الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لفتاة تعاني نفور إخوتها منها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي هي أسرية ونفسية في الوقت ذاته، فأنا أعاني من اضطهاد إخوتي لي منذ فترة طويلة قرابة الأربعة أشهر إلى الآن، عمري (24) عاماً، وسأعمل هذا العام في التدريس.

قصتي بدأت منذ الصغر حيث إن والدي كان ينعتني (بالخبيثة) في أكثر الأحيان، وكان يعنيها بأنني خبيثة، وكنت حينها أبلغ من العمر 10 سنوات، فالتصقت تلك الفكرة في ذهن إخوتي إلى الآن، حيث إنهم يصورون أي عمل طيب أقوم به بأنه نفاق مني كي أستفيد منهم رغم أنني - والله شاهد على كلامي -أقوم به من باب (افعل خيراً وارمه بحراً)، وأيضاً أن أقابل الإساءة بالإحسان لعل وعسى أن يفهموا مدى جمال هذا الدين وهذه الصفات في تقليل التوتر والمسامحة بين الناس.

لكن لم يفلح ذلك معهم، فأنا أكبرهم الآن في المنزل، حيث إخوتي الذكور قد تزوجوا وانفصلوا في بيت وحدهم، لقد منعوني من مشاهدة التلفاز أبداً، وأصبحوا - وهم خمسة إخوة بينهم بنتان وثلاثة أولاد - يجلسون مع بعضهم ويخرجون مع بعضهم، ويضحكون مع بعضهم دوني، وما إن آتي إليهم إلا ويتأففون أمامي ويبدؤون بالهمز واللمز!

لم أشك الحال لوالدي لأنه يعلم بما يحصل وأنه على يقين تام بأنني المخطئة - على ما يبدو - رغم أن خطئي ليس بالشيء الذي لا يمكن أن يغتفر، وقد تحدثت إلى صديقاتي المقربات وقد استغربن من الحال الموجودة في المنزل مما زعزع ثقتي بنفسي إلى أقصى حد.

وأعاني من الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لأكثر من 13 ساعة في اليوم، وكذا أعاني من حالة البكاء التي تصيبني في كل يوم تقريباً جراء ما يحصل لي هنا، حيث إنني أبكي في كل يوم من دون أن يعلم أحد عن ذلك سوى رب العالمين.

وأعاني من الوسواس القهري الذي اقتحم حياتي بسبب الاضطهاد الذي تعرضت له سابقاً ولم أتلق العلاج لأنه لا يوجد أحد يؤمن بمثل هذا المرض، وإن كنت في أول مراحله فقد ازدادت الحالة لدي سوءاً.

ولدي فقدان شهية بشكل كبير، وأحاول أن أشجع نفسي على المضي قدما بممارسة الرياضة، لكنني أريد الخروج من المنزل كي أتنفس ولو قليلاً، وأشعر أن هناك من يقدرني ويحبني لكنه أمر مهين جداً أن يظهروا حقدهم علي أمام الله وأمام الناس، (سبحانك ربي).

أريد النصيحة منكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يحفظك، وأن يلهمك رشدك، ويجمع شمل أهلك، ويرزقك طاعة ربك.

وأرجو أن تقابلي إساءتهم بالإحسان، وتطاولهم عليك بالتغافل والغفران، واحرصي على رضا ربك الرحمن، واعلمي أن المحروم من حرم من الإيمان، وأن الشقي هو الذي يبارز ربه بالعصيان، ويدخل الحزن على أقرب الناس إليه، ويفرح لحزن الإخوان.

ولقد أخطأ والدك في وصفه لك بالخبيثة في صغرك، ونسأل الله أن يعفو عنه، وأرجو أن تجتهدي في نسيان جراحات الماضي، وتستقبلي الحياة بروح جديدة، واحشري نفسك في زمرة الصالحات، واذهبي إلى مراكز القرآن ومواطن الخيرات، وأشغلي نفسك بدعوة الطالبات، ومساعدة المحتاجات ليكون في حاجتك من لا يغفل ولا ينام، ولا تستسلمي للمشاعر السالبة.

وأرجو أن تقتربي من والدك وتشعريه بحاجتك إلى عطفه واهتمامه، واحرصي على بره فإنه والدك وأنت مأمورة ببره، وعاملي إخوانك بالحسنى، ولا تهتمي بضحكهم وهمزهم ولمزهم، فإنهم يلمزون أنفسهم ويحتقرون أنفسهم بتطاولهم عليك، ولم يسلم من السخرية حتى الأنبياء والرسل، فاتقي الله واصبري، واحرصي على ذكر الله وحسن عبادته.

وأرجو أن تتجنبي الوحدة، فإن الشيطان مع الواحد، والوحدة خير من جليسة السوء، ولا تخرجي إلا إلى مواطن الخير، وامنحي مشاعرك الطيبة لطالباتك وزميلاتك الصالحات، ولا تُمارسي الرياضة إلا في الأماكن المستورة عن أعين الرجال، مع ضرورة المحافظة على الاحتشام، حتى ولو كان في المكان نساء، ولا تمارسي إلا الرياضة التي تناسب أنوثة المرأة، واشغلي نفسك بالخير قبل أن تشغلك بالمعصية والشر.

وحاولي ذكر معاناتك لمن تتوقعين نصحها، ولا تفرضي على نفسك الحصار، واعلمي أن المشاعر السالبة تؤثر على الصحة والشهية، واشغلي نفسك بالذكر والتلاوة، واجعلي رضوان الله هو الغاية، وتذكري أهل المصائب وسوف تهون مشكلتك وتجدي في ذلك العزاء، واحمدي الله على ما أعطاك من النعماء، وإذا شعرت بالاكتئاب فعليك بدعوة صاحب الحوت عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهي: (( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:87] قال تعالى: (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنبياء:88] فهي ليست له خاصة، لكنها للمؤمنين عامة.

ورددي في يقين: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها استعانة بالله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكثري من قول: (حسبي الله ونعم والوكيل) وأكثري من الاستغفار، والصلاة والسلام على نبينا المختار، وحافظي على الأذكار في الغدو والإبكار، وارفعي أكف الضراعة لمن يجيب المضطر إذا دعاه، واعلمي أن المحبوس من حبس لسانه عن الذكر، وأن الأسير من أسره هواه وغفل عن طاعة مولاه، ونسأل الله أن يسهل أمرك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً