الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة لفتاة تعلقت بشخص تزوج من غيرها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة ملتزمة بفضل الله، ولي حلقتي بالمسجد، وملازمة دائماً لمجالس العلم بفضل الله ورحمته، لكني لما عملت - وبسبب الاختلاط - تعلقت بشاب ملتزم مهندس معي بالعمل، وكان ذلك بنية الخطبة والزواج.

وقد بقينا مدة من الزمن للتعارف والاختبار، لكن في تلك الآونة رفضني أهله لأنهم يريدون أن يخطبوا له ابنة خالته الجميلة، وهو لا يريد ولكنه أيضاً لا يريد أن يُغضب أمه، وقد قال لي بأن الأمل في الله موجود.

وقبل زواجه مرض بداء السكر ومع ذلك تزوج ابنة خالته، فبكيت كثيرا وألححت على الله بالدعاء وصبرت واحتسبت ذلك عند الله، وقد كان ذلك مؤلما جداً، وبعد عدة أشهر عاد بطرحه السابق وتلميحاته السابقة فلم أستجب، لكنه زاد على ذلك وأرسل إلي سالة بالمشاركة ولم أعلم ما حصل.

وكنت آنذاك قد ذهبت إلى العمرة، وعندما رجعت أرسل إلي رسالة أن أعذره، والآن أنا صابرة وأتحمل الألم، ولا يعلم أحد ذلك إلا الله، وأحتسب ذلك عند الله، ويعلم الله أني لم أخطئ في أي شيء ولا أتكلم معه إلا في مجال العمل فقط، وأنا ملتزمة بحجابي معه أكثر من غيره، فماذا أفعل؟

أفيدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك وأن يثبتك على الحق وأن يزيدك طاعة واستقامة وأن يرزقك زوجاً صالحاً يكون عوناً لك على طاعته.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن الأمر – وكما يبدو لي – أن العلاقة التي حدثت بينك وبين الأخ الزميل الأصل فيها أنها كانت علاقة عابرة ولم تكن قوية ولا عميقة، وقد رفض أهله أن يتزوج بك رغم أنك كنت على شبه يقينٍ من أنه يتقدم إليك بنية الزواج، وظللتم فترة على هذا الأساس في انتظار قدر الله تعالى ولكنَّ أهله رفضوا وزوجوه من ابنة خالته، وبما أنه رجل بار فهو لا يريد أن يغضب أمه، ولكن ظروفه الآن لعلها غير مستقرة ولذلك رجع وبدأ يتكلم معك وأرسل لك رسالة بالمشاركة، ثم بعد ذلك أيضاً يحاول أن يعود مرة أخرى.

وإن مثل هذا الأمر ليس من الأمور السهلة؛ لأن العواطف لا يُعبث بها، خاصة المرأة المسلمة إذا كانت امرأة مثقفة واعية مثلك، وإذا كانت فتاة ملتزمة لها حلقة في المسجد تعلِّم المسلمات دين الله تبارك وتعالى فإن شخصيتك شخصية حساسة، وإن موقفك في غاية الحرج، ولذلك فإن العبث بها لا ينبغي ولا يجوز، ولا يجوز أن نضيع أوقاتنا مع أحد كائناً من كان.

ولا يخفى عليك أن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه الأرزاق قضية الزواج، فثقي وتأكدي من أن هذا الشاب لو كان من نصيبك ما أخذه أحد غيرك، ولا أخذه أحد منك، ولكن بما أنه ليس لك فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل لك فيه نصيب، فتريثي ولا تتعجلي ولا تستجيبي له ولا لغيره من العابثين، والناس يعرفون أين تقيمين ويعرفون منزلك ويعرفون أهلك، فمن أراد أن يتقدم إليك فليتقدم بالطريق المشروع، ولا تضيعي وقتك حقيقة مع أي أحد؛ لأن الكلام في حد ذاته يستهلك من الحسنات الكثير والنظرات أيضاً تستهلك من الحسنات الكثير؛ لأن هذه باعتبار أنها مخالفة لشرع الله تعالى، فإن الله تبارك وتعالى أمر النساء بقوله: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ))[النور:31]، فكل نظرة تنظرها الفتاة أو الفتى إلى ما يرضي الله تأخذ قدراً من الحسنات، ولذلك كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام في القصاص يوم القيامة أن هذه السيئات تخصم من الحسنات حتى إذا فنيت حسنات العبد حمل من سيئات وأوزار من ظلمه ثم يُطرح على وجهه في النار.

فكم أتمنى أن تصوني هذه النعمة العظيمة – نعمة الالتزام ونعمة الإمامة ونعمة التعليم وكذلك أيضاً نعمة الثقافة والوعي – بأن تعلمي أن كل شيء بيد الله، وأنت لست في حاجة أن تبحثي عن أحد ولا أن تجري وراء أحد ولا أن تتعاملي مع أحد خارج إطار الشرع أبداً؛ لأنك ولله الحمد والمنة ما زال سنك معقولاً ولم تصلي بعد إلى سن يخشى منه أن يفوتك القطار كما يقولون.

وأيضاً أنت من عباد الله الصالحين، فالمرأة الملتزمة - المحافظة على شرع الله التي تعلم دين الله - من أهل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) ولا ينبغي أبداً أن تظني بالله ظن السوء، فإن الله لا يضيع أهله، فما دمت على هذا الخلق ومادمت على هذه الاستقامة فاتركي الأمر لله تبارك وتعالى وحده، أي إنسان يريد أن يقيم أي علاقة بعيداً عن إطار الشرع ولو مجرد كلام فاعتذري له وقولي له هذا الكلام ليس له محل، الرجل ليس مطالباً بأن يختبر المرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا ضوابط عامة فقال في شروط الرجل: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وقال في شروط المرأة: (تنكح المرأة لأربع) إلى أن قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).

فهذا هو الذي عندنا، وأما أي علاقات خارج هذا الإطار فهي مرفوضة شرعاً؛ لأن الفتاة هي الضحية دائماً؛ لأن الشاب قد يمكث معها فترة ويعلم الناس أنها متعلقة به وأنه متعلق بها ولذلك إذا ما تقدم أحد ووجدك مشغولة بهذا الشاب فإنه سينصرف، وسيقول لعله أن يتزوجها، فتفوتك الفرصة، ثم بعد ذلك يحدث هذا التخلي فيتخلى عنك هذا الشاب الذي ضيع عليك الفرصة الأولى، وفي تلك الحال يقول الناس بأنها ليست امرأة صالحة ولو كان فيها من خير ما مشت مع فلان ولو كانت إنسانة محترمة لما تركها فلان.

فالمرأة دائماً هي المتضررة من العلاقات غير المشروعة حتى وإن كان مجرد رسائل، حتى وإن كان مجرد اتصالات، حتى وإن كان مجرد كلام بالهاتف، حتى وإن كان مجرد طلعة أو روحة، فهذا كله يترك آثاراً عند الناس لأنك لست وحدك في هذا الكون أنت وهذا الشاب، وإنما أنتما في العمل، وفي العمل يراكم كل الزملاء، وفي الشارع يراكم كل الناس، وفي البيت قطعاً الوالد والوالدة والأهل يعرفون، حتى وإن تكلمت بعيداً عنهم فإن الأمر سيكون مذموماً، فلا تلق بالاً لهذه التصرفات وانتبهي لنفسك.

وكونك متعلقة به قلبياً فهذا شيء طبيعي لأنه رجل دخل حبه إلى قلبك لعدم وجود شيء آخر، خاصة وأنك هيأت نفسك لاستقبال هذا الاتصال، فكانت النتيجة أن تمكنت هذه العلاقة من قلبك، ولكن بالدعاء والدعوة سوف ينحل هذا الأمر وتنسي هذه المشكلة نهائياً، وإن تقدم لك أخٌ آخر قطعاً سيطرد هذه العلاقة من قلبك نهائياً بإذنِ الله وستدخل إلى مستودع الذاكرة، ومع الأيام سُتنسى لأن هذه طبيعة الإنسان.

وأتمنى أن تجتهدي في طاعتك وفي عبادتك وفي حلقات تعليمك وأن تقوي التزامك وصلتك بالله تبارك وتعالى وأن تدعي هذا الأمر لله يضعه حيث شاء، واعلمي أن الله لا يضيع أهله، أكثري من الدعاء واطلبي من الوالدين الدعاء وأبشري بفرج من الله قريب، واطرحي هذا الأخ بعيداً عن ذاكرتك تماماً؛ لأنه الآن رجل متزوج والكلام معه نوع من العبث وخسارة الحسنات وأنت في غنىً عن ذلك.

نسأل الله لك الهدى والتقى والعفاف والغنى والستر في الدنيا والآخرة وأن يرزقكِ الزوج الصالح الذي يكون عوناً لك على طاعته عاجلاً غير آجل، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية اسماء

    جزاكم الله خير استفدت كثير من الموقع ..دائما عندماتواجهني مشكله ادخل موقعكم واقراء واطمئن وتهون علي مشكلتي وارتاح ..

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً