الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نستعد للقاء الله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل عدم الخوف من الموت ذنب؟ أنا أذنب ولكن الله منّ علي وتبت إليه -ولله الحمد-، وأجاهد أن أكفر عن ذنوبي، وأن لا أفعلها مرة أخرى، وأستغفر الله من كل ذنب اقترفته وما زلت أقترفه، وأدعو الله أن يبعدني عما يغضبه.

الآن كلما تذكرت الموت ويوم القيامة والوقوف أمام الله للحساب أشعر بطمأنينة وليس بخوف، أشعر بأن الله سوف يغفر لي ذنوبي، وسيجعلني من أهل الجنة دون سابقة عذاب، أسأل الله ذلك لي ولكم، وأشعر أنني مشتاقة أن أقف أمام الله لأرى رحمته بي وغفرانه، وفقط أشعر برهبة أنني من الممكن أن أموت وأترك ابنتي ولكني لا أخاف من الموت نفسه.

عندما تحدثت بهذا مع صديقة لي قالت: إنه ذنب، وأنني أستهين بعظمة الله وأهوال هذا الموقف، وإن الله سيحاسبني على هذا، لأن هذه المواقف عند تذكرها يجب أن نخاف ونخشع حتى يرحمنا الله، مع العلم أن عدم خوفي من الموت أو الوقوف أمام الله لا يبعدني عن صلاتي ولا عبادتي، بل يجعلني أعبد الله حبا في عبادته وليس خوفا من عذابه؛ لأني أشعر برحمته التي وسعت كل شيء، وأثق تماما وكلي حسن ظن بالله أنه سيعاملني برحمته، هل هذا ذنب أو في هذا شيء يغضب الله حتى أكون على علم به؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rokaya حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختي الكريمة-، ونسأل الله أن يثبتك على الحق، والجواب على ما ذكرت:
الخوف من الموت شيء طبيعي فطر عليه الإنسان، والخوف من الله، ومن سوء الخاتمة، والخوف من الورود على الله وما يتبع ذلك من حساب، إن كان يحمل صاحبه على الطاعة والتوبة من ذنوبه والاستعداد لما بعد الموت، فهذا خير ونعمة على صاحبه، ولعل هذا ما قصدته صديقتك من النصيحة لك.

ولكن في المقابل، فإن ما ذكرته عن نفسك من حسن العمل، وتجديد التوبة، والشوق إلى الله ولقائه، فهذا من الرجاء، وهو خير عظيم أكرمك الله به فأنت تحسنين الظن بالله، لأنه رحيم بعباده، ولهذا لا تخافين من الموت، فما أنت عليه ليس منكرا بل هو أمر حسن ومن صميم ديننا، لأنك أحسنت العمل الصالح مع الرجاء وحسن الظن بالله.

قال ابن القيم في بيان معنى الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة ويطيِّب لها السير، وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرب تبارك وتعالى، والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه، وقيل: هو الثقة بجود الرب تعالى والصورة المحمودة من الرجاء قد حصل منك إن شاء الله نسأل الله أن يثبتك عليه.

قال ابن القيم عن الرجاء المحمود شرعا " رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه. ورجاء رجل أذنب ذنوبًا ثم تاب منها، فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه" .

وأخيرا أحب أنبه أن الجمع بين الرجاء والخوف هو طريق الأنبياء عليهم السلام، وطريقة عباد الله الصالحين، قال ابن القيم :" القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنـزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سَلِمَ الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطِعَ الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف»، وفي صحيح مسلم "عن جابر رضي الله عنه ، أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -قبل موته بثلاث-: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه".

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات