الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانتكاسة بعد التحسن .. الحلول المقترحة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة وقد أصبت بالاكتئاب النفسي منذ سنتين تقريباً، حيث كنت أعاني كثيراً من هذا الاكتئاب، وأظنكم تعرفون حجم هذه المعاناة دون أن أذكرها اختصاراً للرسالة، وقد ذهبت إلى طبيب نفسي فصرف لي اللوديوميل 25 ملغ ليلاً، وزناكس 25 ملغ ليلاً، ودوجماتيل 50 ملغ صباحا.

وبعد تناولي لهذا الدواء أحسست بتحسن كبير لمدة أسبوع، حتى أنني ولأول مرة في حياتي أحس بطعم الحياة، وبدون مبالغة أصبحت إنساناً آخر، فقد أصبحت أكثر نشاطا وابتهاجا، وأصبحت إيجابياً في تفكيري وأجد الحلول المناسبة دائماً وأصبح لدي أصدقاء كثر، وأصبحت تأتيني أفكار وطموح مستقبلية، وقد تلاشى الفشل تماما.

ومن شدة إحساسي بأنني تغيرت أهملت الدراسة لأنني لم أجد وقتاً إلا للانطلاق نحو الحياة الجميلة والاستمتاع بها، وأصبحت أكثر استيعابا للمواقف وأكثر جدية، وأصبحت لدي شخصية قوية ومستعد للحوار في أي وقت وفي أي موضوع، وكل هذا حققه لي هذا الدواء، وأقول هذا لأنني في بعض المرات حينما لا آخذ الدواء ولو لمرة واحدة تعود إلى أعراض القلق والاكتئاب، ولكن وبعد مضي أربعة أشهر على الإحساس بالحياة حدث لي شيء غريب وما زال مستمرا معي حتى هذه اللحظة.

ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً حتى الآن أحس بكثرة النوم والخمول، وعدم الإحساس بطعم الحياة كالسابق، وعدم القدرة على التركيز والانتباه وخمول وضجر وعدم القدرة على التفكير بشكل رهيب، وتشتت الأفكار، وأنني مطالب بالنجاح في هذه السنة، وإذا بقيت معي هذه الأعراض التي ذكرتها فلا أعتقد أنني سوف أنجح، وإذا لم أنجح هذه السنة لا أعتقد أنني سوف أكمل الدراسة، وهذا كله سوف يعقد الأمور كثيراً في حياتي كلها، وأظنك تعرف السبب.

والذي أريده منك هو أن تفسر لي سبب رجوع حالة الاكتئاب النفسي بعد أربعة أشهر من التحسن الرهيب، وأكثر شيء أريد منك المساعدة فيه هو ضعف الذاكرة لأنني أخجل كثيراً من هذا الأمر حينما أتحدث مع شخص فتذهب أفكاري ويتشتت ذهني، حتى أنني فكرت في تناول عقار "Nootropil" الذي قرأت في موقعكم أنه يحسن الذاكرة، رغم أني ما زلت شاباً إلا أنني في بعض المرات أفكر في تناول هذا العقار، لأنني لا أتفاعل إيجابياً مع الناس.
ولقد بدأت في تناول عقار البروزاك منذ ثلاثة أسابيع دون شعور بالتحسن، بل أنني وبعد تناولي لعقار "فلوكتين" وهو المصنع محليا بدأت أحس بالغثيان وصداع وحمى وشعور بالرغبة في القيء، وهذه الأعراض كلها وجدتها في النشرة المرفقة مع الدواء، فهل أستمر على البروزاك؟ فقد قرأت كثيراً عن هذا الدواء وأنه يعتبر اكتشافا أحدث ثورة في عالم الطب النفسي، وأنه أسعد الملايين من الناس.
علماً أنني حالياً لا أشعر باكتئاب شديد، بل إنني أستطيع أن أضحك وأمزح مع الناس ولكنني أشعر بالنقص لأنني لا أستطيع التركيز في الكلام ولا أستطيع أن أنطق الكلام دون الرجوع إلى الذاكرة، فمثلا في السابق كنت أستطيع الحديث مع الناس دون الاستعانة بالذاكرة بالمرة، أي أن كلامي يكون عفويا وكنت أخاف أن أخطئ وفي نهاية الكلام يرد صاحبي على كلامي بمنتهى البساطة، أي أن كلامي يكون مفهوما وإيجابيا جداً.

وهذه الحالة كانت تحدث معي في تلك الأيام التي أخبرتك عنها سابقاً، والتي شعرت فيها بتحسن، بعكس ما يحدث معي الآن تماماً، فأنا لا أستطيع التطويل في الحديث مع أي شخص وأعتقد أن المشكلة الرئيسة هي ضعف الذاكرة وعدم التركيز وأعتقد أن مشكلة ضعف الذاكرة هي الاكتئاب النفسي، وأنا الآن أنتظر أن يحقق لي البروزاك شيئاً مما حققه لي الدواء سابقاً وكأنني غارق في البحر وأنتظر النجدة من شخص على اليابسة، ولا أعلم إن كان يسمعني حتى يأتي لإنقاذي من الغرق المحتم.
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المتفائل رغم الفشل الدائم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأعتقد أنك لست مصاباً باكتئاب نفسي أحادي القطبية، وهذا من الناحية التشخيصية من السرد الذي ورد في رسالتك، وإنما أنت مصاب باضطراب وجداني ثنائي القطبية، بمعنى أنك تأتيك نوبات من الانشراح - وإن كان الدواء هو السبب فيها - ولكن في الأصل لديك الاستعداد لهذا الانشراح، وفي أوقات أخرى تدخل في الحالة الاكتئابية المزاجية، وهذا يعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة الثانية، وليس من الدرجة الأولى.

وهذا التشخيص أصبح الآن يهتم به كثيراً؛ لأن هذه الحالات قبل سنين قليلة لم تكن تشخص بالصورة الصحيحة، وكانت هذه الحالات تشخص إما حالات اكتئاب فقط، أو حالات عسر في المزاج، ولكن التشخيص الصحيح فيما أرى هو أنك تعاني من اضطراب وجداني ثنائي القطبية.

وفي هذه الحالة لا ينصح باستعمال مضادات الاكتئاب فقط وإنما لابد أن تتناول أحد الأدوية المثبتة للمزاج، ومن أفضل هذه الأدوية العقار الذي يعرف باسم "دبكين كرونو"، وهناك عقار آخر يعرف باسم" لمكتال"، وهناك عقار ثالث يعرف باسم "تجرتول"، وربما يكون "الدبكين كرونو" هو الأفضل.

والجرعة المطلوبة في مثل حالتك هي 500 مليغرام ليلاً، وعليك أن ترفع البروزاك إلى كبسولتين في اليوم 40 مليغرام، وبعد أن تشعر بالتحسن المعقول عليك أن تخفض جرعة مرة أخرى إلى كبسولة واحدة في اليوم وتستمر عليها، أي كبسولة واحدة من البروزاك مع حبة واحدة من "الدبكين كرونو" استمر عليها لمدة ستة أشهر.

وأما إذا لاحظت أن هناك ارتفاعاً زائدا في مزاجك ونشاط شديد، فعليك أن توقف البروزاك وتستمر فقط على "الدبكين كرونو"، وفي نظري أنك محتاج "للدبكين كرونو" لمدة عام على الأقل.

وأما بالنسبة لسوء التركيز فهو ناتج من هذه الحالة النفسية ويعرف عن القلق والتوتر والاكتئاب وكذلك الاضطراب الوجداني الثنائي القطبية أنها من أكبر مسببات ضعف وسوء التركيز، فإن شاء الله في تناولك للعلاج الصحيح سوف تجد أن التركيز لديك قد تحسن كثيراً، ولا داعي أبداً لاستعمال عقار "متروبين" فهو لن يفيد في مثل حالتك ولا داعي له مطلقاً، ويمكن أن تدعم الذاكرة بأن تمارس الرياضة وكذلك تمارين الاسترخاء، وأن تتحين الأوقات الطيبة للمذاكرة والاستيعاب، وهي فترات الصباح بعد صلاة الفجر مثلاً يمكن أن تقرأ لمدة ساعة إلى ساعة ونصف وهذا وقت جيد وطيب جداً للاستيعاب.

وأنصحك أيضاً بأن تقرأ مواضيع قصيرة وتحاول أن تكرر الموضوع أكثر من مرة، وأما بالنسبة للدراسة الأكاديمية فنصيحتي لك هو أن تقرأ مادة واحدة لمدة لا تزيد عن ساعة، ثم بعد ذلك تغير لمادة أخرى، وهذا وجد أنه يحسن التركيز، وكذلك قراءة القرآن الكريم ببطئ وتؤدة وجد أيضاً أنها تحسن التركيز كثيراً، وعليك أيضاً بتناول الحليب الدافئ قبل النوم، فهذا إن شاء الله يحسن التركيز أيضاً.

وأما الأعراض التي حدثت لك من غثيان وصداع هي بالطبع من أعراض تناول البروزاك، وهي تحدث لحوالي 20% من الناس خاصة في الأيام الأولى لبداية العلاج ولكن هذه الأعراض لن تستمر أكثر من أسبوع، ولكن نصيحتي لك دائماً أن تتناول البروزاك بعد أن تتناول الطعام، وأرجو أن لا تكون حساسا ولا تراغم نفسك كثيراً فيما وصفته بضعف الذاكرة هو ليس بضعف في الذاكرة، وإنما هو ضعف في التركيز لأنك لا تستقبل المعلومات بهدوء والمعلومة التي لا يستقبلها الإنسان بهدوء ويقظة لن يتم استيعابها وحفظها وتخزينها وتشفيرها في مراكز المخ المختصة بحفظ الذاكرة.

وعليك أيضاً أن توزع وقتك وتديره بصورة صحيحة، فخصص وقتاً للراحة ووقتاً للرياضة ووقتاً للدراسة ووقتاً للترويح عن النفس بما هو مشروع ووقتاً للتواصل الاجتماعي وأي نشاطات أخرى تراها ضرورية، فهذا بالطبع أيضاً يجعل الإنسان أكثر تركيزا، والإنسان الذي يدير ويقسم وقته بصورة صحيحة تكون أهدافه واضحة، فإذا وضحت الأهداف فسوف يصل الإنسان إلى ما يود الوصول إليه بإذن الله تعالى.

وأرجو أن تتذكر أنك في مقتبل العمر وأنت في بدايات الشباب، وإن شاء الله أمامك الكثير الذي يمكنك أن تنجره، فأنت لديك الكثيير من الطاقات النفسية والجسدية والوجدانية التي تستطيع أن تسخرها لما هو مفيد، فاستعن دائماً بالتفكير الإيجابي وكن منشرحا متفاعلاً، وحاول أن تتذكر اللحظات السعيدة في حياتك، ومتى ما انتابك شيء من عسر المزاج أو الكآبة، نسأل الله لك التوفيق والسداد والعافية.

والله الموفق.
--------------------------------
انتهت إجابة الدكتور/ عبد العليم، ولمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية: (237889 - 241190 - 257425 - 262031 - 265121).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً