الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الاكتئاب والعصبية لأتفه الأسباب، هل هذا مرض عقلي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب بعمر 31 سنة، أصبت بالاكتئاب عند دخولي الجيش منذ ما يقارب 11 سنة، بسبب ما حدث لي وعدم نزولي لرؤية أسرتي لفترات طويلة، وقد ترتب على ذلك إصابتي بالاكتئاب والعصبية الشديدة، وبعد خروجي شعرت بتحسن ملحوظ ظهر على شكلي ووزني.

كنت أعمل عامل حياكة في شركة ملابس، وتركت عملي مرتين بسبب ضيق خلقي وعصبيتي، وأحب العمل الذي فيه حركة وتنقل، وحاليا أنا بلا عمل، علما أني عند مقابلات العمل أشعر برهاب وخوف مما قد يحدث.

شعرت بالفراغ العاطفي، وبدأت أبحث عن نصفي الآخر، وكنت أريدها جميلة جدا ومنقبة، وكلما أعجبت بفتاة أرسلت وسيطا بيننا، لأنني أنحرج من محادثتها، وتفشل المحاولة، وقد تكرر هذا مع أكثر من فتاة.

منذ فترة أحببت قريبة لي، وخذلتني، وبعدها تعرفت على زميلة لي، وصارحتني بحبها، ولكني لا أبادلها الشعور، ولما أحست أنها مجرد زميلة وصديقة فقط قررت الانسحاب من حياتي، فارتبطت بها حتى لا أشعر بالوحدة، وهي تشعر دائما بأنني لا أحبها، ولا أستطيع البوح بذلك خوفا على مشاعرها، وعند خروجنا أنظر لكل فتاة جميلة تمر بجوارنا في الطريق، وهي تلاحظ ذلك، ولذلك تركتني، ثم تواصلنا من جديد.

المشكلة أني أشعر بأكثر من شخصية في داخلي، 4 أشخاص، شخص حزين، وآخر مكتئب، وآخر عصبي يريد العلاج، أتحدث مع نفسي بصوت مرتفع، انخفض وزني 20 كلغ، ووجهي أصبح شاحبا، وأعاني من سوء الهضم بسبب التهابات المعدة وارتجاع المريء،وتساقط الشعر، ولا أستطيع النوم من كثرة التفكير.

ذهبت لطببب نفسي، فوصف لي حبة السيكويل مساء وحبوب أخرى، استمررت عليها لمدة 6 أشهر، وتوقفت عن العلاج من تلقاء نفسي بدون مراجعة الطبيب، ما تفسير حالتي؟ هل أنا مريض عقلي؟ أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Amr حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيها الفاضل الكريم: ما تعتقده أنه اكتئاب قد أصابك هو ناتج ممَّا يمكن أن أسمّيه (حصار وجداني)، كل الذي شغلك وأخذ حيِّزًا من تفكيرك وعواطفك ووجدانك هو العلاقة مع الفتاة التي ذكرتها، أنت أصبحت مُكبَّلاً حقيقة من الناحية الوجدانية، وهذا الأمر هيمن على تفكيرك وعلى وجدانك، والتفكير هي المقدرات المعرفية عند الإنسان، وحين تتأثّر بالعواطف تُعطِّلَ جوانب كثيرة في حياته، وهذه إشكالية حقيقية، أنك تركت نفسك وأبعدتها من مهارات الحياة الأخرى.

أنا لا أقول إنك قد عطّلت كل شيء في حياتك، لا، لكن الحيّز الأكبر في تفكيرك وعقلك ومهاراتك ووجدانك كان حول هذه الفتاة، وبكل أمانة وصدق هذا دهليز مظلم أنت قد دخلته. الحياة متشعبة، والحياة طيبة، والحياة جميلة، والإنسان يجب أن يكون متسع الأفق، يكسب المهارات في كل مجال (في المجال الاجتماعي، في المجال الحرفي، في المجال المعرفي، في المجال الديني، في المجال الرياضي)، وتكون هذه التنمية الفكرية والمهاراتية في جميع المرافق، ليس في مرفقٍ واحد، ومرفقٍ حسَّاس، ومرفقٍ غير مفيد كثيرًا بكل أمانة.

أعتقد أن هذه هي الإشكالية الأساسية التي جعلتك تحس بالاكتئاب وتحس بعدم الارتياح، للدرجة التي قلّت شهيتك، ونقص وزنك، وتساقط شعرك، وأصبحت ضعيف المناعة لتكون عُرضة للالتهابات وخلافه.

أعتقد أنك الآن يمكن أن تستفيد من قوة الحاضر، نحن نقول دائمًا: قوة الحاضر أفضل من إخفاقات الماضي ومن مخاوف المستقبل.

أخي الكريم: انتصر لنفسك من خلال قوة الحاضر، من خلال أن تعدّ نفسك إعدادًا جيدًا للحياة، أن تكون متميِّزًا في عملك، أن تُحسن التواصل الاجتماعي، ألَّا تتخلف عن واجب اجتماعي أبدًا، أن تكون بارًّا بوالديك، أن تصل رحمك، أن تحرص على صلواتك في وقتها، أن ترفه عن نفسك بما هو طيب وجميل، هذه هي الحياة، وهذا هو الذي أنت مطالبٌ به، ويمكن أن تُنمّي نفسك بسرعة كبيرة.

أريدك أيضًا أن تقرأ عمَّا يُسمَّى بالذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني، لأنه من خلاله نتعلم كيف نتعامل مع أنفسنا إيجابيًا، وكذلك كيف نتعامل مع الآخرين إيجابيًا. فهنالك كتب كثيرة جدًّا تتكلم عن الذكاء العاطفي، يمكن أن تقرأ في أحد هذه الكتب وتستفيد كثيرًا.

الرياضة، رياضة المشي، رياضة الجري، وتمارين الاسترخاء، كل هذه مهمّة.

أمَّا الأدوية فكلها أدوية متشابهة وكلها متقاربة، وأنا أرى أن عقار (ترازودون) سيكون مفيدًا لك جدًّا. شاور طبيبك حوله، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً