الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج نوبة المخاوف من الناس المتمثلة في الرعشة والتلعثم

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وبعد:

فمشكلتي هي الخوف أو الجبن من الناس، سواء غريب أو قريب، ودائماً ما تحدث لي الكثير من المواقف التي أثبتت ذلك، مع وجود رعشة في جسمي، وفي يدي وقدمي تكون أشد وفي صوتي تلعثم، وقد حاولت أن أقنع نفسي بأن ذلك خوف عادي، ولكن مع أول موقف أجد نفسي في حالة ضعف.

وأخاف من أن يُعتدى علي ولا أرد ذلك الاعتداء، وأعاني من قضم الأظافر، وقد حاولت كثيراً أن أتوقف عن هذه العملية ولكن أعود بعد فترة، فما هي الأدوية المتاحة وغير الممنوعة؟ وإذا كان ولابد أن أعرض نفسي على طبيب فأي تخصص أذهب إليه؟

علماً أني أحاول جاهداً أن أبتعد عن الذنوب، وأن أتقرب إلى الله بالدعاء وفعل الطاعات، ولكن تحدث أيضاً بعض الانتكاسات أمثال النظر وتأخير الصلاة.

وجزاكم الله خيراً، ووفقكم لما يحبه ويرضاه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ M.m.s حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالخوف هو واحد من المشاعر الإنسانية التي لا بد أن توجد لدى الإنسان من أجل حماية نفسه، ولكن بالطبع الخوف الصحي الذي نقصده هو الخوف في المواقف التي تتطلب ذلك، ولكن أيضاً الخوف الصحي يجب أن لا يتعدى الخوف مما هو متعارف عليه ومقبول اجتماعيّاً، فمثلاً أن يخاف الإنسان من حيوان مفترس، فهذا أمر طبيعي، ولكن حتى مثل هذا الخوف يجب أن لا يأخذ منحى الذعر والارتجاف، إنما الخوف المقصود في هذه الحالة هو الخوف الذي يرفع درجة اليقظة والاستعداد من أجل حماية النفس، وبالطبع إذا كان الخوف لا يتناسب مع الموقف هذا يعتبر خوفاً مرضيّاً، وبعض الناس يعتريهم الخوف في مواقف معينة وفي ذات الوقت يمكنهم تحمل مواقف أصعب، وهذا يدل أن الخوف – حتى وإن كان مرضيّاً – هو أمر مكتسب وليس من الضروري أن يكون دليلاً على الجبن، إنما هو ظاهرة نفسية خاصة متعلقة بالنفس البشرية.

وأنت تعاني من بعض المخاوف العامة حيال الناس، ولكن أود أن لا تسمي ذلك جبناً، إنما هو نوع من الرهاب أو الخوف الاجتماعي، وربما أنت تكون حساساً وربما تكون لديك يقظة مرتفعة جدّاً مما يجعلك تستشعر عدم الارتياح والقلق في مواجهة الآخرين.

وهناك جانب آخر ضروري جدّاً وهو أن الإنسان الذي يحس بعدم الارتياح أو الخوف حين يكون في مواقف معينة أو في مواجهة الآخرين تكون هناك مبالغة شديدة جدّاً في مشاعره، بمعنى أنه يتلقى تفاعله الجسدي من تعرق وضربات في القلب وشعور بالانشداد العضلي والتلعثم أو شعوره بأنه سوف يفشل أو أنه مراقب من قبل الآخرين أو أنه سوف يفقد السيطرة على الموقف؛ حيث هناك مبالغة كبيرة جدّاً في هذه المشاعر وتكون الحقيقة أقل فيما يخص قياس هذه المشاعر.

أرجو أن تتفهم هذه المعلومة جيدّاً لأنها تعتبر ركيزة ومفتاحا من مفاتيح الحل من مثل هذه المشكلة التي تعاني منها.

وعليك أيضاً أن تعيد النظر فيما تعاني منه من مخاوف بأن تجري حوارا نفسيّاً داخليّاً مع نفسك وتحاول أن تضع الأمور في إطار وموازين المنطق، وسوف تجد أن الذي تعاني منه لا يقوم على أساس ولا يقوم على منطق، إذن هو أمر سخيف يجب أن يحقر، فهذه هي النتيجة الطبيعية التي يجب أن تصل إليها بعد أن تحلل هذه المواقف، قل لنفسك: أنا لست أضعف من الآخرين، فالناس تتقابل وتتفاعل وبعضهم يخطب آلاف الناس وبعضهم يظهر أمام التجمعات، لماذا أنا لا أكون مثلهم، ما الذي يمنعني، أنا أملك القوة، أنا أملك الشجاعة، أنا لست بجبانٍ، أنا لن أخاف، أنا سوف أواجه، فعش هذا التصور النفسي الداخلي مع نفسك واندمج واسترسل في هذا التفكير لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة في الصباح وفي المساء.

وعليك بأن تبدأ بالتطبيق، ابدأ بالتطبيق، ومن أفضل الذين يمكن أن تتفاعل معهم دون رهبة من الغرباء هم الإخوة المصلين في المسجد فابدأ بهؤلاء، وأمعن النظر في وجوههم وبادلهم التحية والسلام وتجاذب معهم أطراف الحديث، وحين تتحدث مع الآخرين انظر إليهم في وجوههم، فهذا التواصل الاجتماعي يعتبر مزيلا للخوف والرهاب، وبعد المسجد انتقل وتأمل في الجيران وفي أصحاب المتاجر وزملاء في العمل وقل لنفسك: أنا لا أخاف ولماذا أخاف هم مثلي، وصدقني لا أحد يراقبك، وأنت لست بمرصود، إذن التطبيق في الخيال يعقبه التطبيق الفعلي.

وقضم الأظافر هو واحد مما يعرف بالعادات أو السمات العصبية، وهي دليل على القلق ودليل على الانكفاء نحو النفس ونحو الذات، فيجب أن تؤمن بسخف هذه العادة أيضاً، وهذا منطلق أساسي جدّاً في العلاج وهي تعتبر النقطة الأولى.

والنقطة الثانية: تأمل أنك تريد قضم الأظافر وضع يدك في فمك دون أن تقوم بقضم الأظافر وتأمل أنك تود أن تقوم بالقضم، بعد ذلك انزع يدك من فمك بسرعة وقم بالضرب على يدك على جسم صلب حتى تحس بالألم، وحين تحس بهذا الألم تأمل في قضم الأظافر، والمقصود هنا هو أن تربط بين هذا المسلك - وهو قضم الأظافر - واستشعار مخالف - وهو الألم - كرر هذا التمرين عدة مرات سوف تجده مجديّاً.

والنقطة الثالثة: قم يوميّاً باستعمال قاضمة الأظافر حتى وإن لم تنمو أظافرك، اجعلها عادة يومية وقم بقضم ما تجده طال في أظافرك حتى وإن لم توجد، قم بوضع هذه القصافة على الأظافر، وهنا سوف يبنى لديك ما هو طبيعي وهو أن تقضم أو تقطع الأظافر عن طريق هذه القاضمة، فهذه تعتبر بعض التمارين النفسية الجيدة.

وقبل أن أصف لك الأدوية عليك بالتواصل الاجتماعي غير المباشر خاصة الرياضة الجماعية مثل ممارسة كرة القدم وهي طيبة وجيدة جدّاً، وقد أوصيتك في بداية هذه الرسالة بالتواصل مع المصلين ويا حبذا لو دعمت ذلك بحضور حلقات التلاوة هنا يستطيع الإنسان أن يتفاعل بصورة شعورية ولا شعورية مع من حوله، ويجد أن الرهبة قد انتهت؛ لأن المقام أصلاً هو مقام طمأنينة... وهكذا، احضر المحاضرات والندوات وتواصل مع أهلك ومع جيرانك ومع أصدقائك ومع أرحامك ثم وسع هذه الدائرة.. إذن هذا نهج حياتي جديد صدقني أنه سوف يفيدك كثيراً.

سل الله أن يبعدك عن اقتراف الذنوب، واعلم أن خير الخطائين التوابون، وعليك أن تستعين بالمشايخ ممن حولك كإمام المسجد مثلاً ورفقة الصالحين الذين يعطونك الدافعية والحافز لأن تقوم بأداء واجباتك العبادية، ولا تؤجل شيئاً ولا تجعل للشيطان مساحة في تفكيرك، فالطاعات تتطلب التنفيذ الفوري والحسم والعزم، وهي تبني في النفس الإنسانية سعادة عظيمة، فالإنسان حين يتعود على أداء الصلاة في جماعة سوف لا يجد لنفسه عذراً للتخلف عن المسجد، وحتى إن تخلف لعذر سوف يحس بالذنب ويسأل الله العفو، وهذه في رأيي درجة عظيمة من درجات العبادة.

وأنت تحمل الكثير من مميزات الخير، فقط عليك بصقلها والتفاعل الإيجابي معها، وسل الله لك التوفيق والسداد.

وبالنسبة للجانب العلاجي الدوائي سوف أصف لك دواء يعرف باسم (زولفت) ويسمى في مصر أيضاً (لسترال)، وهو دواء فعّال وممتاز لعلاج الخوف والقلق والرهاب ومحسن أيضاً للمزاج، فقط عليك الالتزام بتناوله، وجرعة البداية هي حبة واحدة (50 مليجرام) في اليوم لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعها إلى حبتين في اليوم، واستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

أرجو أن تتبع الإرشادات السابقة وأرجو أن تتناول الدواء وعليك بكتاب الله ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28].

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر ؟؟؟

    هادا مو خوف في جسمك هناك شيئ عندما تكون في حالة غير طبيعية تبدا تدق بسرعه وهي جانب القلب مباشرة فتبدا تتحرك وتجري في الدم وتصل الى القلب حتى يكون يدق بسرعة ... ابتعد او ابتعدي على المشاكل لكي لا تتعرضي لهم

  • شهرزاد

    شكرا جزيلا على هذا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً