الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سبب الإجهاضات المتكررة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله عنا كل خير، وأتمنى أن أجد في صدوركم رحابة لاستيعاب أسئلتي التي فيها شق طبي، وآخر شرعي.

ابتليت بالإجهاض أربع مرات بخمسة أجنة، مرتين قبل إنجاب طفلتي، ومرتين بعدها، القصة متشابهة، حمل تلقائي طبيعي، ثم بين 6 أسابيع أو 10 يحدث توقف النبض، ثم نزول الجنين.

الفحوصات كلها -بدون استثناء- لي ولزوجي سليمة تماماً، بما فيها تحليل الكروموسومات، وفحص أنسجة الأجنة، والإجهاض مجهول السبب، وكنت آخذ الإسبرين خلال الحمل، وآخذ حمض الفوليك شهوراً قبله، وتغذيتي متوازنة، وزوجي ليس قريبي، وفصيلة دمي إيجابية.

قبل حملي بابنتي خضعت للرقية بالضوابط الشرعية؛ لأنني في فترة الحمل دائماً أعاني من اضطرابات النوم وكوابيس مرعبة، مع أني -بفضل الله تعالى- أحافظ على الوضوء طيلة اليوم، والأذكار المشروعة، والصلاة في وقتها، والدعاء -ولله الحمد-، وسبحان الله مر الحمل يسيراً مباركاً، كذا الولادة والرضاعة، وتربيتها -بفضل الله- مبشرة، أسألكم الدعاء لها بالحفظ والصلاح، فهي مهجة الفؤاد.

أسئلتي: عمري 30 سنة، ومتزوجة منذ 10 سنوات، والشيطان يحاول أن يحزنني من مدخل أنني تجاوزت العشرينات، وأن الإنجاب الآن أصعب، كيف أواجه هذا نفسياً وأتجاوزه؟ وأنا بفضل الله راضية تمام الرضا، وأعوذ بالله أن أعترض على أمر الله، لكنني في أوقات أجد في قلبي حزناً وانكساراً، فهل يتعارض هذا والرضا؟ هل يمكن أن تكون الإجهاضات المتكررة بسبب العين أو السحر أو الحسد؟ دعائي بالذرية يكون بصيغة الاستخارة، هل علي أن أكون أكثر إلحاحاً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأخت الفاضلة: تبارك الرحمن اللغة التي تكتبين بها لغة جميلة، المفردات مفهومة، العبارات تنبع بالرضا والقبول بأمر الله من بين السطور، فنشد على يديك، وندعو الله أن يرزقك المزيد من الإيمان، وأن يرزقك بالذرية الصالحة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ودائماً ينصح الطب والأطباء بترك مسافة ومساحة لا تقل عن 6 شهور، بين كل حالة إجهاض وأخرى؛ لتقوية الدم، ولإعادة بناء بطانة الرحم، ولعلاج التهابات الفرج الفطرية والبكتيرية -إن وجدت-.

والمتابعة في مستشفى الولادة متاحة لحالات الإجهاض المتكرر، للبحث عن السبب، ومن بين تلك الأسباب: الإصابة بفيروس CMV أو Cytomegalovirus، وكذلك الإصابة بمرض Toxoplasmosis، الناتج عن الإصابة بفطر Toxoplasma gondii parasite، نتيجة الاحتكاك مع قطة مصابة بذلك الفطر.

كذلك فإن الالتهابات المزمنة في الحوض والفرج من بين أسباب الإجهاض المتكرر، خصوصاً مع وجود إفرازات بيضاء أو صفراء أو خضراء، ومع وجود حكة في الفرج، أو ألم في الحوض، أو ألم أثناء الجماع.

ولذلك يجب المتابعة مع الطبيبة المعالجة، أو مركز طبي متخصص، مع أهمية فحص هرمونات الغدة النخامية، وهرمونات المبايض، وهرمونات الغدة الدرقية، حيث أن الكسل في وظائف الغدة الدرقية قد يؤدي إلى الإجهاض، وفحص الأجسام المضادة لمرض الفيروسات CMV، والفطر المتعلق بمرض القطط Toxoplasmosis، ومتابعة المبايض والرحم بالسونار، لمعرفة حالة المبايض، وهل هناك تكيس أم لا؟

وهناك متلازمة تسمى: Antiphospholipid syndrome، حيث يقوم جهاز المناعة بإنتاج أجسام مضادة تؤدي إلى تكون جلطات في أماكن مختلفة، من بينها الأجنة، وتؤدي بالتالي إلى تكرار الإجهاض، ولمعرفة هل تعانين من تلك المتلازمة؟ يمكنك فحص الأجسام المضادة antiphospholipid antibodies.

والآن يجب تأجيل محاولات الحمل لحين مرور 6 شهور على الأقل من آخر إجهاض، مع المتابعة مع استشاري أمراض نسائية، وضبط الوزن، والتغذية الصحية، وقد ينصحك بعمل تنشيط مبايض، أو تلقيح مجهري، وسوف ينعم الله عليك بالذرية الصالحة -بإذن الله تعالى-.

وندعو الله لك ولأسرتك بالصحة والعافية والسلامة.

——————————————————————-
انتهت إجابة: د. منصورة فواز سالم -طب نساء وولادة-.
وتليها إجابة: الشيخ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية-.
——————————————————————-

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

قد أفادتك الأخت الفاضلة الدكتورة منصورة بفوائد جليلة وكثيرة من الناحية الطبية، وظهر لك من خلال ما عرضته الدكتورة الفاضلة أن عدم الحمل، أو الإجهاضات المتكررة، لها أسبابٌ حسّيّة كثيرة، وأنه يمكن الأخذ بالأسباب لمدافعة هذه الأسباب التي تؤدي إلى الإجهاض.

فنصيحتُنا لك: أن تفعلي بما يُوجّهك إليه الأطباء، وألَّا تُسندي هذه الأمور إلى السحر أو الحسد أو العين، أو نحو ذلك من الأسباب، فإن الشيطان يحاول أن يُدخل الحزن إلى قلبك والقلق، ويُوهمك بحصول هذه الأسباب، مع أنها مجرد ظنون وليست أمورًا قطعية.

وقد أحسنت حين عملت بالرقية الشرعية، فإن الرقية إذا فعلها الإنسان المسلم تنفعه -بإذن الله تعالى-، سواء كان المكروه حاصلاً أو غير حاصل، فإن الرقية أذكار وأدعية تنفع ممَّا نزل بالإنسان، وممَّا لم ينزل، لكن لا ينبغي التوسُّع والاعتناء بنسبة ما يتعرَّض له الإنسان من المكروهات إلى العين أو السحر أو الحسد؛ لأن ذلك مدعاة إلى الحزن والقلق والخوف.

واعلمي جيدًا أن كل ما يُصيبنا، ونحصل عليه، قد قدّره الله -سبحانه وتعالى- قبل أن نُخلق، وقد بيّن لنا في كتابه الكريم هذه الحقيقة، وأخبرنا أنه إذا آمنَّا بهذا سَلِمْنا من القلق والحزن، حينما نُصاب بما نكره، وسلمنا أيضًا من الفرح والأشر والبطر، حينما نُصيب ونحصل على ما نحب ونفرح، فقال سبحانه وتعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلَّا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.

فإيمان الإنسان المسلم بأن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، وأن هذه الأقدار قد كُتبت قبل أن نُخلق، هذا الإيمان يدفع عنه كل هذا القلق والخوف والاضطراب، فيوقن أن كل ما كتبه الله سيقع لا محالة، ولكنه مأمور بأن يأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى المحبوبات، وأن يجتنب الأسباب التي تؤدي إلى المكروهات. فإذا فعل ذلك، فقد أدى دوره في هذه الحياة، ويَكِلْ أموره ويفوضها إلى الله -سبحانه وتعالى-.

وإذا فعلتِ هذا، فإنك ستجدين الجواب على سؤالك الأول، وهو: كيف تواجهين هذا نفسيًّا، وتتجاوزين هذه المراحل، وهذا الحزن الذي يحاول الشيطان أن يقذفه في قلبك، فإن كونك قد تجاوزت العشرين من العمر، أو في عقد العشرينات؛ فإن ذلك لا يعني أبدًا عدم حصول الإنجاب، كما هو معلوم ومشاهد، فلا داع لكل هذا القلق.

وبالنسبة للدعاء: ننصحك بأن تدعي ربك بأن يرزقك الذرية الصالحة، وهذا الدعاء بنفسه دعاء بخير، والخير لا يحتاج إلى استخارة، الاستخارة إنما تكون في الأشياء المباحة التي يتردد الإنسان فيها، هل هي خير أو لا! فسلي ربك، وأكثري من دعائه أن يرزقك الذرية الصالحة، هكذا بصيغة الجزم.

وأمَّا عن الحزن في قلبك والانكسار، هل يتعارض مع الرضا والصبر؟ والجواب: أن الواجب عليك هو الصبر، والصبر هو حبس النفس، ومنعها من التسخُّط على أقدار الله تعالى، فإذا فعل الإنسان هذا فقد أدّى الواجب، أمَّا الرضا، فهو مقام أعلى من الصبر، ومنزلة أكبر من الصبر، وهي أن يكون الإنسان فرحًا مسرورًا بأقدار الله تعالى، وإنْ آلمته، لكونه يعلم أن الله تعالى لم يُقدّرها عليه إلَّا لما يترتّب عليها من المصالح، فهو يفرح بها، لما فيها من المصلحة، والمنفعة الدنيوية والأخروية.

هذا مقام الرضا، ليس واجبًا على الإنسان، إنما هو مستحبٌّ، الواجب عليه هو أن يصبر، بأن يمنع نفسه من السَّخط من قدر الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً