الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية مع خوف وفقدان للشهية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة أدرس إدارة الأعمال، في السنة الأولى في الجامعة، الحمد لله لا أشكو من أي مرض عضوي، لكن من فترة قصيرة استيقظت من النوم وأنا خائفة جداً جداً، بسبب حلم حلمته بأني كنت فيه خائفة ومرعوبة، أعترف أني في تلك الفترة كنت مقصرة في حق الله سبحانه وتعالى، ولكن ومنذ ذلك اليوم أصبحت لا أترك فرضا ولا سنة، وأتلو القرآن، وأذكر الله وأسبح، توقفت عن سماع الأغاني، أي باختصار كل الأعمال الصالحة.

ولكن حالة الخوف تلك لم تتركني، حيث تكون أعراضها فقدان الشهية، سرعة في ضربات القلب تضايقني كثيراً، أحس وكأني سأختنق، أحياناً أفكر أفكارا غير معقولة: مثل:

- أني سأترك الدراسة الجامعية وأتفرغ للعبادة ليل نهار.

- لا حاجة للاستحمام والنظافة.

- لا حاجة لي للأكل، بل علي أن أجوع دائماً لأرضي ربي.

- انقطعت عن صديقاتي، ودائماً أقول: إن الصداقة غير مهمة في الحياة، لأني لا أحصل على أجر مقابلها.

-أحس دائماً أن علي أن أحطم التلفزيونات في المنزل؛ لأن فيها فسقا.

- كثيراً ما أفكر أن أحول تخصص دراستي من إدارة أعمال ( لأني أعتقد أن دراسته حرام ) إلى تخصص شريعة.

حالة الخوف هذه والأفكار لازمتني فترة، ثم اختفت لمدة، والآن بدون سبب، مثلاً وأنا أصلي تأتيني حالة من الخوف مع زيادة ضربات القلب وهكذا.

كل تفكيري ينصب على أن كل شيء في هذه الدنيا حرام، وأن علي أن أفرغ نفسي للدعوة مثلا، أو عدم الخروج من البيت، أحياناً تتحطم أحلامي بشراء سيارة والحصول على وظيفة، لأني أحس أن هذه الأشياء حرام بما أنني فتاة، أحياناً أريد أن أقول لأمي وأبي أن ننتقل للعيش في مكة أو المدينة؛ لأن العيش في بلادي الأمارات حرام!.

لا أقول إن هذه الحالة تأتيني باستمرار، ولكن بفترات متباعدة، وباقي الوقت أكون إنسانة عادية وسعيدة، والحقيقة أن كل هذه الحالة بسبب ذلك الحلم.

ملاحظة: أرجو ذكر العلاج النفسي دون أدوية؛ لأنه حتى لو ذكرتم لي نوع الأدوية فإني لن أستخدمها، فلا أستطيع إخبار أهلي أنني أريد دواء نفسيا، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / خ.ع,م حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً على سؤالك -والحمد لله- الذي جعلك من الملتزمات بدينك، وهذا حقيقة يشرح النفس، ويجعلنا نرى ونفتخر أن هذه الأمة إن شاء الله بخير.

أيتها الفاضلة! كل الأعراض التي وردت في رسالتك هي أفكار وسواسية، والأفكار الوسواسية القهرية تكون متسلطة على الإنسان، وقد بدأت معك الأفكار بنوع من نوبات الخوف أو الهرع الزائد، وهذا هو الذي أدى إلى الشعور بالرعب والخوف وتسارع في ضربات القلب، وهذه علاقة معروفة، حيث أن مادة تسمى بالسيرتونيل لها حاولي سبعة أو ثمانية مشتقات، يقال أن حدوث خلل فيها ربما يؤدي إلى الخوف، والخوف ربما يولد الوساوس أو العكس صحيح، وفي بعض الناس ربما يحدث لهم أيضاً نوع من عسر المزاج أو الاكتئاب.

إذن: هنالك مسار كيميائي بيولوجي هو الذي يفسر هذا الأمر، وربما تكون أيضاً قد لعبت شخصيتك دوراً في ذلك، فأنت قد تكوني حساسة.

طريقة العلاج تنقسم إلى طريقتين: هي الطريقة السلوكية، والطريقة الدوائية.

أنت بالتأكيد ذكرت أنك لا تريدين الأدوية، ولن تستعملي الأدوية، أقول لك أن العلاج السلوكي جيد، ولكنه يمثل 50% من المعالجة، أما الـ 50% الأخرى فيعتبر الدواء فيها ضروري؛ لأن الوساوس من هذا النوع تستجيب للدواء، ولأنه الآن توجد أدلة علمية قوية أن المسارات الكيميائية المضطربة هي التي تؤدي إلى الوساوس، وأنا أعتقد لو تحدثت مع والدتك أو مع والدك سوف يتفهم هذا الأمر، فالمرض ليس عيب، وهذه ليست مشكلة كبيرة، ولا مانع أن تعرضي عليهم هذه الرسالة، أو أن تقولي لهم أني أعتقد أنني مصابة بالوساوس القهرية، ويمكن أن تعرضي نفسك على الطبيب النفسي إذا لم يقتنع الوالدين بأن تتناولي العلاج دون استشارة.

أرى أن هنالك إن شاء الله أبواباً كثيرة وطرق كثيرة لأن تأخذي العلاج بصورة كاملة؛ لأنه أيتها الابنة الفاضلة سيكون ذلك من الأفضل لك.

بالنسبة للعلاج السلوكي أولاً: عليك أن تفكري في هذه الأفكار، خذيها واحدة واحدة، وقولي مع نفسك: أن هذه الأفكار وسواسية وغير منطقية، ثم بعد ذلك فكري في الفكرة عدة مرات، ثم فجأة قولي مع نفسك: أقف أقف أقف، لن أكرر هذه الفكرة، هذه فكرة لعينة، يجب ألا تنتابني.. كرري ذلك، وحاولي أن تبني الفكرة المخالفة في تفكيرك، بمعنى أن تتخيلي الفكرة المضادة لكل فكرة وسواسية، ثم بعد ذلك كرري الفكرة المضادة عدة مرات، هذا الأمر يجب أن يتم صباح ومساء، ويجب أن تجلسي في مكان هادئ، ويجب ألا يقل مدة العلاج عن نصف ساعة إلى 45 دقيقة في كل جلسة.

وقد يتطلب الإنسان ممارسة هذه الجلسات لمدة أسبوعين أو ثلاثة حتى يحس بالتحسن.

الطريقة الثالثة هي: أن تقرني هذه الأفكار بشعور مضاد وهو الألم، أي أن توقعي نوع من الألم الجسدي على نفسك، فكري في الفكرة الوسواسية ثم بعد ذلك قومي بإيقاع نوع من الألم على نفسك، كضرب اليدين على جسم صلب بقوة وشدة حتى تحسي بالألم، ولابد حين الشعور بالألم أن تفكري بالفكرة، هذا يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، يكرر هذا التمرين عدة مرات.

إذن هنالك ثلاث أو أربع تمارين تعتبر هي التمارين الأساسية لعلاج الوساوس، وذلك بالإضافة إلى تحقيرها وتتفيهها.

هنالك طريقة أخرى اختلف العلماء حولها، وأنا أميل إلى أنها مفيدة، وهي أن يفكر الإنسان في الفكرة ويستجلب الفكرة الوسواسية ويكررها عشرات أو مئات المرات حتى يحس أنه قد أجهد منها، حتى يحس أنه قد أجهد للدرجة التي أصبح لا يفكر في الفكرة.

هذه الطريقة تولاها أحد العلماء واسمه بولبي، ويرى بولبي أن هذه الطريقة مفيدة وإن كان البعض اختلف معه، ولكن كل المناهج التي ذكرتها لك هي مناهج علاجية معروفة ومثبتة القيمة العلمية.

يبقى أيتها الابنة الفاضلة موضوع الدواء، أنا أرى أن الدواء سوف يفيدك، وسوف يشرح صدرك، وسوف إن شاء الله يشجعك حتى على الالتزام بالتمارين السلوكية، هنالك عدة أدوية، أفضل دواء لك هو العقار الذي يعرف باسم سبرالكس، وجرعته هي 10 مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى 20 مليجرام وتستمر عليه لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى 10 مليجرام لمدة شهرين.

وهنالك عقار آخر إذا لم يتيسر لك الحصول على السبرالكس، هذا العقار الذي يعرف باسم بروزاك، يمكن أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي 20 مليجرام، استمري على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة لمدة شهرين، ثم يتم التوقف عن الدواء.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً