الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما أرى وجهي أصاب بإحباط ويؤثر على دراستي، فماذا أفعل؟

السؤال

عمري 16 سنة، هل يجوز أن أدعو الله بوجه أفضل إذا كان يؤثر ذلك على حالتي النفسية بشدة؟ (مدة سنتين إلى الآن)، ويصعب علىّ عبادتي لله، وأنا أعرف لو أن عندي وجهاً أفضل لكانت عبادتي لله أفضل بكثير، وكلما أرى وجهي يأتيني الإحباط ويؤثر على حافزي للدراسة، حتى العديد من المسابقات المدرسية التي هي إضافة جيدة لقبولي في الجامعة لا أشارك بها لهذه المشكلة التي دمرت حياتي، ولو كان وجهي متوسطًا لما كان أثر في حياتي أبدًا.

وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابننا الفاضل في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص والسؤال، ونسأل الله الذي حسّن أخلاقك أن يُحسِّن خلقك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

لا يخفى على أمثالك من الفضلاء أن ربنا العظيم لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فالعبرة عند الله بطهارة هذه القلوب، وعمارتها بتوحيد الله وبمراقبته، والعبرة كذلك بأعمالنا التي نتقرَّبُ بها إلى الله تبارك وتعالى، والأعمال الرفعة فيها والقبول فيها بشرطين: أن يكون العامل مخلصًا لله في عمله، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيّات)، وهذا حديثٌ حاكم للشريعة في باطنها، ثم بمتابعة النبي - عليه صلاة الله وسلامه - لقول أُمُّنا عائشة وحديث عائشة: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، لذلك قال العظيم: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} أخلصه وأصوبه، الخالص ما كان لله، والصواب ما كان على خُطى هدى النبي - عليه صلاة الله وسلامه -.

ولذلك لا يضر الإنسان هذا الشكل الذي عليه، ولكن الذي يضر الإنسان هو التقصير في المهمّة التي خُلق لأجلها، قال ربنا العظيم: {وما خلقت الجنَّ والإنس إلَّا ليعبدونِ}. واعلم أن نعم الله مُقسّمة، فالإنسان قد يُعطى جمال صورة لكنّه لا يُعطى كمال عقل، وقد يُعطى عقلًا وجمالًا، لكنّه يُحرم المال، فنعم الله مُقسّمة، والسعيد هو الذي يعرف النعم التي يتقلَّب فيها ليشكر الله عليها، فإذا شكر الله نال بشكره لربنا المزيد.

ولذلك أرجو ألَّا تقف طويلاً أمام هذا الأمر، واجتهد دائمًا في أن تخوض غمار الحياة، في أن تكتشف نقاط القوة التي ميّزك الله تعالى بها، فإذا شكرت الله على ما عندك من الصفات الجميلة والهبات الإلهية نِلْت بشكرك لربنا المزيد؛ لأن الله يقول: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم}.

والإنسان إنما يكون جميلاً بأدبه، جميلاً بأخلاقه، كما قال الشاعر: "جمالُ الوجْهِ مع قُبْح النُّفوس ... كقنديل على قبر المجوس"، فالعبرة بصلاح الباطن الذي هو موطن نظر الله، والعبرة بالأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان، فمقدار كل امرئٍ ما قد كان يُحسنه، كما قال عليٌّ - رضي الله عنه وأرضاه - .

فاحرص على الإحسان في حياتك، وقم بما عليك من واجبات، وتوكّل على الله تبارك وتعالى، واعلم أن الوجوه تُضيءُ بطاعتها لصاحبها لله تعالى، وأن وجوه المقصّرين حتى ولو كانت في تقاطيعها وشكلها جميلة إلَّا أن عليها غبرة ترهقها قترة؛ لأنها مظلمة بعصيانها لله، فاحرص على أن تكون مُطيعًا لله تبارك وتعالى، واعلم أن صفاء النفوس والصدق مع الله ينعكس على وجه الإنسان إشراقًا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية والرضا بالله، والرضا بقضاء الله وقدره، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

واعلم أن السعادة هي من نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضاء الله وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته. جعلنا الله وإيّاك ممّن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتليَ صبر، وإذا أذنب استغفر.

أكرر لك الشكر على التواصل مع الموقع.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات