الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض الوالدين الزواج من متبرجة

السؤال

السلام عليكم.

أتوسل إليك بالله وأستحلفك بالعزيز الجبار أن ترد على سؤالي، وإن لم تستطع على الصفحة فعلى عنوان إميلي فالأمر جد عاجل، أرجوك وأستحلفك بالله.

مشكلتي شائكة تحتاج إلى نظرة حاذقة تمزج بين الدين والدنيا، وتحسب المصلحة العامة والمنفعة السائدة، وتتوسع لتشمل كل الأركان ولا تكون حصرا لقاعدة أو مكان، ولهذا لجأت إليك لأسألك فأستحلفك بالله العلي العظيم الذي إن سئل أعطى كأجود من أجود كريم، وله الأمر والقضاء وله التسليم، سبحانه العليم الحكيم، اختار من عباده الأنبياء، وجعل من ورتثهم العلماء نورا يستدل به في الظلماء، جعلك الله منهم، وحشرك في زمرتهم، وأسعدك برفقتهم (اللهم آمين) أستحلفك بالله أن تجيب على سؤالي وأن لا تهمل مقالي فألامر جد عاجل ولا يحتمل التأجيل وأرجو المعذرة للتطويل ولكن الأمر يحتاج للتفصيل لتكون عندك الرؤية واضحة كأنك قد شاهدت ما قيل.

أما بعد: فمشكلتي كما يلي :- بعدما طلب أخي من أمي ذات مرة أن تبحث له عن عروس، وكما هو معلوم وملموس، قدمت له بعض الأسماء، على افتراض أنه سيبدأ بالانتقاء، ولكن بعد فترة جاء، وقال إنه أحب فتاة سمراء، تعمل معه في نفس المجال، وأنه أحب فيها حلو الكلام وعذب المقال و....و.... وغيره مما يقال، وكما تفعل كل أم في مثل هذه الحال، سألته عنها وهي مرتاحة البال ، فكان مما قال أنها أكبر منه ب 3 أو 4 سنين في العمر، ولكن هذا لا يؤذي ولا يضر، فاعترضت أمي في البداية تم بعد ذلك سلمت في النهاية، فليس هذا بالأمر الذي يعيبه الإسلام، فها هو خير الآنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، تزوج سيدة النساء، من حياها رب السماء، وهم في العمر ليسوا سواء، وكلنا وقفنا معه من هذا الباب وعتبنا على أمي ذاك الاعتراض، فوافقت أمي مع قليل من الامتعاض، لعلمها بمزاج أخي المقلاب، وأنه بعد فترة قد يملها، ويضع بعد ذلك العمر كأحد الأسباب، ويتحجج بأننا لم ننصحه وأسقيناه ماء السراب.

ولكن بعد جدال وسجال أقنعته أمي أن هذا هو قراره، ولابد أن يتحمل تبعاته وأضراره، ولكن ما بدء في الظهور والبيان، أعظم من أن يكون في الحسبان
فأولاً :- الفتاة ليست محجبة ، وقد تحججت بأن أمها منعتها من الحجاب، وبأنها بمجرد ارتباطها بأخي سيكون أمراً مجاب، فقلنا: لا بأس يكسب فيها ثواب.
ولكن بعد فترة عندما أحست بتمسك أخي بها وميله إليها، قالت أنها لن ترتدي الحجاب، وأن يغلق عليها نقاش هذا الباب ، فغضب أخي وأنهى الخطاب . فعادت وقالت لا بأس أنها ستفعل ذلك ولكن بعد الزواج وكتب الكتاب ، ولا ندري أصادقة فيما تقول أم هو كلام ليل يلفه ضباب.


* ثانياً:- عندما سألنا عن عائلتهم بعض الأحباب وذهبنا لمقابلتهم للتمحيص والاستجواب، وجدنا أن عماد البيت ( الأم ) ليست متحجبة والأسوء من ذلك أنها تعتقد أنها متمدنة ولا تجد في ذلك خطأ أو عيباً، فهي دكتورة جامعية ، ترتدي ملابس شبابية وهي قد بلغت من العمر عتيا!! سراويل جينز على تسريحات شعر أوروبية من غير ذكر البلوزات المحصورة والعصرية، تحل المشاكل النفسانية وسبحان الله علاقتها بأهل زوجها شبه مقطوعة بالكلية !! فما أعجب ما نسمع من قصص مروية!!
والطامة الكبرى أن القطيعة امتدت لدرجة أن زوجها لم يقف في عزاء أخيه ، ولم يزر بيت أبيه ، وهذا الكلام أكدته الفتاة ولم نفتريه ، والحجة أن أهله أثاروا معها المشاكل فاختارت الانعزالية ، ولكن هل هذا يسوغ قطيعة الرحم ويجعلها سوية !!.

وسيد الدار ليس له إلا الطاعة ولا يملك قرار !! وكذلك كلهم لا صلة وثيقة لهم مع أهل أبيهم باستنتاء فقط أخيهم.

ثالثاً:- كل من سألناهم من أهل الخبرة ومن لهم مع هذه العائلة جوار أو سابق عهد من صداقة أو حوار أفتونا بأن نتراجع عن هذا الاختيار وأنها ليست كفئا لا اجتماعياً ولا مادياً ولا دينياً ، فشتان بين الأمصار.

والمشكلة أن بعد هذا كله أخي لم يقتنع ومازال يصر على أن يكمل المشوار، وأنه هي أو الانتحار، وأنه ليس له عنها بديل أو خيار، ولا يهمه أن كانت أمها غير محجبة والأمور الأخرى التي ذكرتها لك آنفاً في الحوار.

وهو مقتنع تماماً بأنها مظلومة، وأن كل الذين تكلموا حقودين حسودين وكرههم لها واضح كضوء النهار . والبلوى أن أبي أقسم بالله أن لا يشترك في شيء لا يرضاه الله، وخيره بين الارتباط بها وبين البقاء والسكن معنا، فهو لا يريد رؤيتها ولا يرضى لابنه الارتباط بمثيلتها، فاختار أخي وللأسف الخروج من البيت والفرار، وطلب من أمي ماله لشراء الشقة وأصر على القرار، فبكت أمي حرقة على رجل عقدت عليه الآمال، وسهرت عليه السنين والليلي الطوال ، ليبدلها بقرار اتفقنا جميعاً أنه أساء فيه الاختيار.

وما هو أسوأ من هذا كله أنه بدأ الآن يتهم أمي بأنها ظالمة، وأنها السبب في كل ما جرى وصار، وأنها لا تريد له أن يعيش سعيداً مع المرأة التي اختار، وذلك بزعمه لأن أمي تحب التملك والسيطرة، وإن سمع كلامها فإنه أبداً لن يتزوج وينعم بالاستقرار، فبكت أمي حرقة لأحساسها بالظلم والانقهار ورفعت يديها داعية العزيز الجبار، ثم طلبت مني أن أسألك يا سيدي الكريم بعد أن أسرد على مسامعك هذا الواقع الأليم.

من ناحية نفسية وشرعية هل هي حقاً ظالمة لأنها لم توافق ابنها على اختياره وهو يتحمل مسئوليته أمام الله وهي بريئة منه يوم القيامة لأنها نصحت وأرشدت؟ وهل تعتبر آثمة إن رفضت أن تدعمه مادياً ومعنويا في عرسه لأنها لم يعجبها اختياره كما وضحت؟!! وهل هي حقاً مسيطرة وذات شخصية تحب التملك كما قال أخي محللا نفسيتها أم أنه كان عليها أن ترافقه بعد أن أرشدته وهو يتحمل المسئولية فهو بالغ عاقل راشد ولكن لا يواظب على الصلاة!!؟

متى تكون أمي حقاً ظالمة من النظرة الإنسانية والتحليل النفسي؟ إن وافقت وذهبت معه وأقنعت أبي بالذهاب لتلم شمل العائلة الذي بدأ بالتمزق منذ تمرده وإعلانه العصيان والخروج من البيت وهو يتحمل مسئولية قراره لوحده أمام الله ؟؟! أم العكس تكون ظالمة إن أصرت على رأيها وأبي بعدم الذهاب وعدم دعمه لا مادياً ولا معنويا فيما اختار؟!! خوفاً عليه من العواقب لأنها تعرف شخصية ولدها جيدا.

أشر علي يا سيدي الكريم ، كفاك الله شر كل حاقد ولئيم وجزاك الله عنا كل خير واخيرا صلى الله على السيد الأمين أفضل صلاة وأتم تسليم خاص وشكراً.

أتوسل إليكم بالله أتوسل إليكم بالله أن لاتهملوا رسالتي أستحلفكم بالله
تريد أمي أن تعرف من خلال التحليل لما رويت لكم هل هي حقاً ذات نفسية متسلطة ومتحكمة وتحب السيطرة، وهل هي حقاً ظالمة كما زعم أخي؟
اللهم اغفر لوالدي واجزهم عني بالفردوس الأعلى وجميع المسلمين
اللهم آمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة / ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن ينفع بك البلاد والعباد، وأن يلهم أخاك السداد والرشاد، وأن يجنبه أهل الشر والفساد.. وبعد،،،

فقد أعجبنا حرصك على مصلحة أخيك، ورغبتك في راحة أمك وأبيك، وتوسلك بالله باريك، ونشكرك على ثقتك في موقعك، ومرحباً بك وبأمك وأخيك، وأرجو أن يوفقنا الله لخدمة إخواننا والأخوات، وأن يرزقنا جميعاً رضا رب الأرض والسماوات، وأن يُصلح لنا ولكم الذرية والنيات، ولم يكن هناك داع للإلحاح والتوسلات، فإنه شرفٌ لنا أن نكون في خدمة المسلمين والمسلمات، ولا شك أننا ندفع ثمن مخالفتنا لمنهج السماء، ونُعاني من وجود الرجال مع النساء، وحُقَّ لنا أن نخاف من شيوع العواطف والإغراء، وهذا هو السبب في تحول مساحات العمل وقاعات العلم إلى معارض للأزياء ومسارح لنشر الخديعة والكذب الهراء، فكم من بريءٍ خدعوه بالعبارات الجوفاء! وكم من عفيفة ضيعوها والغواني يغرُّهنَّ الثناء!

وقد أعجبني ما فعله والد الشيخ الشعراوي الذي علم أن ابنه درَّس إحدى فتيات الفضلاء من أهل المدينة في حضور أهلها، وكان والدها قد جاء للأزهريين وطلب منهم أن يختاروا من يشرح لها درساً، فأصر الشيخ الشعراوي على تزويجه من القرية رغم صغر سنه، ولم تُجد شفاعة الفضلاء، فعاد من عطلته وبصحبته عروسه الحسناء، وقد ذكر الشيخ هذه القصة في مذكراته، وهكذا كان حرص الأمهات والآباء.

وحبذا لو اهتمت الوالدة بنصحه قبل الاختيار، وخاصةً الفترة التي سكت فيها، فإن ذلك الصمت هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، ولا يخفى عليك أن من الفتيات من تجيد التمثيل والخديعة، ولا تظهر السلبيات إلا بعد فوات الأوان.

ولابد أن تكون مسألة المعرفة لأحوال الأسرة سابقة لمرحلة الاختيار؛ دفعاً للحرج وتجنباً للأضرار، ولا شك أن الفتاة تتأثر بأمها وهي عنوانٌ لبيتها، كما أن استقرار الأسر وحفاظها على ترابطها يجعل احتمالات نجاح الفتاة في علاقتها الزوجية كبيرة، خلافاً للبيوت التي تقوم على القطيعة والمشاكل، فإن ذلك مما يصعب الأمور ويضيق فرص النجاح، وكم كنت أتمنى أن يكون كل هذا قبل تأكيد الروابط وامتداد العلاقات العاطفية بين أخيك والفتاة.

وليس في مصلحة أخيك الإصرار على العناد لوالديه والسباحة ضد التيار، خاصةً والفتاة ليست بصاحبة دين، والصواب أن نوازن بين المفاسد المترتبة على زواجه من تلك الفتاة، وبين ما يمكن أن يحدث له إذا حاربناه وطردناه، وعند المقارنة والقياس سوف يتضح الجواب ويرتفع الالتباس، وهكذا ينبغي أن نتأمل سلبيات كل قرار قبل اتخاذه، فقد يكون البديل المتاح هو أن يرتمي في أحضان تلك الأسرة المفككة، فيزداد الحال سوءاً، وعندها لن ينفع الندم.

أما الوالدة فما ينبغي أن تحزن لكلامه، والله يعلم أنها تريد مصلحته وترغب في سعادته التي أخطأ طريقها، وتخلى عن أسبابها، والصواب أن تتعامل معه بصورةٍ تظهر له فيها عدم القبول بما يحصل، مع أنني أوجه صوت عتاب للتفريط في هذا الولد الذي كان لا يواظب على الصلاة، ولا أظن أن الفرق بينه وبين تاركة الحجاب كبير، والطيور على أشكالها تقع، فأرجو أن نجتهد في نصحه بضرورة المواظبة على الصلاة أولاً، ثم نقف إلى جواره حتى يكمل طريقة الذي يصر على السير فيه حتى لو كان وحده، وبهذه الطريقة قد نخسر القضية لكننا سوف نكسب ولدنا ونحتفظ بحقنا في نصحه وإرشاده، ومتابعة أخباره والوقوف إلى جواره.

أما بالنسبة للوالد، فمن حقه أن يغضب، وأرجو أن يكون ذلك لله، وليس خوفاً على سمعة القبيلة أو خشيةً من كلام الناس، وإذا أراد أن يرجع فعليه أن يكفر عن يمينه ويفعل ما يرضي الله، وإن استمر على إصراره فلن يضر كثيراً؛ لأننا أبقينا صلتنا بالابن عن طريق والدته، وأرجو أن تكونوا جميعاً إلى جواره حتى لا يزداد الحال تردياً؛ لأنه لن يستفيد من بعدنا عنه إلا تلك الأسرة التي سوف تسعد بالانفراد به وتحريكه وفق أجندتها التي لن تزيده إلا بُعداً عن ربه وقطيعةً لرحمه.

ولا يكون الوالدين ظلمة إذا وقفا في طريق من يسير على الخطأ، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، ولكن المربي الناجح يدرس آثار قراره، ويُقارن بين المصالح والمفاسد، وقد يرجح ما قلَّ فيه الضرر فيرتكب أخف الضررين ويتجنب شر الشرين.

وخلاصة ما أنصح به الجميع يتمثل في الآتي:
1- الحرص على الدعاء لهذا الولد خاصة من قبل الوالدين.
2- ضرورة تدريبه وتشجيعه على المحافظة على الصلاة.
3- البناء على الإيجابيات، والتقليل من السلبيات.
4- الحرص على احتواء الأسرة الجديدة حتى لا يبتعد أكثر وأكثر.
5- الحرص على تقوى الله في السر والعلن، ومراقبة الله والخوف منه، وليس الخوف على سمعة العائلة.
6- مشاركته في الفرح ولو ببعض أفراد العائلة، وإظهار السرور والفرح رعايةً لمشاعره.
7- الرضا بالقضاء والقدر، والتعامل مع الوضع الجديد بما يُرضي الله.
8- الإخلاص في النصح للضيفة الجديدة وتذكيرها بالله.

نسأل الله أن يُصلح الأحوال، ويبارك في الأعمال، وأن يلهمنا طاعة ذي العظمة والجلال.

والله ولي الهداية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً