الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلتي دائمة البكاء، فكيف أتعامل معها؟

السؤال

السلام عليكم.

ابنتي عمرها ٥ سنوات تبكي لأتفه الأسباب ولا تريد إخباري السبب إلا بعد معاناة معها، وعندما أنهي المشكلة ويحضر والدها تبكي مرة أخرى وتضع اللوم علي، ويرى الأب أن ابنته على حق وأني المقصرة والسبب، ويرضيها ويلقي محاضرة علي ويلومني بشدة، بدأت في الشعور بالكره اتجاه ابنتي ولا أعلم ما أعمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم حور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختي الكريمة-، مشكلتك هي في سلوك ابنتك ذات الخمس سنوات حيث تجدين صعوبة من طرفها في إفصاحها لك عن مشاعرها حين الغضب، وتلقي اللوم عليك بوجود والدها، مما جعلك تشعرين بالانزعاج منها.

بداية دعيني أقول لك أنني أتفهم كثيراً انزعاجك من موقف طفلتك، ولكنها طفلة أولا وأخيراً، وأطفالنا تربيتهم تقع على عاتقنا، بل هم مرآة لنا وانعكاساً لتصرفاتنا نحن معهم، وهذا ما يجعل من الأمومة مهمة صعبة ومقدسة، فهي عملية استكشاف لذات الأم قبل ذات الطفل، وتربية لنا وتقويم لسلبياتنا قبل أن تكون تربية لهم وتقويماً لتصرفاتهم.

هناك نقاط كان من المهم معرفتها، حيث لها دور هام في تحديد سبب وعلاج أية مشكلة تربوية بشكل دقيق:

* ما هي طبيعة علاقة كل منكِ ووالدها بابنتكما؟
* ما هي طبيعة علاقتك أنت وزوجك؟
* ما هو نمط ردة فعلك مع ابنتك حينما تخطئ، وهل يحتوي على أي من (تعنيف/صراخ/ ضرب/عقاب/كلام سيء)؟

في حال نعم، فأول وأهم شيء علينا فعله وقبل أي شيء آخر هو إيقاف تلك السلوكيات في تعاملكِ معها، فهذه السلوكيات قد تكون هي المُسبب لتصرفات طفلتك بأنها تبكي ولا تأتي إليك أو لا تفصح لك بسهولة عن داخلها، قد تكون هي السبب بأن تفقد الأمان معك إن أخطأت بشيء ما، أو تفقد ثقتها بحبك لها، وهذا "إن وُجد" له طبعا أثره السلبي على شخصية الطفل ونفسيته على المدى القريب والبعيد، وتلك المشاعر بلا شك تجعل الطفل يعطي ردة فعل ولكن عن طريق المشكلات السلوكية التي يُحدثها.

في حالة لو كنت تعاملينها بإحدى أشكال التعنيف حينما تخطئ، كما ذكرت سابقا، هنا عليك اتباع الخطوات التالية:

- الأولى أن تبحثي عن خطئك في تعاملك معها، فالأطفال هم مرآة وانعكاس لنا ولتصرفاتنا معهم، لذا لا بد من البحث في أنفسنا وسلوكياتنا عندما نرى أية مشكلة سلوكية لديهم، أي إن نقطة البداية هي من عندنا، وهذا ما أريده منك، البدء من نفسك والبحث بشكل حيادي عن أية تصرفات خاطئة تقومين بها مع طفلتك، وإن وجدتِ صعوبة في معرفة ذلك (فالإنسان غالبا لا يرى نفسه وأخطاءه) فاسألي شخصا مقربا تثقين بصدقه وملاحظته ومحبته لك، سواء زوجا أو أما، فهُم بلا شك يرون تصرفاتك مع طفلتك، وسيخبرونك بدافع الحب عن أية تصرفات خاطئة تقومين بها عن غير عمد، وهذا سيفيدك في الإصلاح من نفسك وأخطائك، وتطوير مهاراتك الشخصية كأم.

- إيقاف تلك التصرفات الخاطئة من طرفك على الفور، أو على قدر المستطاع.
- اعتذري من طفلتك على تصرفك الخاطئ معها (مثلا صراخ) فذلك من حقها عليك، وسيكون لاعتذارك أثره الإيجابي على نفسها، وأخبريها أنك لن تعودي تمارسيه عليها لاحقا، وأنك ترغبين بفتح صفحة جديدة معها، وأكدي لها دائما عن حبك لها وكيف أن سعادتك من سعادتها، وتذكّري أن الطفل يعرف تماما كيف يسامح، فقط اعتذري منها وستجدين أنها تتفاعل معك بطريقة إيجابية مختلفة.

- أن تصلحي من نفسك، مثلا في حال كنت تصرخين عليها عندما تقوم بشيء خاطئ، درّبي نفسك على كيفية الاستجابة الصحيحة للطفل، والتي تجمع بين الهدوء والمحبة والوضوح والحزم.

- انتقلي إلى مرحلة التطبيق، أي تقصّدي حينما تغلط طفلتك أن تكون ردة فعلك إيجابية معها، ولا توبخيها على شيء، وإنما بكل هدوء اشرحي لها وجهة نظرك، واجعلي هذه المرحلة تطول قليلاً، فهي مهمة جدا لكي تزرعي لديها إحساس الثقة بمحبتك لها في جميع المواقف.

- عندما تبادر بالمجيء والتحدث إليك (في حالات الحزن والانزعاج) قومي بتعزيز تصرفها وأظهري لها سعادتك من ذلك.
- تستطيعين التأثير عليها بطرق غير مباشرة لزرع وتثبيت الفكرة لديها وهي (المجيء إليك والتحدث عن مشاعرها السلبية بسهولة) من خلال عدة أفكار سأتطرق لها لاحقا.

- اطلبي من زوجك أن يُخبر ابنته بين الحين والآخر أنه لن يفهمها أحد أكثر من أمها، وأن يشجعها على المجيء إليك حينما تغضب أو تحزن.

هناك جملة قد لفتت انتباهي في رسالتك وهي (تبكي لأتفه الأسباب)، فأريد التعليق هنا على نقطتين:

الأولى: أن الأطفال قد يبكون حقا لسبب تافه بنظرنا، ولكنه بالنسبة لهم بغاية الأهمية، وهذا الأمر علينا أن ننتبه له في تعاملنا معهم، وأن ندرّب أنفسنا على النظر إلى الأمور بعيونهم لا عيوننا.

النقطة الثانية: مادامت ابنتك تستخدم وسيلة البكاء للتعبير عن أي شيء يزعجها، فهذا ينبهنا أن طفلتك غير مُدرّبة بشكل كاف على وسائل أخرى للتعبير عن مشاعرها السلبية، وبالتالي عليك العمل على سد هذه الفجوة.

سأقترح عليك الآن مجموعة من الأفكار والخطوات المساعدة لعلاج مشكلة طفلتك:

- هناك طرق غير مباشرة تستطيعين من خلالها زرع ما تريدين من أفكار في دماغ طفلتك، وخلالها تكون جاهزة لامتصاصها أكثر من حالة الكلام والتوجيه المباشر، وهي:

* القصص التي تروينها لها، سواء قبل النوم أو أثناء النهار، وحاولي إدخال الأفكار التي ترغبين بها، مثل (طفلة تتحدث لأمها أنها حزينة، فتحتضنها أمها، وتشعر الطفلة بعد ذلك بالراحة)، وغيرها من الأفكار التي تريدينها.

* اللعب الحر من خلال أداء مسرحيات مع ألعابها، سوف تساعدك هذه الوسيلة كثيرا على زيادة فهمك لطفلتك من خلال معرفة مكنوناتها، وأيضا تستطيعين خلالها أخذ دور الطفلة وهي تأخذ دور الأم، وستلاحظين كيف تقلد كل ما تقومين به معها، وأيضا تستطيعين من خلال أخذك لدور الطفلة أن تزرعي الأفكار التي ترغبينها بشكل عفوي ومرح.

* إنْ كان زوجك متعاوناً ومتفهماً، تستطيعين بالاتفاق معه أن تمثلوا أمامها يوما ما أنه قد أتى من العمل منزعج من مسألة معينة، فقام بالتحدث إليك عنها، فهذا سيجعلها تتعلم بالقدوة وتطبق على نفسها.

* أثناء اللعب اليومي معها، تستطيعين بالاستناد إلى الصور والأسلوب المرح والمحبب لها، أن تشرحي لها مصطلح ومفهوم العائلة، وحينها تشرحين لها كيف أن أفراد العائلة يحبون بعضهم كثيراً، وإذا حزن أحدهم لأي سبب كان، يتكلمون لبعضهم حول ما يشعرون به، ويدعمون بعضهم في جميع الحالات.

* أيضا أثناء اللعب اليومي معها، تستطيعين بالاستناد إلى الصور وبالأسلوب المرح والمحبب لها أن تشرحي لها مفهوم الأصدقاء، واضربي لها مثالا عن الصداقة بين الأم وطفلتها، يلعبون سوياً، يضحكون سوياً، يطبخون سوياً، ويتكلمون مع بعض سويا، وإذا حزن أحدهم أو غضب من أمر ما يتكلم للآخر فيسمعه جيدا مما يجعله يشعر نفسه أفضل، وإذا أخطأ أحدهم مع الآخر يعتذر فيسامحه الآخر، هذه المفاهيم ستساعدها كثيرا على تشكيل صورة ذهنية عن علاقتها بك والتصرف معك بناء عليها.

* تستطيعين البدء بنفسك ليسهل تطبيق الأمر عليها، مثلا مثّلي أنك حزينة لأمر ما، ومن ثم تحدثي إليها عما يحزنك (يكون الموضوع بعيدا عنها)، وبعد أن تسمعك تتظاهرين أمامها أنك قد ارتحت بالتحدث إليها، فهذا الموقف سيعزز لديها مفهوم الصداقة بينكما والتصرف معك بناء عليه.

* ابحثي عن النشاطات المنزلية التي تُسعد طفلتك وحاولي أن تقوموا بها سوياً، فذلك يُقوّي كثيراً من علاقتك بطفلتك.

* أكثروا من مشاوير العائلة في الخارج، فهي تقوي من علاقة الطفل بوالديه.

أتفهم انزعاجك من لوم زوجك أيضاً لك، فأغلب الرجال غير واعين تماما لأهمية هذه التفاصيل في العملية التربوية، وانعكاسها على نفسية الأم والطفل معا، لذا أتمنى منك إنْ كان زوجك من النمط المتفهم والمتعاون أن تتحدثي معه بهدوء أنّ سفينتكم واحدة، وهدفكم واحد وهو تربية طفلتكما تربية إيجابية، وأنك تفضلين أن يتحدث إليك حول أية مشكلة متعلقة بطفلته لوحدكما دون وجودها، فذلك أفضل وأصح من جميع النواحي.

توجد عادة جميلة تستطيعين تطبيقها مع طفلتك وستساعدك كثيراً في زيادة فهم طفلتك وما تشعر به، وأيضاً ستقوي لديها قدرتها على إدراك مشاعرها وتقوية ذكائها العاطفي، وهي أن تختموا يومكم بسؤالها عن أكثر شيء قد حدث معها وجعلها تشعر بالفرح، وأيضاً عن أكثر شيء قد حدث معها وجعلها تشعر بالحزن، فقط اسمعي وأصغي لها، واتركي لها حرية التعبير، ومن ثم اختمي حديثكما بعناق مع إخبارك لها كم أنك تحبينها.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتكِ، ولا تترددي في مراسلتنا مُجدداً حينما ترغبين.

بأمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً