الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من اكتئاب شديد وقلق مستمر على أدنى شيء، أفيدوني.

السؤال

السلام عليكم

بدأت أحس بالاكتئاب بعد الولادة بسبب فشل الرضاعة الطبيعية وضغط من هم حولي، فشعرت بالحزن والبكاء المستمر، كرهت ابنتي وندمت أنني أنجبتها.

كنت في إجازة لمدة 6 أشهر، ثم نزلت للعمل مرة أخرى فبدأ الوضع بالتحسن، ولكن أوقاتًا كثيرة أشعر فيها بالحزن بلا سبب، وأبكي كثيرا، وأحس بخنقة وضيق تنفس.

لا يشعر بي جميع من هم حولي، وأي كلمة تشعرني بالحزن، ولا يوجد شيء يسعدني، وأشعر بأنني سوف أموت قريبا، وبدأت أعاني من القولون العصبي.

لا أعرف كيف أستقر في بيتي وأترك التوتر؟ مع العلم أن العائلة تعاني من تاريخ مرضي نفسي أيضا.

أرجو المساعدة، فالحياة أصبحت بالنسبة لي كالكابوس.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إسراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب، ونبارك لك المولودة، ونسأل الله تعالى أن يجعلها من الصالحات، وأن يجعلها قرة عين لكما.

أيتها -الفاضلة الكريمة-: الاضطرابات الوجدانية ما بعد الولادة كثيرة، وكثير من الأمهات قد يظهر لديهنَّ أعراض القلق والتوتر والاكتئاب النفسي، ونحن نُعرِّف حقيقة فترة النفاس في الطب النفسي على أنها لمدة عام وليست أربعين يومًا، خلال هذه المدة الأم تكونُ عُرضةً لهذه التغيرات النفسية، تزيد وتنقص، وتشتدّ، وتختلف من أُمٍّ لأخرى، معظم الحالات تبدأ بعد الأسبوع الرابع من الولادة، وكما تفضلت بعضها تكونُ خفيفة وتنقشع لوحدها، وبعضها يتطلب العلاج.

لا شك أن اكتئاب ما بعد الولادة هو اكتئاب بيولوجي في المقام الأول، وإن كانت المؤثرات النفسية والظروف الحياتية تلعب دورًا، لكن هو مرتبط باضطرابات هرمونية، تغيرات كثيرة تحدث للأُمِّ. كما أن علماء النفس يرون أن تحمُّل الأُمِّ لدور الأمِّ نفسه قد يكون عِبئًا عليها. وتوجد جوانب نفسية أخرى كثيرة.

في حالتك ذكرت أنه يوجد تاريخ مرضي في الأسرة، نسأل الله تعالى أن يُعافي جميع المرضى، وهذا عاملٌ يجب أن نضعه في الاعتبار، بمعنى آخر: أنه لديك شيء ممَّا نُسمِّيه بعوامل المخاطرة، أو العوامل المُهيئة، ولذا حقيقة يجب أن تأخذي علاجًا نفسيًّا لحالتك هذه، والعلاج سهل جدًّا.

إنْ ذهبتِ وقابلت طبيبًا نفسيًّا فهذا هو الأفضل، وإن لم تستطيعي فإن عقار (سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (لوسترال) أو (مودابكس) دواء رائع جدًّا، دواء فاعل جدًّا، يُحسّن المزاج، يُزيل الخوف والقلق والتوتر، وهو غير إدماني، وأنت لديك الأعراض النفسوجسدية التي تحدثت عنها والتي تظهر في شكل قولون عصبي، إذًا الحاجة لمثل هذا الدواء مهمة جدًّا.

عمومًا أنا سوف أذكر لك الجرعة، وتفاصيلها، وأفضل الطرق لتناولها، تبدئي السيرترالين بجرعة نصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا- تتناولينها لمدة عشرة أيام، وهذه هي جرعة البداية، بعد ذلك ترفعينها إلى حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلي الجرعة حبتين يوميًا -أي مائة مليجرام- لمدة شهرين، وهذه هي الفترة العلاجية المطلوبة في حالتك، بعد ذلك تنتقلين إلى المرحلة الوقائية، بأن تجعلي الجرعة حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقفين عنها من خلال أن تُخفضي الجرعة وتجعلينها خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين.

السيرترالين دواء رائع، دواء ممتاز، وحتى أنه لا يؤثر على الرضاعة إن كنت تُرضعين الطفل، لأنه يُفرز بكميات بسيطة جدًّا لا تُذكر في حليب الأم، -وكما ذكرتُ لك- الدواء سليم، غير إدماني، لا يؤثّر على أي عضوٍ من أعضاء الجسد سلبيًّا، له آثار جانبية بسيطة، فقد يفتح شهيتك قليلاً نحو الطعام، وفي هذه الحالة يجب أن تكوني حذرة حتى لا يزيد وزنك.

هذا هو العلاج الرئيسي، العلاج الدوائي مهم في حالتك، وبعد ذلك طبعًا هنالك العلاجات التأهيلية السلوكية والاجتماعية، وأنت على إدراك بها، نظمي وقتك، هذا مهمٌّ جدًّا، النوم الليلي المبكّر مهم جدًّا، فحاولي أن تنامي مبكّرًا ومريحًا، طبعًا الطفل له متطلبات، لكن إن شاء الله تعالى تستطيعين أن توفقي حول هذا الأمر.

مارسي تمارين رياضية، بالذات تمارين المشي، نراها مهمة جدًّا، تمارين الاسترخاء أيضًا مهمة، الشهيق والزفير والتنفس المتدرّج، هذا مهمّ ومفيد، توجد برامج كثيرة على اليوتيوب، أرجو أن تتطلعي على أحدها وتطبقي ما ورد فيه من تعليمات.

هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً