الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية إرضاء الوالد بعد غضبه من التدخل لإنقاذ الأخت من يده

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وبعد: فإني أكتب إليكم عن مشكلة بيني وبين أبي، وكم يؤلمني قول هذا، فقد بدأت المشكلة منذ حوالي شهر ولم أجرؤ على طلب السماح من أبي إلا البارحة بعد عودته من المسجد بعد أداء صلاة التراويح وقبل أن يخلد للنوم.

حدث كل شيء عشية ذات يوم، وإني لأذكره كأنه أمس، كان أبي قد عاد من عمله، استحم وصلى حينها الظهر والعصر، كنت أشاهد التلفاز مع أمي، وإذا بأختي الصغرى -وهي أصغر أخواتي وتبلغ اثني عشر عاماً- تأتي وهي تصرخ غاضبة مني، تشاجرنا بصوت مرتفع ودون أن نتعارك، فأختي الصغرى لا تعترف بأخطائها، وما تريده يجب أن تحصل عليه، وإن لم تحصل عليه تعود إلى غرفتها باكية وهي تقول: دائماً تظلمونني لأنني صغيرة، ولكن ذلك غير صحيح، فبحكم أنها الصغرى فهي مدللة إلى حد ما، وقبل أن تدخل غرفتها كان أبي قد لحق بها فلحقت به على عجل فوجدته وكأنه يخنقها، نعم كما أقول لكم: يخنقها، ولا أقول لكم: كم آلمتني رؤية هذا المشهد وحتى أتذكره، ألهذا الحد وصل كره أبي للبنات؟! ففي أول فرصة يحسسنا بذلك، فنحن أربع بنات وأنا الثالثة، أخبرتنا أمي أنه بكى عند ولادتنا نحن الأربع لأنه يحب أن يرزق بولد، وبالرغم من معرفة شعوره فنحن دائماً نذكره أن الأولاد ليسوا أفضل منا، فنحن -والحمد لله- ناجحات في دراستنا وخاصة أنا وأختي التي تكبرني، أي: أختي الثانية، فقد اجتزت العام الماضي امتحان البكالوريس بتفوق، وأختي تواصل دراستها الجامعية، وترى أبي يفتخر بنا دائماً أمام رفاقه وأصحابه.

أبي يعمل في فرنسا منذ أكثر من (25) عاماً، أرسل كل واحدة منا إلى وطننا الأصلي في سن الخامسة لندرس هناك، وكنا لا نراه إلا في الأعياد والعطلة الصيفية، وقد كان مثيل الأب الحنون الودود، ولكن بعدما التأم شملنا منذ حوالي عامين بدأت صورته في نفسي تتغير.
أنا لم أكمل القصة بعد، فلما وجدته يفعل بأختي ما لا يفعله أب بابنته تدخلت وحاولت إبعاد أبي عن أختي، فشد أبي على يدي وأخذ يجرني إلى غرفة الجلوس محاولاً إبعادي وأنا أقول له: إن كل شيء يحل بالنقاش والهدوء والتروي، ولكنه كان غاضبا مني وربما أيضاً من أختي أشد الغضب، لم أعرف ماذا أقول في مثل هذا الموقف، فأخذت أردد كلمة (الله الله الله)، ولكنه لم يحرك ساكنا وكأنه مقتنعاً بما فعله، وقبل أن أغادر غرفة الجلوس قلت له: اقتلنا جميعاً لترتاح، أعرف أنه ما كان لي أن أقول مثل هذا الكلام؛ فقد كنت غاضبة أنا الأخرى أكثر بكثير، فأنا أحب أبي كثيراً، أكثر حتى مما تحبه كل أخواتي، ولكن هذه الحادثة صدمتني وهي ليست بالأولى، فقد حدثت تقريباً نفس المشكلة مع أختي الثانية، ولكن هذه المرة بدون أي سبب وبدون تدخل أي أحد، ونسيت المشكلة مع مرور الوقت.

أبي لا يعترف بأخطائه إن أخطأ ولا يحب أن يقول له أحد إنك أخطأت وعليك أن تفعل كذا وكذا، مرت الأيام وأنا لم أجرؤ على طلب السماح من أبي إلى أن شاهدت برنامجا دينياً مع كل الأسرة، وقد قيل فيه: إذا طلب أحد السماح من رجل آخر كان عليه قبوله ودون معاتبة الأول، فقررت يومها طلب السماح لعلي أكفر عن خطيئتي.

بعد عودته من المسجد توضأ قبل أن ينام، وقبل أن يدخل غرفته ذهبت إليه ولكنه لم يعرني انتباها، ودخل الغرفة وأغلق الباب في وجهي، لحقت به وطلبت منه السماح ولكنه قال لي: اذهبي إلى النوم، لا يريد مسامحتي، فماذا أفعل؟
ساعدوني أرجوكم ساعدوني.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن يحفظكم ويسدد خطاكم، وأن يلهمكم السداد والثبات، وأن يرزقكم البر بالآباء والأمهات، وبعد:

فإن الأب الذي يفتخر ببناته أمام أصدقائه لا يمكن أن يكره بناته، وإن كان قد تضايق وتأثر لعدم وجود أولاد فإن ذلك لا يُقبل من الناحية الشرعية، وتلك قسمة الله، والسعيد هو الذي يرضى بما قسم الله، والعبرة في الأولاد بالصلاح والنجاح وليس بالذكورة، فكم من رجلٍ أنجب الذكور وحرم البنات فتأثر لذلك! وكم من رجلٍ أنجب ذكوراً وندم وحزن لعدم صلاحهم وتقصيرهم في طاعة الله وصلاتهم، وفي قصة موسى مع الخضر عبرة وأيُّ عبرة؛ قال تعالى: (( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ))[الكهف:80-81]، وقد ذهب بعض أهل التفسير إلى أن الله رزقهم بأُنثى صالحة.

ونحن نشكرك على ثنائك على والدك واعترافك بحرصه على القيام بواجباته، وأرجو أن يجد في البيت الهدوء والسعادة، خاصةً عند رجوعه من العمل؛ لأن الإنسان يأتي من العمل وهو متعب جسدياً وربما نفسياً، وقد يصعب عليه احتمال الإزعاج والمشاكسات، فاحرصوا على الهدوء عند نومه، والابتسامة والملاطفة عند قدومه وطعامه.

ولا شك أن الناس يختلفون في التعبير عن مشاعر الغضب، ونحن لا نؤيد طريقة الوالد في التعامل مع طفلته الصغيرة، ولا نؤيد ما تلفظت به من كلمات.

ونحن نوصيك بتكرار المحاولات وطلب العفو منه، وزيادة البر له والإحسان إليه، ولا شك أن قوله لك: (اذهبي للنوم) دليلٌ على أنه سوف يرضى عنك قريباً بإذن الله، بل هي عبارة تشعر بشيء من اللطف.

والله ولي الهداية والتوفيق.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً