الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفراغ العاطفي والشعور بالوحدة يؤلمانني، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

حاولت الخطبة، لكن الله قدر أن لا تحدث، وأنا مضطر للسفر من بلادي وغالباً لن أستطيع العودة إلى أن يفرج الله عن هذا البلد.

عموماً لدي نقص تغذية ومتلازمة جيلبرت (زيادة صفراوية الدم، خصوصاً عند الجوع والتعب) وعند كثرة الصيام أحس أني أقوم بإيذاء نفسي.

لست اجتماعيا أبداً، ولا أطيق العلاقات الاجتماعية، كثير الاكتئاب (غالباً اكتئاب مرضي) وقد تسبب لي أدوية الاكتئاب مشاكل إن كان إطراحها كبدي.

أريد بدائل عن الصيام خصوصاً للفراغ العاطفي، قد أتمكن من التحكم في الشهوة لدرجة لا بأس بها، خصوصاً أني قليل الأكل، وشهيتي على الأكل شبه معدومة، لكن الفراغ العاطفي والشعور بالوحدة يبكيني ليلاً نهاراً، وأنا في أهلي، فكيف إذا عشت وحيداً في بلاد غريبة.

أرجو أي نصيحة للفراغ العاطفي خصيصاً (أدوية اكتئاب لا تؤثر على الكبد)، وإن تكرمتم بدائل للصيام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا

بخصوص النواحي الطبية لن نخوض فيها، ومسألة تأثير أدوية الاكتئاب على الكبد هي مسألة واردة فعلاً، خاصة مع النوع الذي مصدره كيميائي لا طبيعي حسب بعض الآراء الطبية، ويبقى التأكد من هذه المعلومة يقع على عاتق الطبيب المعالج الذي ستذهب إليه، أو تنوي الذهاب إليه.

أما بخصوص الفراغ العاطفي؛ فالفراغ دوماً ينبئ عن احتياج، وهناك دوافع وحاجات إنسانية مثل الحاجة للانتماء والحرية والقوة.. حسب نظرية ويليام جلاسر، بالإضافة إلى حاجة البقاء والترفيه..

ونظرا لوضعك فهنا ربما تبرز الحاجة للقوة والانتماء في أعلى سلم الحاجات لديك.

فأنت تشعر بنوع من الضعف النفسي بسبب المرض، فتحتاج أن تملأ هذا الفراغ بقوة مناسبة، والصورة الذهنية للقوة تختلف من شخص لآخر، فالبعض صورته الذهنية عن القوة هي العضلات المفتولة، وآخر يرى القوة في تحصيله العلمي، وثالث في تحصيل المال.. وهكذا..

كما تختلف الصورة الذهنية للانتماء أيضا، فالبعض يجعلها الأسرة، والبعض الآخر لمجتمع الأصدقاء الحقيقيين أو الأصدقاء الافتراضيين على وسائل التواصل أو في الألعاب الإلكترونية، وآخرون يرون انتماءهم في مجتمعهم الوظيفي، بمعنى أنهم يجعلونه مقدما على انتمائهم لأسرهم مثلا، ويعطونه المزيد من الوقت والاهتمام..

وعليه فبإمكانك تعديل صورتك الذهنية عن الانتماء للأسرة إلى الانتماء إلى مجتمعك الوظيفي (فيما لو توظفت) أو مجتمع أصدقائك الذين ستكون معهم، وهذا لا يعني نسيان أهلك وأسرتك، وإنما هو نوع من الترتيب لا غير، وحتى لا تصاب بصدمة الفراق لأسرتك.

وأعظم رابطة للانتماء هي الانتماء الروحي، والتعلق بالله عز وجل، وما عند الله خير وأبقى.

وقد ورد ذكر تفضيل الانتماء والتعلق بالله في الآية الكريمة :"والذين آمنوا أشد حبا لله.." بمقابل حب المشركين لآلهتهم، وهذا المعنى وإن كان بعيدا عن موضوعنا، لكنه يشير إلى ذات آلية التعلق النفسي، فعندما يتعلق المؤمن بربه يكفيه ما أهمه، ويرفع عنه ما أحزنه..

فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ".

وتأمل لفظة: وجمع له شمله!
كأنها تشير إلى موضوعك تماما فيما يتعلق بفراق أهلك وأسرتك..

نرجو أن تتحكم بموضوع العزلة والشعور بالوحدة، وذلك من خلال جدولة وقتك، وملء الفراغ بالأنشطة الحركية مع الأصدقاء إن أمكن، أو أنشطة ترفيهية أو تعليمية، أو ما أشبه ذلك.

أما بدائل الصيام، فتحتاج إلى استشارة أخصائي تغذية، أو توصية من الطبيب المعالج، لأن وضعك طبي بحت في ناحية الغذاء.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً