الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خيالاتي في عالم الزواج تسيطر علي فهل أنا مريضة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالبة جامعية في عمر 20 سنة، أريد استشارتكم في موضوع مهم بالنسبة إلي، وهو أنني أتخيل في كل وقت فراغ أنني متزوجة، وأبدأ برسم تخيلات إيجابية في المستقبل، وعند النوم أيضا أبدأ بالخيال، لا أعرف لماذا؟

المهم هو أنني بدأت أشك في نفسي أنني مريضة نفسية، بدأت أفكر في الزواج، وعندما أتخيل أبدأ بالكلام مع نفسي، وأتخيل أنني أتكلم مع أشخاص غير موجودين.

أريد النصيحة من فضلكم، هل أكف عن هذه التخيلات التي تراودني في أي وقت فارغ، وأيضا في وقت النوم؟ وما الذي سأقوم به عوض هذه التخيلات التي تراودني.

شكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Imane حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بكِ -أختي العزيزة-, وأشكركِ على ثقتكِ الجميلة بنا.

• إن ما تمرّين به من تخيلات وحديث مع النفس، يطلق عليه في علم النفس بأحلام اليقظة، وهي ظاهرة وتقنية نفسية يعيشها الإنسان كمرحلة عابرة ومؤقتة من حياته، وتكون من خلال صياغته للسيناريوهات الخاصة به وصناعته لمحتوى الحلم كما يحلو له ويتمناه، ومن ثم يتخيل نفسه أنه يعيشه تماماً، وبالتالي يصنع لنفسه زاويته الخاصة التي يحقق فيها إما:

- ما يتمنى الوصول إليه (قد يكون صاحبها شخصاً ناجحاً في الحياة، ونجاحه وطموحاته العالية هي من تدفعه للعيش في أحلام اليقظة لكي يتخيل نفسه وهو يحقق ذلك الحلم، وبالتالي أحلامه اليقظة تحفزه أكثر لتحقيق طموحاته على أرض الواقع، أو قد يكون شخصاً طموحاً ولكن المحيط الذي يعيش فيه يمنعه من تحقيق طموحاته فيدفعه ذلك لتحقيقها في أحلامه اليقظة).

وهذا النوع من أحلام اليقظة هو الإيجابي.

- ما يحقق له الراحة النفسية بعيدًا عن التوتر والمعاناة والمشاكل التي يعيشها على أرض الواقع، وهنا إمّا أنه يلجأ في أحلام اليقظة إلى معالجة ومواجهة الموقف والمُشاكل الحقيقية، وهذا يشعره بلا شك بالراحة النفسية، وفي هذه الحالة من أحلام اليقظة يغلب عليها توصيف "العلاج الوهمي للمشكلات الحياتية".

أو أنه يهرب بالتفكير من مشاكله الحقيقية لجوءاً إلى أحلام اليقظة، وبالتالي يغلب عليها في هذه الحالة توصيف "الهروب"، وهذا النوع من أحلام اليقظة هو السلبي.

• إجابة على سؤالك إن كانت هذه التخيلات التي لديكِ مرضاً نفسياً أم لا؟

فاطمئني وأزيلي جميع مخاوفك, إن هذه الظاهرة هي طبيعية جداً وغير مُقلقة على الإطلاق, وهي منتشرة بشكل خاص لدى المراهقين ومرحلة بداية الشباب "كما حالتك"، وذلك بسبب تشكل هوية الإنسان وتبلورها، وما يسببه ذلك من ضغط في الأفكار على الدماغ، وعادة تتضاءل أحلام اليقظة تدريجياً مع مرور الوقت.

• أي: إن المرحلة العمرية التي تمرين بها هي مرحلة بداية الشباب، وعادة يعيش الإنسان فيها ازدحاماً في أفكاره، منها ما يكون على شكل أمنيات يتمناها لحياته المستقبلية، ومنها ما يكون على شكل معاناة يعاني منها ويبحث لها عن حلول، وذلك يدفعه للبحث عن وسائل وطرق تساعده على التفريغ من هذا التوتر والتفكير المستمر، فترينه يتكلم مع نفسه ما يحلو له، وغالباً يجد الراحة النفسية بعد انتهائه من هذا الحديث مع نفسه.

• أما الآن فدعيني أشرح لكِ أهم مميزات وخصائص هذه الظاهرة، حيث إن أحلام اليقظة هي سلاح ذو حدين، يغلب عليها إيجابياتها، ولكن إن تمت ممارستها بشكل مبالغ به قد تنقلب الكفة لتصبح سلبياتها هي الغالبة.

الإيجابيات تكمن في:
- التفريغ النفسي وتخفيف القلق.
- الحماس والتحفيز الذي تبثه في روح صاحبها بعد أن يتخيل أشياء إيجابية قد قام بها وحققها، مما قد يدفعه لمزيد من التخطيط لتحقيق طموحاته وأحلامه على أرض الواقع.
- عادة تنصقل هذه الأحلام مع مرور الوقت لتتحول إلى خطوات عملية تساعد صاحبها لكي يكون أكثر إنتاجاً في حياته الواقعية.

سلبياتها:
فهي تكمن عندما يزداد استخدامها بشكل مبالغ فيه حتى يفقد الإنسان السيطرة عليها، والتحكم في إدارة وقته، وهذا يحدث كما أوضحتُ سابقاً:
- عندما يلجأ صاحبها إلى الخيال بدل الحقيقة في حل مشكلاته.
- عندما يلجأ إلى الخيال هرباً من الواقع ومواجهة مشاكله.
- عندما يختلط عليه الأمر ولم يعد يستطع أن يميز بين الحلم والواقع.
- عندما تؤدي أحلام اليقظة إلى عزل صاحبها لنفسه عن الناس وحياته الواقعية.
- عندما تأخذ حيزاً كبيراً من وقت صاحبها، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تراجع مستواه وأداؤه في مجالات حياته عموماً.

• أما فيما يخص محتوى أحلامك اليقظة أنها عن الزواج تحديداً، فلا تقلقي هذا طبيعي جداً، وقد يكون ذلك نابعاً من:
- رغبتك بالزواج مثلاً.
- رغبة محيطك في تزويجك، مما يحفز تفكيرك للتخيل في هذا الجانب.
- اهتمامك بمعرفة الجنس الآخر (وهذا طبيعي جداً في مرحلتك العمرية).
- نماذج زوجية إيجابية في محيطك تحفز تفكيرك وتخيلك لزواجك المستقبلي.
- مشاهدتك للدراما التي تركز على موضوع الزواج, وهذا بلا شك له تأثيره عليكِ وعلى تفكيرك.

• لذا أرى عزيزتي أن مخاوفك لا داعي لها، فاطمئني أنت على بر الأمان، وخاصة هناك جملة قد لفتت انتباهي في رسالتكِ لنا، وهي (أبدأ برسم تخيلات إيجابية في المستقبل)، فهذا مؤشر أنك تستخدمين أحلامك اليقظة بشكل إيجابي.

• ولكن لتطمئني أكثر أعيدي قراءة إيجابيات وسلبيات أحلام اليقظة التي كتبتُها لكِ، وفكّري في كل بند إن كان ينطبق عليك أم لا، حينها فقط ستعرفين إن كانت أحلامك اليقظة يغلبُ عليها كفتها الإيجابية أم السلبية.

ختاماً: أدعو لكِ بكل الخير في حياتكِ وراحة البال، وأتمنى أن لا تترددي في مُراسلتنا مُجدداً إن كانت لديكِ أية استفسارات أخرى.

بأمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً