الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات في التعامل مع السلوك السيء للأطفال

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد رزقني الله عز وجل بولد وبنتين، الكبرى في العاشرة، والولد في الثامنة، والصغرى عمرها عام وشهران، وتحفظ ابنتي الكبرى ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، ويحفظ الولد جزأين، وهم أذكياء ومتفوقون، ولكنهم لا يسمعون الكلام، وأحاول جاهدة تربيتهم على حسن الخلق، ولكنهم أشقياء بدرجة كبيرة، ونحاول أن نعلمهم الصلاة، ويقومون لصلاة الفجر ولله الحمد.

ومنذ بداية هذا العام أصبحوا يتحدون في اللعب ويضيعون وقت المذاكرة، وقد جربت معهم النصح والتوجيه والضرب والتهديد ولكن لا فائدة، فالولد يمارس الرياضة، والبنت تمارس الرسم والموسيقى، وكل هذا محاولة لامتصاص الطاقة الهائلة التي لديهم.

ومما يزعجني أن ابني محمداً عنيد ويكذب، وأحياناً يسرق، وحين نكتشف فعلته فإنه يصر على الكذب والإنكار، ومنذ يومين كنا في السوبر ماركت وكان معاقباً من شراء الحلوى وقد طلبها من والده فرفض، فما كان منه إلا أن تناول كيساً من الحلوى دون أن نراه وأكلها، وقد أنكر أنه أخذها رغم أنها كانت في فمه والباقي كان في جيبه، ومع ذلك أنكر، ولكنه طيب وحنون.

علماً أنهم يكونون أمام الناس الغرباء مؤدبين، وأما أمام الأجداد فإنهم لا يسمعون الكلام، وعندما كانوا صغاراً كان أبي وأمي يدافعان عنهم، وأما الآن فهم مصدر إزعاج، فماذا أفعل معهم؟!
وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم جودي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح لك أولادك وأن يجعلهم من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين، وأن يجعلهم من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يرزقكم جميعاً التفاهم والانسجام والمودة والوئام، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك من هذه الشكوى التي تشتكينها من سلوك أولادك وتصرفاتهم المزعجة: فإني أحب بداية أن أُبيِّن لك أن الكلام مهما طال فلن يستطيع أن يؤثر كثيراً في مثل هذه المشكلة، وإنما سأضع أمامك قاعدتين ضروريتين أساسيتين في التربية، ثم أدلك بعد ذلك على بعض المراجع التي تساعدك على التأقلم مع أولادك وسرعة التغلب على مشاكلهم بإذن الله تعالى.

القاعدة الأولى هي التي علمنا إياها مولانا جل جلاله، حيث قال: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]، فالمغالبة والتعود ووسائل التربية الصحيحة يمكن أن تحول الإنسان من طبع إلى طبع أفضل منه، ولذلك ورد: (الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم والصبر بالتصبر)، فثقي وتأكدي من أن هذه التصرفات كلها طارئة وأنها في سبيل الزوال بإذن الله تعالى إن وجدت الوسيلة المناسبة لذلك، وإن وجدت العلاج النافع لمثل هذه التصرفات، ولذلك أريد أن أطمئنك بأنها كلها مرحلة، وسوف تنتهي بإذن الله تعالى؛ لأن الولد لا يولد على مثل هذه الصفات وإنما تلك التصرفات التي ذكرتها كلها تصرفات مكتسبة، إما من الأسرة وإما من أطراف الأسرة وإما من الجيران وإما من الشارع وإما من المدرسة والأصدقاء؛ لأن هذه التصرفات الشائنة تُكتسب من خلال السلوك والمعايشة والمصاحبة، إذن أبشرك بأنها ستزول إذا وجدت الفرصة المناسبة لذلك.

القاعدة الثانية: ضرورة استصحاب الصبر أثناء التربية بصورة عامة وأثناء التعامل مع الأمور العقائدية والتعبيرية عند الأولاد بصورة أخص، فهذه القاعدة أيضاً أرشدنا إليها قوله تعالى: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ))[طه:132].

وقد قصدت بهذه المقدمة أن أقول لك بأن حل المشاكل التربوية المرتبطة بالسلوكيات والأخلاقيات من الأمور الممكنة، ولكن فإن الأمر يحتاج إلى التسلح بالصبر كما يحتاج أيضاً إلى الدعاء المستمر، فالصبر دائماً والدعاء دائماً وليس مؤقتاً أو عارضاً.

وإن الأطفال في هذه السن يمرون بمرحلة تسمى المراهقة الصغرى؛ لأنها تشبه وتتشابه مع سمات مرحلة المراهقة الطبيعية في أنها تتسم برغبة الأبناء لإثبات ذواتهم عن طريق الاستقلال والانفصال عن الوالدين بقدر الإمكان، ويترتب على ذلك عادة عدم الانصياع لأوامر الوالدين والحركة الزائدة والاضطراب الزائد، حتى إن إحدى الدراسات أثبتت أن الأطفال في هذه السن لا يستجيبون لأكثر من ثلثي الطلبات الموجهة إليهم من قبل الوالدين، فالتصرفات هذه طبيعية.

وأما عن الكتب التي أود أن أدلك عليها – وهي متوافرة في مصر ولله الحمد والمنة – فهي سلسلة تسمى (سلسلة: معاً نربي أبنائنا)، وعنوان هذا الكتاب (خجل وغيرة وعدوانية)، فهذا الكتاب فيه صورٌ كثيرة متعددة لحل هذه المشكلات، وهناك كتاب أيضاً يسمى (أربعون سلوكاً يزعج الآباء والأمهات)، وعنوان الكتاب (الأطفال المزعجون)، للدكتور مصطفى أبو سعد، فهذا أيضاً يقدم لنا نصائح غالية؛ لأني لا أريد فقط أن تكون القضية قضية حل هذه المشكلة، وإنما أريد أن تحل كل المشكلات عندك بإذن الله تعالى في التعامل مع أبنائك بفضل الله عز وجل، ووضع خطة صحيحة لكيفية التعامل معهم ومع من يأتي مستقبلاً من إخوانهم وأخواتهم.

وهناك أيضاً كتاب يسمى (كيف تتغلب على مشكلة الكذب وتساعد الآخرين في علاجها)، تأليف أكرم عثمان. دار ابن حي، وهناك كتاب أيضاً اسمه (مشكلة سرقات الأطفال)، تأليف محمد علي قطب الهمشري. مكتبة العبيكان، وأيضاً هناك كتاب اسمه (عدوان الأطفال)، إعداد محمد علي قطب الهمشري. مكتبة العبيكان، ويوجد كتاب آخر اسمه (أنتِ ومشاكل طفلك)، تأليف الدكتور محمد كمال عبد العزيز.

فهذه كلها كتب صادرة في مصر ومتوافرة في المكتبات، فأنا أتمنى أن تكون لديك مكتبة للتربية؛ لأن التربية حقيقة من أخطر الأمور التي نتغافل نحن عنها، ولذلك يخرج أبناؤنا بصورة مزعجة وبصورة أيضاً لا ترضينا؛ لأن الطموح لديهم متواضع وتصرفاتهم لا تسر غالباً، وذلك كله بسبب عدم قدرتنا على تربيتهم تربية صحيحة، وكما قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه

وأتمنى أن تستفيدي من تلك المراجع حتى تستطيعي أن توفري بيئة طيبة للتفاهم والتعامل بينك وبين أبنائك وتسعدي بهم وتكون التربية متعة وليست عقوبة، نسأل الله عز وجل أن يبارك لكم وأن يبارك عليكم وأن يصلح لك أبناءك وأن يوفقك لتربيتهم تربية تسرك في الدنيا والآخرة.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً