الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشعور بضعف الشخصية ووسائل بنائها

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وبعد:
أعاني من الرهاب منذ ثلاث سنوات تقريباً، وفي السنة الأولى تناولت زيروكسات، وواجهت الرهاب وتغلبت عليه تقريباً 95%، ولكن للأسف كنت أحاول أن أخفف وزني ولكني لم أستطع بسبب المماطلة، ولكني كنت ذا شخصية قوية جداً وتركت الزيروسكات وكانت حالتي النفسية جيدة، ولكن بدأت في النزول، والنزول كان بسبب المماطلة والأثر السلبي، لأنها كانت تجعلني أحس بالفشل.

ومرة بعد مرة سيطر علي ضعف الثقة بالنفس ورجع الرهاب تدريجياً، وأنا حالياً لا أعاني من رهاب، بل ضعف في الثقة بالنفس، أو بكلمة أخرى رهاب خفيف، فأنا اليوم قادر على التحدث والتعبير عن نفسي، لكن ما زلت خائفاً من المواجهات مع الناس والدفاع عن نفسي عندما أتعرض لاستفزاز، وأحس بعدم الثقة بنفسي، بينما في السابق كنت أستطيع أن أدافع عن نفسي بكل سهولة، وكنت أستطيع المواجهة بنفسية قوية وبدون أي خوف، والناس كانوا حولي والكل يكلمني ويحترمني ويعتبروني قائداً، وكنت أحس بالشجاعة والقوة داخلي، والآن أنا ضعيف الشخصية ومنهزم كثيراً، ومن كانوا معي وحولي الآن تركوني وكأنهم لا يعرفوني بسبب ضعف شخصيتي.
وأنا الآن أحاول أن أبني ثقتي بنفسي مرة أخرى لأكون قوي الشخصية وواثقا بنفسي بشكل كبير جداً لأكون قادراً على الدفاع عن نفسي كما كنت سابقاً، فقررت استخدام الزيروكسات، لكنه من اليوم الأول أتعبني بالأعراض الجانبية كجفاف الفم والتعب والإرهاق وعدم المقدرة على النوم حيث أستيقظ اليوم الآخر مرهقاً، والأرق واضح تحت عيوني، فهل بالإمكان أن أبني ثقتي بنفسي لكي أقدر على الدفاع عن نفسي بدون مساعدة الأدوية؟ وأنا أريد عمل علاج سلوكي مع استخدام الأدوية لأنها تساعد كثيراً، لكن ما هو حل الأعراض الجانبية؟!
ولقد استخدمت برزواك وكان جديداً علي، وشعرت بأعراض جانبية، مع العلم أنني سابقاً أول ما استخدمت دواء زيروكسات لم أشعر بأي أعراض جانبية، وأنا أشعر بالخوف والتردد وأعاني من عدم المقدرة على النجاح، فأنا منذ ثلاث سنوات وإلى اليوم لم أستطع أن ألتزم بشيء لمدة طويلة، بل لابد من أن أتردد وأفشل أو أمرض أو أواجه عائقا.

وأنا أريد أن أستخدم دواء قوياً كالزيروكسات، ولكن المشكلة هي الأعراض، ولكني قرأت في الإنترنت عن تجربة أحد مستخدمي دواء آخر أن الأعراض اختفت بعد أحد عشر يوماً من العلاج، وأنا أفكر أن أستخدم الزيروكسات وأستمر عليه حتى مع الأعراض المؤلمة والمرهقة لمدة تزيد عن عشرة أيام لربما تزول الأعراض ويعمل الدواء، وأقوى الأعراض الجانبية هي عدم مقدرتي على النوم براحة.
وأخيراً: هل اتباع نظام حمية لمدة معينة يزيل السموم المتراكمة في الكبد؟ وهل يفيد هذا في تحسين المزاج؟
وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فكم هو جميل أن يسعى الإنسان أن يجعل شخصيته قوية وفعالة، وما دام الإنسان متفهماً أن لديه علة أو نقصاً أو قصورا في شخصيته ويريد أن يغير ذلك، فإني أعتقد وحسب التجارب العلمية المتكررة والموثقة أنه يمكن له أن ينجح فيما يريد، إذا هو بالفعل أراد أن يتغير.
فالأساس المبدئي في التغيير هو الجدية والتوجه الكامل نحو هذا التغيير، وأول طريقة أن يغير بها الإنسان نفسه هو أن يدير وقته، فإدارة الوقت تعتبر من الأصول الأساسية للنجاح، والذين يتركون الأمور تسير بصورة فوضوية والزمن لا قيمة له عندهم يأتي الواحد منهم بعد ذلك ويتحسر ويقول: لقد أضعت وقتي في كذا وكذا، فهذه حقيقةً مشكلة كبيرة.
والزمن يمكن أن يدار الإدارة الصحيحة بطريقة بسيطة جداً، وهي أن أضع جدولاً يومياً يمكن أن أكتبه كتابةً ولا بأس في ذلك مطلقاً، ويمكنك أن تكتب كل شيء في هذا الجدول حتى المسلمات البسيطة، والأشياء التي يقوم بها الإنسان يومياً، أي إنسان، حتى الإنسان غير الفعال، أن أستيقظ في الصبح وأن أذهب إلى الحمام وأن أتسوك وأتوضأ وأذهب بعد ذلك وأؤدي الصلاة، ثم أشرب الشاي ... وهكذا، فهذه لابد أن يشملها الجدول؛ لأن الذي لا يهتم ولا يركز ولا يعطي الأمور البسيطة قيمتها لا يستطيع أن يؤدي أو يصل إلى الأمور الكبيرة أو التي هي أكثر أهمية.

والجدول الزمني للإنسان لابد أن يحتوي على كل العناصر الضرورية التي تتطلبها الحياة المستقرة والسعيدة والفعالة، ولابد أن يترك الإنسان وقتاً معقولا للراحة والدراسة والتواصل الاجتماعي والرياضة والعبادة والقراءة والمذاكرة، فكل هذه العناصر يجب أن يحدد الإنسان وقتها ويلتزم بها التزاماً قاطعاً، وبعد ذلك سوف تجد أن هذا أصبح وتيرة أو منهجا بالنسبة لك في الحياة، وهنا تبدأ وتشعر بقيمة الذات وبقوة الذات، وصدقني أن هذه الطريقة من أبسط الطرق وأهم الطرق وأنجح الطرق لمن يطبقها.

والشيء الآخر هو: لماذا أنت تعتقد أنك ضعيف الشخصية؟ من الذي وضع هذه المقاييس وقال لك إنك ضعيف الشخصية؟
أنا في نظري أن هذا ثوب ألبسته نفسك دون أي منطق، وسامحني في أن أقول لك ذلك، ولكن هذه حقيقة الأمر، فهذه المقاييس السلبية وتحقير الذات والتقليل من قيمتها هي من صنع الإنسان ومن تهيئاته السلبية ولا واقع لها في الحقيقة مطلقاً، وصدقني أن الناس لا تراقبك أكثر من غيرك.
إذن؛ أرجو أن تزيل ذلك تماماً من تفكيرك لأنه طريق أيضاً لتقوية الشخصية.
وطريق ثالثة لتقوية الشخصية هي: أن تكون فعالاً في المواقف الاجتماعية، فتقدم الصفوف في الأفراح وفي الأتراح، وكن مشاركاً، واعمل في الأعمال الاجتماعية وانضم للجمعيات الطلابية، فهذه فرص عظيمة لبناء وتكوين وتقوية الشخصية.

وأتفق معك تماماً أن الشخصية لا تقوى بالحبوب أو بالدواء، لكنها تقوى بالثقة وإدارة الوقت والتطبيق، وأن يشعر الإنسان أن حياته قائمة على أسس ولها قيمة، فالناس لا يراقبونك ولا يرصدونك أكثر من غيرك، فأعط نفسك صفة القيادة بالتواصل الاجتماعي، كما أنه لابد أن تركز كثيراً على الاطلاع غير الأكاديمي؛ لأن الاطلاع غير الأكاديمي يوسع من آفاق الإنسان، ويجعل الآخرين ينظرون إليه نظرة إيجابية حين يتحدث؛ لأنه مخزونه اللغوي والتعبيري يكون مفيداً، وهذا يعطي انطباعا إيجابياً عن الإنسان.

وأنت الآن في مرحلة تتطلب الاجتهاد في الدراسة، والدراسة هي وسيلة للإنسان حتى يبرز ويثبت نفسه، نحن الآن في عالم فيه الكثير من التنافسية، وبالتأكيد البقاء للأنجح والأصلح، والإنسان قد يفقد كل شيء في هذه الدنيا ولكن لا يفقد علمه أو دينه، فلا أحد يستطيع أن يأخذ منك علمك أو دينك، وهي المقومات الأساسية للشخصية، وشخصية المسلم دائماً هي شخصية قيادية وهي شخصية قوية وهي شخصية رائدة، فاقرأ عن الصحابة واقرأ عن التابعين، وحاول أن تتمثل ولو بشيء بسيط من صفاتهم، وركز على الصحبة ممن تراهم ثقة وأقوياء في شخصياتهم من أصحاب الخلق السامية والرفيعة الذين لا يضيعون أوقاتهم هباءً، فهذه كلها موازنات مهمة لتقوية الشخصية.
وعلى نطاق الأسرة كن فعالاً، فعليك أن تضع نفسك في المقدمة، وأنا على ثقة أن الوالدين سوف يعطيانك الثقة ويجعلانك تشارك في قرارات الأسرة وهذا في حد ذاته أيضاً يقوي الشخصية.
والجانب الآخر في العلاج: أنا أعتقد أنك ربما تعاني من اكتئاب بسيط أو عسر في المزاج، وهو الذي جعلك لا تقدر قيمة نفسك بالصورة الصحيحة، وبالتأكيد الإنسان حين يكون قلقاً أو متوتراً أو مهزوز الثقة، فهذا يؤدي إلى نوع من العزلة وعدم التفاعل الاجتماعي والذي قد يتصور الإنسان أنه نوع من المخاوف، وأنت والحمد لله في السابق استجبت استجابة ممتازة للزيروكسات، والزيروكسات لا زال دواء فعالاً، وأنا استغربت بعض الشيء من الآثار الجانبية السلبية التي عانيت منها حين بدأته للمرة الثانية؛ ولكن هذا قد يحدث، والذي أقوله لك هو أن تحاول أن تستمر عليه بجرعة نصف حبة أو حتى ربع حبة لمدة أسبوع، ثم ارفعها إلى نصف حبة بعد أسبوع، وهكذا سر تدرجاً في رفع الجرعة، فهذه طريقة فعالة وممتازة جداً لبناء الجرعة، وأعتقد أنك تحتاج إلى حبة كاملة، فاستمر على الحبة لمدة ثلاثة أشهر، وبعد أن تتحسن خفض الجرعة إلى نصف حبة واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، فهذا بالنسبة للعلاج الدوائي.
وأما إذا رأيت أن الزيروكسات لم يناسبك مطلقاً فالبديل هو العلاج الذي يعرف باسم (لسترال)، أو اسمه التجاري الآخر (زولفت)، فجرعته هي حبة واحدة 50 مليجرام، ويمكنك أن تتناوله أربعة إلى خمسة أشهر.
هذا فيما يخص العلاج الدوائي، ولكني أرى أن الجزئية السلوكية هي الأهم في أن تؤهل نفسك بصورة أفضل، وأنا متفائل إن شاء الله أن المستقبل أمامك مشرق.
ولا شك أن السمنة في حد ذاتها تعتبر من الأمراض الخطيرة بالرغم من أن الناس تجهل ذلك، والسمنة بصفة عامة أيضاً تؤدي إلى عسر المزاج، وأنت إذا كنت تريد اتباع حمية معينة فيجب أن تنتهج المنهج الوسطي، وأنا بالطبع لا أعرف وزنك ولكن كن وسطياً، واعرف وزنك الطبي وبعد ذلك يمكنك أن تخفض وزنك بنسبة معينة، قل على سبيل المثال كيلو أو اثنين كيلو كل أسبوعين، وهكذا حتى تصل إلى الوزن المطلوب بالنسبة لك.
وأما بالنسبة للسموم المتراكمة في الكبد، فالكبد الحمد لله خصها الله تعالى بأنها طارد للسموم ما دامت غير صحية، ولا أعتقد أن الريجيم سوف يقوم بهذه الفعالية، وربما تكون قصدت تراكم الدهنيات، فهناك بالنسبة للشخص الزائد الوزن ربما يكون هناك نوع من التراكمات الدهنية في الكبد لديه، وبالطبع حين يخفف الوزن سوف تنتهي هذه الدهنيات.
إذن؛ الحمية لا مانع منها، بل هي مطلوبة إذا كان هناك سبب لها وهو تخفيض الوزن بصفة عامة، وأما إزالة السموم فهذا ليس موجوداً وليس له أساس علمي، لأني كما ذكرت لك أن الكبد في الأصل طارد للسموم، ولكن إذا كانت هناك دهنيات في الكبد فبالطبع سوف تزال عن طريق هذه الحمية.
والجسم المعقول من ناحية الوزن يتمتع صاحبه بصحة نفسية جيدة ومزاج حسن، خاصةً إذا كان يمارس الرياضة، وأنا أنصحك بأي حمية تتخذها لابد أن تمارس معها الرياضة حتى تقوي من عضلاتك وتحسن من المسارات الإفرازية بالنسبة للهرمونات والدورات الدموية.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً