الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أنني أضيع عمري في تخصص لا أرغب به، فبم تنصحونني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه من نفع للأمة، وسددكم الله.

امتنّ الله علي بالتحاقي بكلية التربية قسم الكيمياء، ولكن مشكلتي: أنني أشعر بأمر يضايقني كثيراً؛ وهو أني وجدت في نفسي أن هوايتي ورغبتي ليست في هذا المجال، وهذا ما أدركته مؤخراً، وخاصةً أن قسم الكيمياء لم يكن لدي الشغف به منذ البداية أصلاً، وكنت أتعامل مع هذه المادة حينما كنت أدرسها في الثانوية على أنها مادةً مقررةً علي والمطلوب مني الاجتهاد فيها لأجتازها بدرجة جيدة، لم أكرهها كثيراً، ولم أحبها كثيراً، ولم أدرك رغبتي، ولم أبحث أو أسأل عن هذا القسم قبل أن ألتحق به، وإنما التحقت به بعد أن استخرت الله -عز وجل-، وبعد أن علمت بأنه من أفضل التخصصات في كلية التربية.

بعد التحاقي بهذا القسم أشعر أنني أُضيع عمري في شيء لن يُفيدني خاصةً أنني لا أريد أن أصبح مدرسةً في هذا التخصص من الأساس، ولكن أريد أن أدرس في علم يعينني في طلب العلم الشرعي، وأكتفي ببقائي في بيتي بعد الزواج، وأن يكون لي عمل دعوي، فأشعر بالحنين تجاه الكليات التي يكون تخصصاتها في اللغة العربية والعلوم الشرعية هذه رغبتي التي اكتشفتها مؤخراً، ويزداد الحنين كلما أردت أن أقنع نفسي بتخصصي وأقارنه بعلوم الدين التي لا ينافسها علم في الرفعة فأحزن، وهذا يجعلني لا أبذل قصارى جهدي في تخصصي ليس إهمالاً ولكن لأن شغفي ورغبتي ليست فيه، ويراودني الشعور أنني أبذل جهداً كبيراً في شيء لن ينفعني كثيراً في ظني مقارنةً بالعلوم الشرعية.

لا أسخط على قضاء الله، وأعلم أن هناك خيراً أجهله، ولكن بسبب أنني لا أستطيع أن أجد أهدافاً ومنافع في علم الكيمياء تكون مفيدةً لي، وتبعًا لتعلمي العلوم الشرعية كثيراً، وخاصة أنني أمضيت فيها أكثر من سنتين، وأظن من الصعب الآن بعد هذه المدة أن أحوِّل إلى كلية أو تخصص آخر لأعود إلى الصف الأول من جديد -لا أعلم حقيقةً إن كان هذا الأمر مناسباً-، خاصةً أنني رسبت في العام الجامعي الثاني، فهذا يؤلمني حقيقةً ولكني لا أسخط على قدر الله؛ فإن ربي أرحم بي من نفسي وهو الكريم سبحانه، لكني أريد أن أجد الراحة تجاه تخصصي؛ لأني متعبةً وحزينةً، فهل من نصيحة؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تغيير التخصص الجامعي هو قرار شخصي يعتمد على عدة عوامل، فإذا كنت تشعرين أن التخصص الذي التحقت به في الجامعة لا يناسبك وأنه لا يستجيب لاهتماماتك ومهاراتك، فقد يكون من الأفضل أن تفكري في تغييره، ولكن قبل اتخاذ القرار النهائي، يجب أن تأخذي بعين الاعتبار النقاط التالية:
1- قومي بإجراء بعض البحث والاستفسارات حول التخصصات الأخرى المتاحة في الجامعة، وتحققي مما إذا كانت تتناسب مع اهتماماتك وأهدافك المستقبلية.

2- تواصلي مع مستشار أكاديمي في الجامعة لمناقشة مخاوفك، وتوجيهك فيما يتعلق بتغيير التخصص، ويمكن أن يقدموا لك نصائح قيمة ويساعدوك في اتخاذ القرار المناسب.

3- قومي بتقييم العواقب المحتملة لتغيير التخصص، مثل: الوقت، والموارد الإضافية التي قد تحتاجينها، وتأثيرها على مسار دراستك الجامعية العامة والمستقبل المهني المحتمل.

4- قومي بتقييم أسباب رغبتك في تغيير التخصص وتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب ثابتة ومستدامة على المدى الطويل، وتأكدي من أنك لا تقومين بتغيير التخصص بناءً على تحديات قصيرة الأجل، أو اهتزازات في الدافعية.

في النهاية، يجب عليك اتخاذ القرار الذي يناسبك ويتماشى مع أهدافك الشخصية والمهنية، قد يكون التغيير مناسبًا إذا كان هناك توافق بين اهتماماتك.

‏النقاط التي ذكرت آنفاً تتعلق بتغيير التخصص بشكل عام، أما بالنسبة لوضعك الخاص: فيمكن الحديث عنه بشكل مختلف نوعاً ما، حيث إنك قطعت نصف المسافة ودرست سنتين من التخصص وبقي لكي سنتان.

تغيير التخصص لا بد أن يكون مدروساً بشكل عميق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: يمكن الحديث عن المقارنة بين التخصصات الشرعية وغير الشرعية من حيث: الأهمية الشخصية، والأهمية لعامة لمسلمين كذلك.

فمن حيث الأهمية الشخصية: ونعني بها أن تتحصلي أجوراً كبيرة على دراستك وعملك مستقبلاً في هذا التخصص، فلا شك أن علوم الشريعة من أعلى العلوم وأفضلها إذا احتسب الإنسان فيها النية لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا لا يعني أن ما دونها من العلوم ليست مهمة بل هي مهمة وضرورية حسب الاحتياج إليها، فهي داخلة في الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون تعلم الطب واجباً على بعض الطلبة المسلمين إذا لم يكن هناك عدد كاف من الأطباء المسلمين كي يقوم بعلاج المرضى، وهكذا تدور الأحكام من الواجب إلى المندوب إلى المكروه وبقية الأحكام التكليفية الخمسة.

ويمكن أن يقال ذات الشيء في موضوع تخصصك (دراسة الكيمياء)، فإذا كانت هناك حاجة لهذا التخصص -ولا شك أن الحاجة قائمة لجميع التخصصات في هذا الزمن لاتساع رقعة الأعمال والتخصصات وكثرة البشر- وكي لا يتفوق علينا عدونا بمثل هذه التخصصات فنظل رهينة لهم؛ لذلك إذا أحسن الإنسان النية في دراسة التخصصات العلمية وابتغى بها وجه الله عز وجل فهو مأجور -لا شك-، وتفاوت الأجور بين التخصصات العلمية والتخصصات الشرعية ليس متعلقاً بذات التخصص، بقدر ما هو متعلق بقوة النية وبقدر الإخلاص فيه لله -عز وجل-، فرب تخصص شرعي يعود على صاحبه بالوبال إذا كانت نيته غير صالحة وغير سليمة، ورب تخصص غير شرعي يعود على صاحبه بالنفع الكبير في الدنيا والآخرة وذلك بسبب النية الصالحة، لذلك لا داعي لجعل هذه المقارنة حاجزاً بينك وبين الاستمرار في هذا التخصص، وقد فهمنا من حديثك بأنك لا تحبين هذا التخصص ولا تكرهينه، وهذا يعني أن بإمكانك أن تعيدي النظر مرة أخرى فيه وفي إمكانية استكماله ومتابعته.

كما فهمنا أن اهتمامك بالعلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية ليست لذات العلوم، وإنما لأنها قد تقربك إلى الله تعالى أكثر، أو كما تعتقدين بأن أجرها أكبر عند الله عز وجل، وكما أسلفنا فإن الموضوع متعلق بالنية أساساً، فبقدر نيتك وبقدر إخلاصك يكون أجرك عند الله عز وجل -سواء في التخصص الشرعي أو التخصص العلمي-.

لذلك نصيحتنا لك: إذا كان بإمكانك أن تبدعي في هذا التخصص -تخصص الكيمياء- وفي تدريس وتعليم هذه المادة وتقريب مفاهيمها إلى الطلاب والطالبات فسوف يكون هذا الأمر ذا نفع كبير لك شخصياً، ولأبناء وبنات المسلمين عامة.

أما إذا كنت لا ترغبين أساساً في هذه المادة لذاتها وترغبين في تغييرها إلى مادة أخرى لا سيما المواد الشرعية: فهنا يمكنك أن تغيري هذا التخصص إلى إحدى المواد التي ترغبين فيها؛ سواء المواد الشرعية واللغة العربية، أو المواد العلمية الأخرى غير مادة الكيمياء.

ولا تنسي أن تبحثي عن (أهمية الكيمياء في حياتنا) ليكون دافعاً لك لإعادة التفكير في التخصص.

ولا شك أن الاستخارة لا غنى عنها، وقد قمت بها سابقاً، ولا مانع من تكرارها لاحقاً.

وننصحك بهذا الدعاء العظيم أيضا: (اللَّهُمَّ رَبِّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيْهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً