الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النظر في الإنجازات ودوره الإيجابي في الخروج من حالة الإحباط والشعور بالفشل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل متزوج لدي خمسة أبناء منهم ابنتان متزوجتان، وأعمل براتب جيد والحمد لله، ولكن لدي حالة من الإحباط النفسي التي تنتابني، حيث أشعر أنني لم أحقق ما أصبو إليه، وأشعر أن كثيراً من أقراني وأقاربي حققوا الكثير، خاصة أن ولدي الكبير مريض نفسياً، وبناتي تزوجوا مسلمين غير عرب، وزوجتي ليس بيني وبينها كثير من المودة وأشعر بالوحدة.

حتى أنني بدأت أقرأ كثيراً في الإيجابية والتفكير الإيجابي وأحاول عدم السماح للأفكار السلبية أن تتسلل إلى فكري، ولكن أجد أنني لم أحقق شيئاً في مجال الأبناء ولا الزوجة، وحتى لم أستطع شراء منزل للأسرة، بالإضافة إلى ما أمر به من حالات من الحزن والتعب الجسدي والنفسي، ولا أجد إلا الله أشكو له همي وحزني، وأحاول أن أستخدم الوسائل الحديثة في معالجة تلك الأمور والرضا بالواقع وتطوير الأمور لصالحي وتحويل المحن إلى منح، ولكن أجد نفسي بحاجة إلى التوجيه منكم، خاصة أنني أفتقد الشعور بالسعادة بشكل عام.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بكر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأنت والحمد لله أنجزت الكثير، ولكن التفكير السلبي جعلك تعتقد أنك لم تقم بما هو جيد، فأنت تزوجت ولك ذرية، وقد تزوجت البنات وإن لم يكن من غير العرب ما داموا مسلمين فهذا أمر فيه الكثير من الخير والبركة.

وحين نتحدث عن السعادة وما هي السعادة فهذه قضية فلسفية، ولكن حقيقة للمفهوم البسيط الإنسان يمكن أن يسعد نفسه بتقوى الله وبطاعة الله، فهذا يعطي الكثير من الرضا والقناعة الذاتية، ومن المسلم به وأنت تعرف ذلك كثيراً أنه ليست السعادة في أن أمتلك البيوت أو أمتلك الأموال وهكذا، فأنت أنجزت الكثير وكونت هذه الأسرة، وهذا ينبغي أن يكون باعثا للتفاؤل، فأنت قد قدمت دورك بإيجابية وجهد، وبالطبع كلنا يريد المزيد ولكن القناعة بما قمت به أعتقد أنه أمر ضروري جدّاً.

وأتفق معك أنه ربما يكون المزاج الاكتئابي جعلك لا تستبصر بصورة كاملة بإنجازاتك، وهذا واحد من المشاكل المعرفية الكبيرة التي يسببها الاكتئاب، فالاكتئاب النفسي يجعل الإنسان يضخم السلبيات ويجسدها بصورة تلقي بظلالها على كيانه الداخلي مما يجعله لا يستطعم ولا يستلذ ولا يتفكر في إيجابياته.

ودائماً فإن الإنسان حين ينتابه شيء من الحزن فعليه أن يتذكر أن وجودنا في هذه الأمة المحمدية العظيمة هو في حد ذاته أمر عظيم، فجرب ذلك وسوف تجد أنه أمر باعث أساسي للتفاؤل، ثم بعد ذلك نأتي في الأمور الحياتية الأخرى، فالحمد لله الذي خلقنا في هذه الأمة العظيمة، فهذه نعمة عظيمة وكبيرة جدّاً.

وأنا لا أريد أن أبسط لك الأمور ولا أريد أن أختزلها، ولكن أؤمن أن هذه هي البداية، ولي تجارب شخصية في مثل هذا التفكير، ثم بعد ذلك فكر فيما أنجزته وسوف تجد أنه كثير جدّاً.

ولابد أن تكون هناك مودة بينك وبين زوجتك فهذا أمر ضروري، حتى إن وجدت خلافات يجب أن تطرحها على طاولة الحوار في حدود الأدب والحوار، والزواج دائماً هو ميثاق غليظ يقوم على المحبة والسكينة والرحمة، فهذه الدوافع وهذه الأطر إن شاء الله تلقي بظلال السعادة عليك وعلى زوجتك وأولادك وبيتك، فهذا هو الذي أرجوه منك.

والتعب الجسدي لا شك أنه جزء من الاكتئاب، وهو يجعل الإنسان يتعب نفسيّاً، فأنت محتاج للأدوية المضادة للاكتئاب، وهذه الأدوية سوف تفيدك، ولكن قبل أن أشرع في وصفها أكرر لك أهمية التفكير الإيجابي فهذا ضروري جدّاً، ولابد أن تكون هناك قناعة ولابد أن يكون هناك رضا، فهذه هي السعادة، والسعادة هي قيمة نسبية جدّاً وتختلف من إنسان لإنسان، فالنفس البشرية يصعب إقناعها وإرضاؤها في كثير من الحالات، فعلى سبيل المثال إذا اشترى الإنسان سيارة جديدة سوف يعجب بها ويتلمسها ويتحسسها وينشرح صدره لها، ولكن هذا قد يستمر أسبوعا أو أسبوعين أو شهرا أو شهرين ثم بعد ذلك يبدأ في التفكير أن الأمر أصبح عادياً جدّاً وربما يفكر في سيارة من نوع جديد آخر... وهكذا.

فلا توجد أي قناعات ثابتة فيما يخص ما تطلبه النفس البشرية، فالأمور تتبدل ومطالب الإنسان تتحول، وقلما يصل الإنسان إلى مرحلة التشبع، لذلك فإن الحق عز وجل وصف أحوال أصحاب الجنة - نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منها - لا يبغون عنها حولا، فهذه السعادة التي هم فيها لا يريدون المزيد لأنهم وصلوا لمرحلة التشبع والاستمرارية، ولكن هذا غير موجود في الدنيا، وهذا فرق عظيم بين ما هو في الآخرة وبين ما هو في الدنيا، نسأل الله الرضا والقناعة.

والعلاج الدوائي الذي سوف تستفيد منه هو العقار الذي يعرف باسم بروزاك، فأرجو أن تبدأ في تناوله، والأدوية تقوم على أساس أنه يوجد نوع من النقص في بعض الموصلات العصبية داخل الدماغ، وهذه النظرية البيولوجية الآن هي نظرية قوية جدّاً خاصة في مثل عمرك لأن هذا هو عمر الاكتئاب لدى الرجال.

فجرعة البروزاك هي 20 مليجرام يوميّاً ومن المفضل أن تتناولها بعد الأكل، واستمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، فيمكن أن تتناول الجرعة كجرعة واحدة في الصباح أو في المساء أو يمكن أن تتناول كبسولة صباحاً ومساء، واستمر على هذه الجرعة لمدة سبعة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة شهرين ثم بعد ذلك كبسولة يوم بعد يوم لمدة شهرين أيضاً، ثم توقف عن العلاج.

ولابد أن تكون إداريّاً جيداً فيما يخص استفادتك من الوقت، ولابد أن تتواصل مع الآخرين، ولابد أن تبحث عن هذه العلاجات التأهيلية، ولا شك أن صلاة الجماعة في المسجد وحضور حلقات التلاوة كلها فيها خير وهي وسائل جيدة جدّاً تساعد الإنسان في إدارة وقته.

وأيضاً الرياضة مهمة في حالتك خاصة رياضة المشي، فحاول أن تمشي يوميّاً – 30 إلى 40 دقيقة – فلقد وجد أن هناك قيمة كبيرة جدّاً للرياضة لإزالة القلق والاكتئاب والتوتر، وهناك بعض المواد والموصلات العصبية التي تفرز مع هذه الحركة الجسدية بممارسة الرياضة، فأرجو أن تكون حريصا على ذلك.

أسأل الله لك السعادة في الدنيا والآخرة ولنا جميعاً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً