))[المجادلة:10].

ونحن - يا ابنتي - لم نكلف بحمل هموم المستقبل؛ لأنه غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، لكن المؤمن يفعل الخير وينوي الخير ويتوكل على من بيده الخير، والإيمان يمنح الإنسان الثقة ويدفعه للعمل والاجتهاد، وهو مأجور في كل حال وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، والمؤمن يعمل ويخطط ويجتهد ثم يتوكل على الله ويرضى بقسمته وقضائه.

والمسلمة إيجابية ولذلك فهي لا تكتفي بلعن الظلام لكنها تشعل شمعة الأمل لتبدد بها الظلمات، والمسلمة مصباح والمصباح لا يقول ما بال الدنيا مظلمة ولكن حسب المصباح أن يقول هأنذا مضيء.

وعليك بفعل الخير ومعاونة المحتاجين والدعاء للمظلومين، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وفاعل المعروف لا يقع وإن وقع وجد متكئاً.

فأبشري وأملي ما يسرك، واعلمي أن للطاعات انشراحا في الصدر وسعة في الزرق ومحبة في قلوب الخلق، والمؤمن تسره حسنته وتسعده طاعته.

ونوصيك بكثرة اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وبزيادة البر لوالدتك والاهتمام بأرحامك، وعليك بالإكثار من الاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله المختار، واجعلي لنفسك حظاً من صلاة الأسحار، ونسأل الله أن يحشرنا وإياك في زمرة الأبرار.

والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً