الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

داخلي صراعات حول الله والكون والنفس.

السؤال

السلام عليكم.

لست عربية، لكني سأحاول أن أوضح حالتي الغريبة بعض الشيء، كنت من الأطفال الذين يعانون من التأتأة ونادرا ما أتكلم وأشارك في الدروس، وقليلة الاختلاط، عندما كنت في ١٦ من عمري ذهبت مع صديقتي إلى مركز تحفيظ القرآن، وبعد أسبوع من الذهاب تلقيت رسالة من الفايبر لا أتذكر المرسل، محتوى الرسالة كانت أن يوم الجمعة القادم سينشق القمر فوق الكعبة (يوم القيامة)، وأنا من الخوف الشديد والصدمة ارتفعت حرارتي، وتذكرت كل ذنوبي، وصرت ارتجف، وبدأت أصلي.

استمعت لدرس للدكتور راتب عن الحياة، فانفتح عقلي ورأيت فجأة بداية تكوين الأرض، وعندما كنت أمشي على الأرض خطواتي وما حولي كانت جديدة علي، صرت أخاف من نفسي، كنت أراها بعين المخلوق، الأوردة واليدين وما آكله، صرت أرى والديّ غريبين، أتساءل ماذا أفعل هنا؟ ومن أنا؟ وفجأة تذكرت الملحدين، وقلت في نفسي: إنهم يرون العالم هكذا ولهذا يلحدون، بدأت أفكر في الناس وهل هم يرون العالم هكذا؟ ولم أفهم طبيعتهم ولا نفسي، الدراسة صارت صعبة، أتساءل ما هذه الكلمات؟ وما هو الفيزياء؟ كيف يكون الإيمان بالله؟ كيف يؤمنون؟ كل هذه التساؤلات من النفس وليس العقل، صرت أتخيل أكثر وأهدم ذاتي ولا أشعر بنفسي.

بدأت صراعاتي هل الله موجود أم لا؟ رغم كل هذا كنت أشعر بالله وصرت متعلقة به، وكنت أشعر بأنه يراني وكنت أتكلم معه، وشعوري كان مرشدي وليس عقلي وقلبي، عشت تلك الحالة لمدة 4 سنوات، وخرجت منها، أحاول أن أكون طبيعية، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آشنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص والسؤال، ونسأل الله أن يملأ قلبك بالإيمان، وأن يثبتك على هذا الدين، وأن يلهمنا جميعًا رُشدنا، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا.

لا بد للإنسان أن يُكثر من التعوّذ بالله من الشيطان، فالشيطان لا يريد لنا الخير، أخبرنا ربنا العظيم بقوله: {إن الشيطان لكم عدوٌ} ثم وجَّهنا فقال: {فاتخذوه عدوًّا}، ووضح لنا سبب هذه العداوة فقال: {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}، وعداوتنا للشيطان إنما تكونُ بطاعتنا للرحمن، أن نخالف الشيطان، ومن الأشياء الكبيرة التي يُشوش بها الشيطان على الإنسان مثل هذه الوساوس التي تأتي للإنسان.

ونهنئك لأنك متضايقة من هذه الوساوس ورافضة لها، وهذا دليل على الخير الذي عندك، بل هذا هو صريح الإيمان، فاستعيني بالله تبارك وتعالى وتوكلي عليه، ولا تقفي عند مثل هذه الوساوس والخواطر، واستمعي للعلماء والفضلاء، واربطي نفسك بالصالحات، واجتهدي في التعرُّف على ربِّ الأرض والسموات عبر دراسة هذه الشريعة وعبر اتباع رسولنا صلى الله عليه وسلم، والسير على خُطاه وهُداهُ، عليه صلوات الله وسلامه.

واعلمي أن هذه الوساوس التي في نفسك أو تأتي إليك لا تضرُّك أبدًا ما دمت لها رافضة، والنبي صلى الله عليه وسلم وجَّه مَن تأتيهم مثل هذه الوساوس والشكوك بأن يتعوّذ بالله من الشيطان، وأن يقول (آمنت بالله) ثم بعد ذلك أن ينتهي عن الاستمرار مع هذه الخواطر، وأن يُغيّر الموضوع، ويجتهد في أن يُفكّر في أمور أخرى من أمور الحياة الجادّة، ويشتغل بذكر الله تبارك وتعالى، فإن في ذكر الله وتلاوة القرآن وسورة البقرة طردٌ لعدوّنا الشيطان.

فاستعيني بالله تبارك وتعالى، واستمري في تواصلك مع الموقع، واستأنفي حياتك بأملٍ جديدٍ وبثقةٍ في ربِّنا المجيد.

أمَّا أهل الإلحاد فاعلمي أنهم أهلُ الجهل، بل أهل الإلحاد بوجودهم وشخوصهم دليلٌ على عظمة الله وقُدرة الله ووجوده سبحانه، بل دليل على حلمه، ودليل على إمهاله لهم، واعلمي أنه لا يوجد ملحد أو ملحدة أو كافر عبر تاريخ الدنيا إلَّا وهو يعلم في قرارة نفسه أن للكون خالق، وأن للكون مُدبِّرٌ سبحانه وتعالى، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، وقال تعالى في ذلك: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعُلوًّا}، استكبارًا منهم وظلمًا منهم، فهم يُوقنون بهذه الحقائق، لكنه السَّفه، لكنّه الرغبة في الانطلاق، لكنّها شهوات النفس، لكنه جهل الجاهل، لكنه محاولة الهروب من القيود والضوابط التي تضعها الشرائع، والشرائع لا تضع هذه الأحكام إلَّا لمصلحتنا، فلا تستمعي للسفهاء من الملحدين، واستعمي للعلماء العاملين، واجتهدي في التعرُّف على هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

وإذا جاءتك مثل هذه الخواطر والإشكالات فكوني على تواصل دائم مع موقعك، وابحثي أيضًا عن الدعاةِ والصالحات العالِمات حتى تجدي منهنَّ الإرشادات، وأشغلي نفسك لما خُلقت لأجله، {وما خلقتُ الجن والإنس إلَّا ليعبدونِ} هكذا يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه.

هذه وصيتُنا لك بتقوى الله تبارك وتعالى، ثم بالاجتهاد في تعلُّم العلم الشرعي، ثم بالاستمرار في التواصل مع موقعك، ولك مِنَّا الدعاء، ونسأل الله لنا ولك الهداية والثبات، وشكرًا لك على التواصل مع الموقع.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً