الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأفكار الفيتيشية تأتيني رغما عني فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم.

جزاكم الله خيرا لكل ما تقدمونه لنا، ولثقتي فيكم قررت أن أنفض الغبار عن سر كبر معي، وأصبح يؤرقني، لعلي أجد بين يديكم الشفاء.

أنا أعلم جيدا مما أعانيه، أعاني من فيتيشية الشعر، أنا منذ صغري أستمتع لرؤية قص الشعر وحلاقته، وأرى كثيرا من الفيديوات لهذا الشيء مما جعلني أتعلم العادة، ولكن عندما أدركت حرمتها، أصبح ضميري يؤنبني، وأبكي بعدها جدا وأكتئب، ولكنني بعد أن كنت أشاهد تلك الفيديوات يوميا صباحا
ومساء صرت أفعل ذلك مرة في الأسبوع ثم مرة في الشهر، وأخاف من ربي جدا، فأنا ملتزمة بكل ديني وطاعة زوجي، ولكن هذا منغصي الوحيد، أرجوكم ساعدوني، فهل ربي غاضب علي؟ هذه الأفكار الفيتيشية تأتيني رغما عني أو أحلم أن أحدا يقص شعري فأجدني أفعل ما حرم الله.

هل سيقبل الله توبتي في كل مرة أفعلها؟ أريد حلا لأتخلص مما أنا فيه، فخوفي من ربي يقتلني، أرجوكم طمئنوني فأنا أتعذب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع، وأنا أؤكد لك أن سِرّك في حفظ وصونٍ واحترام للخصوصية بإذن الله تعالى.

الـ (فيتيشية fetishism) من هذا النوع موجودة، ونحن دائمًا ندرجها تحت السلوك الوسواسي أكثر ممَّا هي فيتيشية جنسية مُطلقة، لأن بعض الذين يُمارسون هذه العادة تكون قد بدأت من خلال نتف الشعر، وبعضهم يقلع عن نتف الشعر، والبعض الآخر يتحول إلى شيء من الفيتيشية في حلق الشعر.

أيتها الفاضلة الكريمة: نصحك الشيخ الدكتور مراد القدسي بما هو شرعي وبما هو مطلوب، وأنا دائمًا أقول أن الإنسان إذا أخذ الأمور بمقاس الحلال والحرام سوف يتغيَّر معرفيًّا، هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وأشار لك الشيخ بذلك بصورة واضحة وبيّنة، فأرجو أن تأخذي بما ذكره لك.

من الناحية النفسية: أنا أبشرك أنك الحمد لله امرأة متزوجة، ولديك أشياء طيبة في حياتك، وحتى ممارستك لقص الشعر أصبحت حقيقة متباعدة، وهذا في حد ذاته يعطينا أملاً كبيرًا أنك ستتخلصين من هذا الأمر.

طبعًا من الناحية المعرفية يجب أن تُقبِّحي هذا الأمر، ويجب أن يكون لك إدراك قاطع أنه فعل سيئ، أنه فعل شنيع، وذلك بجانب حرمته. والإنسان يجب ألَّا ينحرف أصلاً عمَّا هو طبيعي وعمَّا هو مقبول، نحن نعرف أن التوزيع الإحصائي للبشر أن خمسة وتسعين (95%) تقريبًا من الناس يندرجون تحت ما هو طبيعي، مع بعض التباينات، وخمسة بالمائة (5%) هم الشواذ والذين يخرجون عن المنحدر الإحصائي لما هو طبيعي ومقبول في المجتمع.

أيتها الفاضلة الكريمة: بجانب تغليظ هذا الأمر فكريًّا وتقبيحه؛ عليك أن تلجئي لما نسميه بالعلاجات السلوكية التنفيرية. هنالك عدة علاجات تنفيرية، منها: أن تربطي هذا الفعل أو مجرد التفكير فيه مع شيء قبيح، شيء مُحزن مثلاً، ككارثة، كاحتراق طائرة مثلاً، وتتأمّلي في هذا الحدث الشنيع، وفي ذات الوقت تستجلبي الفكرة حول قص الشعر بالصورة التي تكلمتِ عنها. الهدف هو أن علماء السلوك وعلى رأسهم عالِم يُسمَّى ليون فستنغر (Leon Festinger) وجدوا أن الأشياء المتناقضة لا تلتقي في حيّز فكريٍّ إنسانيٍّ واحد، ما دمت أنت تمارسين هذه الفيتيشية يعني أنك تجدين فيها راحة، وحين تربطي ذلك بالحدث الكارثي – وهو أمرٌ مرفوض وغير مرغوب بالنسبة للنفس – فهذا يُضعف كثيرًا الفعل الفيتشي.

وتمارين أخرى، مثلاً: أن تقومي بالضرب على يدك بقوة وشدة شديدة حتى تحسي بالألم، اجلسي أمام طاولة أو أي جسم صلب، وقومي بالضرب على يدك بقوة وشدة، وفي نفس الوقت استجلبي فكرة قص الشعر. أو مثلاً: ضعي يدك على رأسك كأنك تودين أن تقصي الشعر. إيقاع الألم بصورة متكررة وربطه مع هذا الفعل أو هذه الفكرة يُضعفها تمامًا.

هنالك دواء رائع جدًّا يُفيد في مثل هذه الحالات يُسمَّى (فافرين) واسمه العلمي (فلوفكسمين)، جرعته هي أن تبدئي بخمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعليها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم مائتين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر، ثم يتم التوقف عنه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم..استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ مراد القدسي ...... مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك أختي الكريمة، ونسأل الله أن يصلح حالك، والجواب على ما ذكرت:
- لا ينبغي أن تمارسي "الفيتيشية" مرة أخرى لأنها نوع من الانحراف الجنسي، فأنت قد أكرمك الله بالزواج، ولأنها تؤدي إلى تقليد الآخرويات من النساء، ومن ثم تتبع ما هم عليه من الانحراف السلوكي والأخلاقي، والذي عليك الآن التوبة إلى الله تعالى، وأن تقلعي عن هذا الذنب، ولا تذكري ما كنت عليه لأي أحد من الناس.

- تأنيب الضمير دليل على أنك حريصة على الإقلاع عن الذنب، ولهذا سارعي إلى التوبة من غير تأخير، واحسني الظن بالله فإن الله يقبل من جاء إليه تائبًا منيبًا، ومع كثرة الذكر والاستغفار ستذهب عنك تلك الأحلام السيئة.

- وبخصوص قص الشعر الذي تعلمتيه، فعليك أن تقلعي عنه، ولا يحصل منك حلق للشعر إلا ما جاء به الشرع، وأما تقصير شعر الرأس، فلا بأس به إن إذن الزوج بذلك، وإن لم يأذن فلا تقصي شيئا منه ولا تغيري فيه شيء، فإن التمتع بشعر الزوجة في النظر إليه ورغبته أن يكون طويلاً أو قصيرًا من حقه.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات