الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تراودني أفكار ووساوس شيطانية كثيرة ترهق عقلي

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أكتب لكم هذه الرسالة بعد ثقتي الشديدة بكم، حيث بعثت لكم مشكلة كان قد تعرض لها أخي، وكان الحل الشافي ـ والفضل لله ـ من عندكم، ولم أكن أتصور أني في أحد الأيام سوف أحتاج إلى استشارة نفسية لثقتي الشديدة بالله ومعنوياتي المرتفعة المعروفة بين أصحابي والحمد لله، حيث إني طالب متفوق وأحرزت معدلاً مرتفعاً يؤهلني لدخول الكلية الطبية، وقد كنت أريد التخصص في الطب النفسي ولكن بعد الحالة التي أصابتني الآن بدأت أراجع نفسي في هذه القضية، على كل حال فالمشكلة هي كما يلي:

لا أعرف بصراحة كيف أصف مشكلتي، ولكن سأحاول أن أذكر لكم بعض الأعراض:
1- تعرضت خلال فترة المراجعة والامتحانات إلى ضغط نفسي شديد تمثل بالخوف من الامتحانات وعدم الحصول على معدل جيد، بالإضافة إلى الأوضاع التي نعيشها في العراق من انفجارات... وإلخ، حيث كاد ابن خالتي الممتحن معي أن يتأذى أو ربما يموت في أحد الانفجارات لولا لطف الله به والحمد لله.

2- بعد أن أنهيت الامتحانات راودتني بعض الوساوس الدينية سرعان ما تخلصت منها بعد أن تحدثت إلى والدي، ولكن الغريب أن الكآبة لم تأتني إلا بعد أن استلمنا الدرجات وأحرزت معدلاً عالياً، فقالوا لي أن هذه مجرد عين، ولكن أخاف أن تكون أكثر من ذلك فهي تؤثر على حياتي بشكل كبير؛ فأصبحت عبوساً في أغلب الأحيان، وتراودني أفكار ووساوس شيطانية كثيرة ترهق عقلي.

رجاء أريد حلاً سريعاً لهذه المشكلة؛ لأني ما عدت أتحمل! وهل من الضروري أخذ الدواء في مثل هذه الحالات؟ وهل تعتقدون أن دخولي الطبية سيؤثر على حالتي؟

ملاحظة: هل يمكن أن تعطوني بريدا إلكترونيا لأحد الأطباء لأكون في تواصل معه أم يجب أن يكون التواصل من خلال الموقع فقط؟


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالحمد لله الذي من على أخيك بالشفاء، ونسأل الله لك أيضاً ولنا ولجميع المسلمين الصحة والعافية.

أولاً: أؤكد لك أن ثقتنا بالله هي الشيء الرئيسي والأساسي في كل شيء، ويجب أن تظل كما هي، ولا يعني مطلقاً إذا حدثت لك حالة أو ظاهرة نفسية، لا يعني ذلك أنك أصبحت ضعيف الشخصية أو قليل الإيمان، أو أن ذلك يسبب إعاقة اجتماعية لك، فكثير من الناس يكونون عرضة لظروف وحالات تؤدي إلى إصابتهم بظواهر - ولا نقول أمراض – بل ظواهر نفسية يسهل علاجها إن شاء الله.

أخي! كما تقول هيئة الصحة العالمية فيما يخص الصحة النفسية: عدم وجود المرض لا يعني كمال الصحة، إنما الصحة تتمثل في التوافق مع الذات ومع الآخرين والشعور بالاستمرار الوجداني والرضا بما عليه الحال، لا شك أننا نتعاطف كثيراً في العراق، ونسأل الله أن يرفع عنكم هذا الذي يحدث الآن من تخريب وتدمير وقتل.

إذا رجعت لحالتك، فيلاحظ أن الذي حدث لك وهو مرتبط بالامتحانات في الأصل، وظهرت لديك الوساوس التي وصفتها بأنها شيطانية، ولكن لم تتحدث عن محتواها أو طبيعتها؛ حيث أن ذلك سيكون أكثر فائدة؛ حدثت لك بعد أن تحصلت على الدرجات العليا، هذا من منظور الطب النفسي ليس مستغرباً؛ لأن كل الأحداث الحياتية حتى حين تكون مفرحة ربما تؤدي إلى تأثير نفسي سلبي لدى بعض الأشخاص، خاصة الذين لديهم الاستعداد الفطري أو الجيني لذلك.

هنالك نظرية أخرى توضح أن الضغوط الأولى تظل كامنة في داخل النفس ثم تخرج هذه الضغوط في شكل ظاهرة نفسية بعد أن ينتهي سبب الضغوط، وفي حالتك كان الخوف والتحضير للامتحان وبعد أن انتهى ظهرت هذه الحالة التي تعاني منها.

أرجو أن أؤكد لك أن النظرية المعرفية تحتم أن التفكير الإيجابي هو من أفضل وسائل العلاج النفسي، والمقصود بالتفكير الإيجابي هو أن تستبدل كل فكرة سلبية تنتابك بما يقابلها من أفكار إيجابية، وسوف تجد أن الإيجابيات في حياتك كثيرة جدّاً، ولكن لابد أن تكون هنالك قناعة داخلية وتصميم شديد أن الفكرة الإيجابية والعمل الإيجابي يجب أن يكون له أسبقية على الفكر السلبي، هذا الاستبدال في خارطة التفكير يعتبر من الدعائم والركائز الأساسية والتحسن النفسي.

الوساوس أيضاً تعالج بنفس المنهج، تستبدل الفكرة الوسواسية بفكرة مضادة، ولابد أيضاً أن تحقر الفكرة الوسواسية ولا تعطى اهتماماً، ويمكن أن تربط الفكرة الوسواسية باستشعار أو إحساس مخالف، كأن تضرب على يديك بقوة حتى تحس بالألم، وفي نفس الوقت تفكر في الفكرة الوسواسية، فإذن الربط بين الألم - وهو شعور غير مرغوب فيه بالطبع – والفكرة الوسواسية سوف تضعفها إن شاء الله، هذه التمارين تتطلب التكرار والاستمرارية.

الطريقة الأخرى للعلاج هي العلاج الدوائي، وأعتقد أن الدواء سوف يساعدك كثيراً في حالتك، هنالك عقار مشهور يعرف باسم بروزاك، أرى أنه الأنسب والأفضل في حالتك، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة 20 مليجراماً – أي كبسولة واحدة – في اليوم، في أي وقت من اليوم، ولكن يفضل أن تأخذه بعد الأكل، استمر على هذه الكبسولة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم واستمر على ذلك لمدة خمسة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولة يومياً لمدة شهرين، ثم كبسولة كل يومين لمدة شهر، ثم توقف عن العلاج.

هذا الدواء والحمد لله موجود في العراق، وأعتقد أنك بالتزام الإرشادات السابقة وتناوله سوف تصبح إن شاء الله في وضع صحي ممتاز.

بالنسبة لدراسة الطب، لا شك أنه يتطلب الرغبة أولاً، وأن تكون لك القدرة على الاستمرارية، وأنت الحمد لله تملك هذه القدرة من الناحية الأكاديمية، إنني لا أرى ما يمنع مطلقاً في أن تلتحق بإحدى كليات الطب، وهذه الحالة إن شاء الله سوف تختفي ولن تكون معيقة لك في دراستك أو في مستقبل أيامك.

أما بالنسبة لسؤالك الثاني: فنحن نعتذر لك لعدم استطاعتنا إعطاءك بريد خاص للدكتور؛ لأن الدكتور لديه أعمال كثيرة ومضغوط جداً، ولا يستطيع أن يجيب على إيميله الخاص، لذلك يمكنك مراسلته عن طريق موقع الشبكة الإسلامية، وإن شاء الله ستصلك الإجابة منه في القريب العاجل.
وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً