الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناتي من الوسواس القهري قديمة، كيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم

عمري ١٧ سنة، وقد أصبت بالوسواس منذ أن كان عمري ١١ سنة، بعد أن عشت الإيمان -ولله الحمد- بدأ لي في النظافة وكنت أقاومه، ثم تدرج لي في أنواع كثيرة أخرى حتى أتتني أغلب الأنواع انتهاء بالوسواس الكفري.

كنت في تلك المرحلة الصعبة في صراع دائم مع نفسي لا يتوقف، ولا أستطيع الذهاب لمعالج نفسي، حتى إنني لم أكن أبوح لأحد بشيء عن أمري حتى أهلي.

لما ضقت ذرعا ورأوني أكثر من مرة وأنا أفعل أشياء وسواسية أحسوا أنني لدي خطب ما، لكن هم لا يصدقون بالأمراض النفسية، صاروا يعدونني أنهم سيأخوذوني لطبيب نفسي لكن هيهات.

في تلك الفترة حالتي ازدادت سوءا، وكنت أحلم فيها بكوابيس أنني كافرة، وأنني مرتدة، ومن ذاك القبيل، الآن أشعر أنني راضية عن الوسواس ومتعايشة معه، وأشعر أن قلبي مات ولم يعد أي شيء يؤثر في أبدا.

أشعر أنني لا أستحق هذه الحياة أبدا، وكلما أتذكر ما كنت عليه في السابق ازدادت حسرتي، أريد العود لكن كيف؟

أنا -الحمد لله- طالبة في الأزهر الشريف، أحفظ القرآن وعلى دراية بكثير من علوم الفقة والحديث والتوحيد، كنت في السابق أرى النور في العلم وفي طاعة الله، ولم يكن عندي هدف في الحياة إلا ذلك، ثم سلبت كل شيء.

كانت عندي قدرات حباها الله لي حتى مكنتني -بفضل الله- أن أحصد المركز الأول على فرقتي كل عام بدون انقطاع، وكان فهمي وحفظي سريعين، وحكمي على الأمور صائبا، وكانت عندي بصيرة، ثم إنني الآن أشعر أنني لست أنا، وأنني فقدت كل شيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mona حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أنا أؤكد لك أن كل قدراتك موجودة، تميُّزك الأكاديمي، مستواك -ما شاء الله- الفكري من الواضح أنه مرتفع جدًّا، وفي ذات الوقت أتفق معك أن الوسواس مُزعج، كريه، يُؤثّر كثيرًا على النفوس الطيبة، لكن يُمكن علاجه، ونقطة البداية هي ألَّا تقبلي الوسواس ليكون جزءًا من حياتك، هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، لا تستسلمي له أبدًا، والعلاج موجود -إن شاء الله تعالى-.

وأوَّلُ علاج تبدئي به هو العلاج الدوائي، لأننا إذا ذكرنا لك أن تبدئي بالإرشادات التي تقوم على تحقير الوسواس والتنفير منه قد لا تستطيعين تنفيذها، هنالك إثباتاتٍ علميةٍ الآن أن الوساوس تتعلَّقُ بتغيراتٍ في مناطق معيّنة في الدماغ، هنالك مواد تُسمَّى بالموصِّلات العصبية، منها مادة تُسمَّى (سيروتونين) على وجه الخصوص، أُثبت أن هنالك شيء من الضعف أو عدم الانتظام في إفرازها، ولا توجد وسيلة لقياس هذه المادة في أثناء الحياة، لكن المؤشِّرات غير المباشرة -من خلال صورة للرنين المغناطيسي وخلافه- أثبت ذلك جيدًا وبصورة قاطعة.

فإذًا الدواء مهمٌّ جدًّا، وحتى الوساوس إذا ابتدأت كوساوس خنَّاسية مصدرها الشيطان سوف تنتهي كوساوس طبيّة مصدرها نقص أو ضعف أو عدم انتظام في المواد الكيميائية، هذا أيضًا توصَّلنا له، والحمد لله تعالى لدينا مجموعة ممتازة من الأدوية سليمة، غير إدمانية وفاعلة.

إن كان بالإمكان أن تذهبي إلى طبيب نفسي فطبعًا هذا هو الوضع المثالي، لكن إن لم يكن ذلك ممكنًا فنحن سوف نصف لك دواءً سليمًا وفعّالاً وغير إدماني، ولا يخِلُّ أبدًا بالهرمونات النسائية.

الدواء يُسمَّى تجاريًا (فافرين) واسمه العلمي (فلوفكسمين)، تبدئي في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً، تتناولينها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلي الجرعة مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم ارفعي الجرعة واجعليها مائتين مليجرام ليلاً، وهذه هي الجرعة العلاجية الوسطية، حيث إن الجرعة العلاجية الكلية هي ثلاثمائة مليجرام في اليوم، لكن لا أراك في حاجة لهذه الجرعة الكلية. تستمري على الجرعة العلاجية الوسطية هذه -أي مائتين مليجرامًا- ليلاً لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، وبعد ذلك اجعليها مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر كجرعة وقائية، ثم اجعليها خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

طبعًا تحتاجين أن تتحدثي مع أسرتك حول العلاج. من المفترض أن يبدأ هذا الوسواس في التفكُّك والهشاشة بعد شهرين من بداية العلاج، وهنا تبدئين مباشرة في العلاجات السلوكية، أولاً: اكتبي هذه الوساوس في ورقة، وابدئي بأضعفها وانتهي بأشدِّها، وبعد ذلك ابدئي في المكوّن الوسواسي الأول، وخاطبي الفكرة مباشرة قائلة: (أنتِ فكرة حقيرة، أنتَ وسواس، أنتَ تحت قدمي، أنا لن أهتمّ بك، قف، قف، قف)، وهكذا، تُكرري هذا كأنك تخاطبين الوسواس كشخص أمامك، ويا حبذا لو كان هذا التكرار حتى تحسّين بالإجهاد.

والتمرين الآخر هو تمرين التنفير، أن تربطي الفكرة بشيء منفّر، مثلاً تقومي بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب، حتى تحسين بالألم، وتربطي ما بين الألم والفكرة الوسواسية، هذا التمرين يُكرَّر عشرين مرة متوالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء. وهكذا تنتقلي للفكرة التي بعدها وتطبقي نفس التمارين.

هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً