الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلتي عندما تغضب تقول كلاماً سيئاً لوالدها، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

ابنتي بعمر 6 سنوات، تتحدث الانجليزية والعربية قليلاً، وهي البنت الوسطى، نحن نعيش ببريطانيا، وهي دائماً تقول لوالدها عندما تغضب أو حتى وهي تلعب كلمات مجرحة ومستفزة! مثل: أنت لا شيء، أو أنا لا أحبك أو سأرميك في القمامة (باللغة الانجليزية طبعاً تقولها).

أنا أتفاجأ لقولها هذا، مع أن والدها جداً حنون وكريم عليهم، ويدللهم أكثر مني، أنا أطلب منه أن يشدد عليهم قليلاً، وبالفترة الأخيرة صرت أطلب منه مساعدتي في تربيتهم، فصار يتدخل ويعاقبهم أحياناً، ويصرخ أحياناً لكن لا يضربهم أبداً.

هو لا يرد عليها عندما تقول ذلك، لكن أنا أقوم بمعاقبتها أولاً، بعد ذلك أتكلم معها في الموضوع وتتأسف له وتقبل رأسه.

أتمنى مساعدتي في ذلك، أرجوكم، حتى لا يسوء الأمر أكثر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nour حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك عزيزتي.

إن ظهور أية مشكلة سلوكية لدى الطفل يتطلب من الأهل للحد منها ومعالجتها معرفة سبب حدوثها من الأساس، فمعرفة الأهل لمصدر تعلم الطفل للخطأ أو سبب حدوثه يسهّل عليهم الأمر كثيراً في كيفية معالجتهم للخطأ والتعامل مع طفلهم، وكلما كانت علاقة الوالدين بأطفالهم أكثر إيجابية وتمتاز بالحب غير المشروط، كلما كان أسهل على الطفل الاعتراف بخطئه والتراجع عنه.

إن ظهور أية سلوك سلبي لدى الطفل يعني أنه تعلمه من مكان ما، أي إما أن يكون مصدره من داخل المنزل أو خارجه أو من الانترنت، ومعرفة الأهل للمصدر يسهل عليهم الأمر كثيراً، وكما ذكرتُ إن وجود علاقة صداقة قوية فيما بينهم يسهل ويقوي من تأثير الأهل على أطفالهم.

من النقاط المهم معرفتها بما يخص مشكلة طفلتك حول الكلام الجارح لوالدها هي:

- منذ متى بدأت هذه المشكلة؟
- بعيداً عن مشكلة التلفظ بالجمل المسيئة، كيف كانت علاقة طفلتك بوالدها عموماً قبل المشكلة؟ وهل يوجد أي تغير فيها؟
- ما هي المتغيرات التي ترافقت زمنياً مع ظهور المشكلة؟
- هل يوجد أي حدث هام ضمن الأسرة مؤخراً؟
- هل تُكرّر طفلتك هذه الجمل فقط مع والدها؟

- هل جرّبتِ قبل عقابك لها أن تجلسي معها بهدوء وتسأليها عن سبب تلفظها بهذه الجمل، وأن تحاولي معرفة إن كانت مدركة حقيقة لمعناهم أم لا؟ وتسأليها من أين سمعتهم لأول مرة (حيث أرجّح أنها لم تسمعهم منكم، فغالباً أنتم بالأساس تتكلمون العربية داخل البيت، وهذا ما جعلني أخمن أنها سمعتهم من خارج البيت أو الانترنت)؟

حيث عندما تجلسين معها بهدوء وتصادقينها وتسمعينها ستفهمين المصدر الذي أخذت منه طفلتك هذا السلوك السلبي، وحينها سيسهل عليك كثيراً الحد منه، والتعامل مع الموضوع.

هناك نقطة أخرى أريد التطرق لها، وهي عمر طفلتك الآن 6 سنوات، أي أنها غالباً قد دخلت مؤخراً إلى المدرسة، لذا قد يكون تصرف طفلتك ناتجاً عن تقليدها لأحد الأطفال معها عندما رأته أو سمعته يتلفظ بنفس الجمل, وهذا الأمر منتشر جداً بين الأطفال, فلا تقلقي, حيث إن تجاوز المشكلة يعتبر سهلاً إن شاء الله، ما دام الوالدان يتسمان بالحرص والاهتمام الذي لمستُه بكِ أنتِ وزوجك من خلال كلماتكِ.

لذا أريد منك أن تسألي نفسك، ما مدى مراقبتك لطفلتك سواء خارج المنزل أو داخله، هل أنت متأكدة أنها لم تأخذ هذا السلوك من مصدر خارجي، فالأطفال في عمر طفلتك يقومون بالتقليد حتى لو كانوا غير مدركين لمعنى وأبعاد ما يقومون أو يتلفظون به.

لقد ذكرتِ أن علاقة الأب عموماً مع أطفالك بغاية الحنان والإيجابية، ومن ثم ذكرت لنا أنه مؤخراً أصبح يتدخل في عملية التربية من خلال تشدده في علاقته معهم ومعاقبتهم والصراخ عليهم.

لذا قد تكون طفلتك تأثرت بتغير معاملة والدها معها (صراخ/عقاب، بعد الدلال السابق)، فعبّرت عن مشاعرها وانزعاجها من خلال هذه الطريقة، ولكن ما يجعلني أستبعد هذا الاحتمال أنها تتلفظ بهم مع والدها حتى خلال اللعب.

أحاول مشاركتكِ جميع الاحتمالات التي بذهني لكي تفهمي أبعاد تصرف طفلتك أكثر، حيث إن فهمك له سيساعدك كثيراً في تجاوزه بشكل أسهل.

سأطرح عليك الآن بعض الاقتراحات العلاجية لسلوك طفلتك:
- لقد ذكرتِ برسالتك أنكما لا تقومان بضربها نهائياً، وهذا أمر إيجابي يدل على وعيكم، ولكن أقترح عليكما تجنب الصراخ والعقاب أيضا، فالصراخ يترك أثراً سلبيا كبيراً في نفسية الطفل وهدم ثقته بنفسه، والعقاب ليس له مكان في تربية الطفل في عمر طفلتك، فهي تحتاج منكما التوجيه والتكرار بالتوجيه مع كل خطأ وكل موقف، مترافقاً مع شرحكما لها لماذا ما تقوم به يعتبر خطأ، وتعزيز ذلك بالأمثلة والقصص والتكرار.

- لفت انتباهي تجاوب طفلتك معك عندما تتحدثين معها وقيامها بالاعتذار وتقبيل رأس والدها، وهذا مؤشر ايجابي يدل على فطرتها السليمة الناتجة عن تربيتكما لها، إضافة إلى قدرتك الجميلة على التأثير عليها وإقناعها بخطأ تصرفها، لذا أتمنى منك -أختي العزيزة- أن تثقي أكثر أنه بإمكانكما التأثير على طفلتكما كما تحبان, بعيداً عن الصراخ والعقاب.

- إن كنتما تتكلمان في البيت أمام الأطفال بأي كلام بذيء فمن المهم جداً أن تتوقفوا عن ذلك نهائياً، فالطفل يتعلم بالقدوة، وحاولوا أيضاً أن ترفقوا كلامكم أمام أطفالكم بالمصطلحات الإيجابية والشكر والامتنان والاعتذار، فكل هذا سينتقل إلى أطفالكم من خلال التعلم بالاقتداء، ولا تنسوا مدح طفلتكم وتعزيزها في حال تلفظت بأية كلمة طيبة تجاه والدها والبقية.

- بإمكانك استثمار قصص قبل النوم من خلال اختيارك للمواضيع التي تتحدث عن الكلام الطيب والابتعاد عن الكلام السيء، وصياغة ذلك بأسلوب محبب لطفلتك، فهذا سيجعل تأثرها بها أكثر قوة.

- إنْ لم تتمكني من معرفة مصدر السلوك السلبي لطفلتك، وسبب قيامها بذلك مع والدها، بإمكانك الغوص في داخلها ومعرفة ما يجول في ذهنها بشكل غير مباشر, وذلك من خلال أداء المسرحيات، فالأطفال يحبون ذلك كثيراً, جرّبي مع طفلتك ودعيها تأخذ دور الأب مثلاً، واتركي لها التمثيل بارتجالية وحرية، حيث ستجدينها تُسقط تصرفات والدها عليها "كما تراها هي" وتقلده تماما، وهذا سيساعدك في رؤية الأمور بشكل أعمق ورؤية نفسك وزوجك بعيون طفلتك.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتُكِ بإجابتي، وأدعو الله أن يجعل أطفالك قرة عين لك ولزوجكِ.

لا تترددي في مراسلتنا مجدداً بأي وقت تشائين.

دُمْتِ برعاية الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً