الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقوق وواجبات زوجة الداعية تجاه الزوج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد رزقني الله بزوج صالح - أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً - وهو داعية إلى الله، وأرغب منكم بتزويدنا بما لدى زوجة الداعية من حقوق وواجبات، وما عليها كذلك.
بارك الله فيكم وفي أوقاتكم, وجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء, آمين.



الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وفي زوجك، وأن يجعلكما من عباده الصالحين ومن أوليائه المقربين، وأن يتم عليكما نعمه ظاهرةً وباطنة، وأن يديم بينكما المحبة والوئام والحب والانسجام، وأن يجعلكما من خاصة عباده وصفوة أوليائه، وأن يجعلك وزوجك وأولادك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يجعلكم من الفاتحين لهذه البلاد - بإذن الله رب العالمين - .

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة أمة الله – فإني أحمد الله تبارك وتعالى على ما أكرمك به من نعم، فإن من أعظم نعم الله تبارك وتعالى على المرأة المسلمة أن يمنَّ عليها بزوج صالح خاصة إذا كان يعمل في وظيفة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فهنيئاً لك ثم هنيئاً لك، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلك عوناً له على طاعة الله ورضاه حتى تشاركينه الأجر، هنيئاً لك تلك الحسنات التي تحصلين عليها بكل كلمة ينطق بها زوجك، وبكل خطوة يخطوها في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وبكل موعظة أو نصيحة، وبكل لحظة يقضيها من ليل أو نهار أسأل الله أن يجعلك شريكة له في أجره كله صغيرا كان أو كبيرا، وأن يجعلك دائماً سنداً وعوناً له.

أما بخصوص زوجة الداعية وما لها وما عليها من حقوق وواجبات، فينبغي أولاً أن تعلم أن زوجها بشر وليس بمعصوم، بمعنى أنه قد تحدث منه بعض الزلات، والدليل على ذلك أصحاب النبي الكرام – صلوات ربي وسلامه عليه ورضي الله تعالى عنهم – كانوا خير الناس وأفضل الناس وأتقى الناس ورغم ذلك كانت تحدث منهم هذه الزلات وتلك الخطايا حتى يُعلمنا الله تبارك وتعالى أنه لا عصمة لأحد إلا للنبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، حدث في بيوت أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كثير من المشاكل ووقعت كثير من الخلافات؛ لأنهم في جميع الأحوال بشر وليسوا أنبياء ولا رسل ولا من الملائكة المقربين.

أيضاً مما ينبغي عليها أن تتحمل كثرة غيابه عن منزله ما دام ذلك كله في طاعة الله تعالى، فإن الداعية ليس لأسرته فقط وإنما هو للأمة كلها، فلا ينبغي عليها أن تحبسه بين جدرانها الأربعة ليقوم على خدمتها وخدمة عيالها، وإنما ينبغي عليها أن تعطيه أكبر قدر ممكن من الوقت ليتفرغ لدين الله تعالى لمهمة الأنبياء والمرسلين، وألا تنغص عليه حياته وألا تعكر عليه صفوه، شريطة ألا يغفل أهله كما سأذكر بعد ذلك.

أيضاً يجب عليها أن تتحمل كثرة أسفاره، فإنه قد يسافر شرقاً وغرباً لإطفاء نار فتنة قامت هنا أو هناك أو لموعظة أو محاضرة في مسجد من المساجد أو مركز من المراكز الإسلامية أو للإصلاح بين زوجين متخاصمين، أو أخوين متشاحنين.

كذلك يجب عليها إكرام ضيوفه؛ لأن الداعية الأصل أن بيته لله تعالى، وحياته لله وأمواله لله تعالى، فهو يستقبل في بيته ضيوفاً يعرفهم أو لا يعرفهم ما داموا يأتونه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذا تأسٍ بالنبي الكريم محمد – عليه صلوات ربي وسلامه - .

فينبغي عليها أيضاً أن تُكرم ضيوفه وأن تصبر على ذلك وأن تتحمل في سبيل ذلك ما تستطيع من عنت ومشقة وأذىً وأن تحتسب ذلك عند الله تبارك وتعالى؛ لأنه أحياناً قد ينزل بالداعية أكثر من ضيف في وقت واحد، بل لعله في يوم واحد أكثر من ضيف، بل لعله كل يوم لا يكاد أن يمر إلا وهناك ضيوف يطرقون الباب ويتأخرون حتى يأتي وقت ظهر أو عصر أو وجبة إفطار أو غداء أو عشاء، فلابد أن يكرموا في بيت الداعية بكرم الله تعالى.

أيضاً مما يجب على زوجة الداعية أن تتألم لألمه وأن تفرح لفرحه، فإذا وجدته حزيناً تشاركه حزنه، بل لا ينبغي عليها أن تكون في وادٍ وزوجها في وادٍ، قد يرجع الزوج في آخر الليل وهو مكدود منهوك متعبٌ حزين مكلوم؛ لأنه عجز أن يصلح ما بين امرأة وزوجها أو ما بين أخ وأخيه أو ما بين أخت وأختها أو أرحامها، فلا ينبغي عليها أن تكون فرحة مسرورة وهي ترى زوجها وقد ارتسم على محياه علامات الحزن والأسى.

كذلك أيضاً ينبغي عليها أن تفرح لفرحه، فإذا ما رجع إليها وهو فرح بما أكرمه الله به لا ينبغي عليها أن تظهر له الملل والضجر بل تشاركه أيضاً، وتلك صفات المرأة المؤمنة الصالحة.

أيضاً مما ينبغي عليها أن تقف معه وأن تحفزه على تطوير دعوته وأداء رسالته، فكلما تقاعس أو ضعف تقول له: قم يا رجل فأنت في وظيفة الأنبياء والمرسلين وأنا ما تزوجتك إلا لأنك داعية لله رب العالمين؛ لأن الطريق طويل - أختي الكريمة أمة الله – وقد يصاب الإنسان منا بنوع من الفتور أو الضعف فالمرأة الصالحة هي التي دائماً تحفز زوجها وتعينه على عمل الخير وعدم التقصير في الدعوة، كذلك تحفزه وتعينه على أداء الصلاة في الجماعة، وعلى أداء حق الله تعالى، وعلى المحافظة على دين الله عز وجل.

أختي الكريمة مما ينبغي عليك أيضاً أن تجعلي بيتك هانئاً لزوجك، بيتا سعيداً يأوي إليه من حر الهجير الدنيوي، ومن عنت المشقة من الصلح وإلقاء المحاضرات والأسفار، فيرجع إلى بيته كأنه دخل جنة وارفة الظلال، كوني قدوة صالحة تليق بمقام زوجك الداعية؛ لأن بعض النساء لا عتب عليهنَّ عندما يتشبهن بالكافرات وذلك لضعف إيمانهنَّ وضعف الحس الإيماني عندهن، ولأنهن يرين أنهنَّ لسن بمسئولات عن دين الله تعالى فيحدثن من التغير في خلق الله تعالى وفي مظاهرهنَّ ما يجعل من الصعب أن نتعرف عليهنَّ من كثرة التغيير، أما زوجة الداعية فإنها في محل القدوة وفي محل الأسوة ومحل الإمامة، فالناس ينظرون إلى ثيابها وإلى كلامها وإلى قصة شعرها وإلى حجابها وإلى طيبها وإلى هيئتها، فكوني شامة بين الأخوات وكوني في مقامٍ يليق بأزواج الدعاة.

أيضاً مما يجب عليك أن تهتمي بنفسك وأولادك، فتكوني لزوجك كالريحانة طيبة الريح حسنة المنظر دائماً أبداً، لا تقولي بأن زوجي داعية لا ينظر إلى النساء وأنه قد زهد في الدنيا، فإن هذا ليس بحقيقي، فالداعية بشر بل إنه أعظم للفتنة لأنه قد يضطر للكلام مع النساء أكثر من غير بحسب موقعه الدعوي فيصلح بين رجل وزوجته مثلاً وهكذا، ولذلك لابد وأن يرى في امرأته أنها آية من آيات الله في الجلال والجمال وطيب الرائحة وحسن المنظر.

أيضاً عليك أن تهتمي بأولادك وأن تساعديهم في وظائفهم؛ لأن زوجك قد لا يكون لديه من الوقت ليقوم على تدريسهم وعنايتهم ورعايتهم، فاجعلي ذلك عليك واجعلي الدعوة عليه.

ساعديه أيضاً في بعض أعمال الدعوة كتحضير بعض الدروس أو المحاضرات أيضاً إن أمكن ذلك – فقد يكون الداعية أحياناً مشغولاً ويبحث عن مسألة، فالمرأة الموفقة هي التي تقف معه وتساعده في بحث المراجع أو البحث في المواقع عمَّا يريد، وهذا أمر تقوم به غالب زوجات الدعاة الفاضلات الأخوات اللواتي يدركن عظمة ما يقمن به وما يقوم به أزواجهنَّ.

أما ما يجب على زوجك تجاهك، فإنما أولاً أن يتعهدك بالنصح والتوجيه وعدم الإهمال، يحرص عليك دائماً بأن يذكرك وأن ينصحك وأن يجعل لك نصيباً من الدعوة، وأن يجعلك واحدة ممن يتوجه بالدعوة إليهم، فلا يهملك ولا يتركك بلا توجيه ولا نصح ولا تذكير، وإن كان سلوكه قطعاً سيكون أعظم داعٍ وأهدى سبيل، إلا أنه أيَضاً مع ذلك ينبغي أن يكون هناك شيء من التذكير ولو حلقة تعليم بسيطة في داخل البيت نجتمع حولها أو بعض آيات من كتاب الله نتلوها أو موعظة من المواعظ أو قصة من القصص، لابد أن يقوم على تزكيتك حتى تظلي دائماً معطاءة وحتى تكوني قوية في دينك لتنفعيه وتنفعي أولادك.

فإن بعض الدعاة يهمل هذا كلياً فيقوي إيمانه ويضعف إيمان امرأته، حتى يصل بهم الحال إلى نوع من التضاد والتنافر، فلا تحمل همه ولا تفكر في تفكيره ولا تقوم بمساعدته، فينبغي عليه أن يعتبرها هي الهدف الأول من دعوته، وأن يوجه الرسالة الأولى إليها لأنه إن نجح فيها فسينجح في غيرها.

كذلك يجب عليه عدم إغفال بيته وأولاده بحجة الانشغال في الدعوة، فإن بعض الناس لا يعطي لبيته شيئاً ولا لأولاده شيئاً، بل إن زوجته لا تستطيع أن تتكلم معه وإن أولاده يشعرون بالحرمان منه رغم أنه بينهم، فيجب عليه أيضاً ألا يغفل أولاده وزوجته من ذلك، وإنما يتحين الفرص كلما أتيحت فرصة أن يكون موجهاً وأن يكون ناصحاً وأن يكون داعية وأن يكون مذكراً؛ لأن هذا من أولى الواجبات.

يجب عليه أيضاً ألا يُشغل بمشاغل الدعوة عن الاهتمام بنفسه في بيته، فإن بعض الدعاة قد يتزوج القضية - كما يقولون – ويطلق زوجته ثلاثاً، رغم أنها تبيت معه في فراشه بحجة أنه مهموم وأنه مشغول وأن عليه أعباء، المرأة لها حقها والدعوة لها حقها، وينبغي - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولزوجك عليك حقّاً، ولزورك – أي: ضيفك – عليك حقّاً، فأعط كل ذي حق حقه).

وختاماً: أسأل الله جل جلاله أن يبارك في أختنا أمة الله، وأن يبارك في زوجها وأولادها، وأن يجعلهم من البيوتات الصالحات، ومن العلامات المنيرات في جبين الإسلام، وأن يجعل على أيديهم هداية جميع الناس في كندا وأمريكا وما حولها، وأن يجعلنا وإياهم من خاصة عباده وصفوة أوليائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ويسعدنا أن نتواصل معكم في أي وقت، ونحن في انتظاركم وفقكم الله.

وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً