الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت ابتسامتي وضحكتي بسبب الخوف من الموت!

السؤال

السلام عليكم.

منذ نصف سنة تقريبا أجريت عملية في الجيوب الأنفية، وكانت ناجحة -ولله الحمد-، وبعدها أخبرني الطبيب المعالج أن الضغط ارتفع أثناء التخدير ولم ينخفض إلا بصعوبة، وقبل العملية لم يكن لدي ضغط أبدا.

المهم أني تفاجأت عندما أخبرني بذلك، وأصبت بصدمة، وأوصاني بمراجعة طبيب القلب، وبالفعل زرت طبيب القلب، وأجرى لي صورة الإيكو، وكانت النتيجة: وجود ضيق بسيط في الشريان الأورطي، وللتأكد ذهبت لطبيبة أخرى، وأجريت أيضا صورة الإيكو، وأكدت لي أني بخير، ولا يوجد ضيق أبدا، لكن بدأت تنتابني نوبات هلع شديدة استمرت خمسة أشهر بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا، ثم تعافيت منها تقريبا وليس تماما، ثم أجريت أشعة بالصبغة للقلب والرئة والدماغ، وكانت النتيجة وجود تصلب بسيط في أحد الشرايين، وتليف -أيضا- بسيط جدا في الرئة اليسرى من أثر كحة قديمة.

أخبرني الطبيب أنها أشياء بسيطة يمكن التغلب عليها، ولا يوجد أبدا ما يخيف، وأجريت تحليل صورة كاملة للدم ولإنزيمات القلب وللكبد والكلى، وكانت سليمة، وأيضا للدهون الثلاثية وللكولسترول، وكلها سليمة جدا، وأتناول حبوب كنكور 5 ملم للضغط.

قبل شهر بدأت أشعر بتخمة شديدة، وعدم الرغبة في الطعام؛ فبمجرد أن آكل يأتيني شعور بالثقل الشديد في أعلى المعدة، وكتمة وضيق في التنفس، لدرجة الشعور بالموت، وأصبح الغثيان تقريبا لا يفارقني، وأحيانا إسهال، ولا أعلم إن كان له علاقة بالقولون العصبي، رغم قلة أكلي، ولا آكل إلا طعاما صحيا!

أشعر بضعف عام، وتعب وإرهاق أيضا منذ نصف سنة، ونهجان في الصدر من أقل مجهود، حتى وظيفتي كرهتها، ولم يعد لي رغبة في الذهاب إلى عملي، وفقدت ابتسامتي وضحكتي، الناظر إلى عيني يخيل إليه أنه ينظر إلى جثة من شدة الشحوب على بشرتي، وعدم انتظام نومي من الخوف من الموت.

ماذا أفعل؟ أرجوكم وجهوني؛ فوالله إني في وضع سيء للغاية، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الذي يظهر لي أن لديك قابلية للقلق وللمخاوف، وبعض الناس أصلاً التكوين النفسي لهم وبناء شخصياتهم قد يحمل هذه السمات -أي سمات القلق والحساسية النفسية وسرعة التوترات والتأثُّر- وهذا كله نسميه بـ(العوامل المرسِّبة) أي التي تُرسِّب لعلَّةٍ أخرى، وحين تأتي الظروف المُهيئة -أي الأسباب الحياتية- يظهر القلق والخوف بصورة واضحة، وأنتِ تعرَّضتِ لظروفٍ مُهيئة.

الأطباء أخبروك ببعض التغيرات التي شاهدوها في الصور، وهي أشياء بسيطة جدًّا، وأشياء طبيعية جدًّا، ومتغيرات تُوجد عند عدد كبير جدًّا من الناس، فأنا أعتقد أن الخوف قد تضخَّم لديك وتجسَّم وتأصَّل من خلال ما يقوله لك الإخوة الأطباء. لا أعتقد أبدًا أنهم قد قصدوا ذلك، بعض الأطباء مدققون جدًّا ويصِرُّ على إخطار -إخبار- الإنسان بكل شيء.

هذه تغيرات طبيعية، تُوجد عند الناس، ولا أعتقد أنه يوجد أي فحص يعطي نتيجة طبيعية مائة بالمائة، هذا غير موجود، كل الناس عندهم تغيرات بسيطة هنا وهناك، لكن الأمر أمر نسبي، وما يدلّ على المرض هو تغيُّر له شروطه ومعاييره التشخيصية، وما لا يدل على المرض لا داعي أن يُذكر للإنسان.

عمومًا: هذا موضوع طويل ومعقّد، لكن وددتُّ أن أضعك في الصورة السليمة؛ لأن فهم الأمور يسهّل على الإنسان.

إذًا: أنت سليمة -والحمدُ لله تعالى-، والذي حدث لك هو قلق مخاوف ذو طابع وسواسي، وقضية الخوف من الموت منتشرة بين الناس؛ أعتقدُ لأن موت الفجاءة قد كثر، والناس أصبحوا يُوسوسون هنا وهناك، والمعلومات الطبية -الصحيحة وغير الصحيحة- انتشرت في كل وسائل الإعلام، والموت يجب أن نخاف منه خوفًا شرعيًا؛ بأن نستعدَّ له؛ لأن الموت آتٍ، ولا نخاف منه خوفًا مرضيًا أبدًا.

فكوني قوية، عيشي الحياة بأمل ورجاء، وتفكّري وتدبَّري في حياتك العملية والأسرية، واحرصي على صلاتك في وقتها، واحرصي على وردك القرآني والأذكار، وأكثري من الاطلاعات، وطوّري نفسك اجتماعيًا؛ بهذه الكيفية يزول هذا الخوف إن شاء الله.

ولا تُكثري من التردد على الأطباء، لكن سيكون من المفيد لك جدًّا أن تُراجعي طبيب الأسرة أو طبيب الباطنية -أو أي طبيب تثقين به- في فترات مجدْولَة ومعروفة؛ هذا نُسمِّيه بالفحص الروتيني، وهو ممتاز جدًّا، مثلاً: اذهبي إلى طبيب الأسرة مرة كل أربعة أشهر، وقومي بإجراء الفحوصات العامّة؛ هذا أمرٌ جيد، ويُعطي الإنسان طمأنينة كبيرة، ويخلص الإنسان من التنقُّل بين الأطباء.

فأرجو أن تطمئني، والكونكور دواء ممتاز جدًّا، والجرعة التي أعطيتِها جرعة صغيرة جدًّا، وبالمناسبة فالكونكور له ميزة أنه كابح لما يُعرف "باليتا"، وهذا يُساعد في علاج الخوف، بمعنى أنه يُوقف الأعراض الجسدية، مثل الرجفة وتسارع ضربات القلب، هذا يفيدُ فيه الكونكور كثيرًا.

وأريدك أن تمارسي الرياضة؛ فالرياضة مفيدة جدًّا، ويمكن أن تتناولي أحد مضادات قلق المخاوف، عقار (سيرترالين) -والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت)- مفيد جدًّا وممتاز جدًّا، أرجو أن تستشيري طبيبك في تناوله، وإن وافق فهذا أمرٌ جيد، وإن أردتِّ أن تذهبي إلى الطبيب النفسي؛ هذا أيضًا سيكون مفيدًا لك.

الحالة واضحة وبسيطة، وأسألُ الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً