الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإسراف في الديون والأقساط وكيفية الخلاص من ذلك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا غارق في ديون وأقساط، أغرقت بها نفسي بيدي تحت بند أنه لن تدخر شيئاً إذا لم تكبل نفسك بالأقساط لتؤمن مستقبل أولادك، هذا شقة تقسيط، وهذه سيارة بالتقسيط، وهذا مدرسة خاصة رسومها تقسيط، وهذا للزوجة بالتقسيط و... إلخ، ولم يعد دخلي يكفي لسداد الأقساط، وابتليت بالبطاقات الائتمانية لدي منها 8 أنواع من بنوك مختلفة، وسحبت كل أرصدتها على مدار شهور، وأصبحت عاجزاً عن سداد مديونيتها كاملة، وأصبحت أسدد فقط نسبة (5 %) الحد الأدنى وهكذا، وقال لي البعض: هذا حرام وربا ويجب التخلص منها فوراً، وأنا لا أستطيع التخلص منها، وراتبي يذهب بالكامل في الأقساط التي لن تنتهي قبل عامين، وأعيش من البطاقات بالكاد، فماذا أفعل؟ وما الحل؟ وهل هي فعلاً حرام؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يعينك على قضاء دينك، وأن يخرجك من هذا المستنقع، وأن يغفر ذنبك في تعاملك بالربا، وأن يوسّع رزقك الحلال الطيب، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم – فإنك رجل صادق إذ أنك قلت أنك أدخلت نفسك بيدك تحت بند أنك لم تدخر شيئاً إذا لم تكبّل نفسك بالأقساط، وهذه حقيقة كانت فكرة شيطانية لا تتفق مع عقل ولا تتفق مع نقل ولا يقرها شرع؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، وقال أيضاً: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ))[الطلاق:7] والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس). وقال أيضاً صلوات ربي وسلامه عليه: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس).

فتصرفك أخي الكريم! يصطدم ويتعارض تماماً مع الشرع والعقل والمنطق ومع الواقع؛ ولذلك أنت الآن تدفع الثمن غالياً، فأنت مكبَّل الآن بأقساط في كل شيء حتى إنه لا يبقى لك شيء، وراتبك يكاد أن يذهب بالكامل في الأقساط التي لن تنته قبل عامين فما الحل؟

الحل أولاً: لابد أن تصبر على هذه الظروف الصعبة لأنك أدخلت نفسك بيدك فيها.

ثانياً: أن هذه ديون يجب قضاؤها حتى وإن كانت ربوية؛ لأن حقوق العباد لا تسقط وأنت الذي ذهبت إلى تلك الشركات وأخذت هذه البطاقات التي وصلت إلى ثمانية أنواع من البنوك المختلفة، فهذا فعل فعلته بإرادتك وبعقلك وبذلك أنت المسئول عنه، فلك أن تواصل - بارك الله فيك – في قضاء الديون وإلا ستتعرض للسجن ولغير ذلك، فليس أمامك من خيار إلا أن تواصل سداد الأقساط.

ثالثاً: أنت تحتاج - بارك الله فيك – لعمل جدولة لمصاريفك، فلابد أن تصرف في الحد الأدنى من المصاريف حتى تتمكن من أداء الديون خلال عامين كما ذكرت.

رابعاً: لابد لك - بارك الله فيك – من أن تتخلص من الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، فإذا كان أولادك في مدارس خاصة فمن الممكن - بارك الله فيك – أن تدخلهم المدارس الحكومية، وأن تأخذ هذه الأقساط التي تدفعها لهم لتسدد بها بنكاً آخر من البنوك، فأنت الآن مثلاً قد تكون قد أخذت شقة بالتقسيط فهذه ضرورة؛ ولذلك لا خيار أمامك الآن من أن تواصل؛ لأنه احتمال لو أنك بعتها أن تخسر فيها، وقد لا يتيسر لك البحث عن شقة أخرى، فالشقة باعتبار أنها ضرورة فاحتفظ بها، والسيارة باعتبار أنها ضرورة فاحتفظ بها، وما سوى ذلك من الأشياء التكميلية أتمنى أن تغلق أبوابه نهائياً وأن تتوقف عنه تماماً، وإذا أمكن أن تبيعه أو تتخلص عنه ولو بنسبة من الخسارة فلا مانع، وخذ هذه الأموال - بارك الله فيك – وحاول التخلص من هذه الديون التي عليك في أقرب فرصة.

فتلزمك التوبة إلى الله تبارك وتعالى أيضاً لأنك - بارك الله فيك – وقعت في الربا المحرم، فهذه البطاقات كلها بطاقات ربوية؛ لأن المصارف الإسلامية لا تعطي هذه الإمكانات وتلك الامتيازات بهذه السهولة، فكل بطاقة أصدرت من بنك ربوي يتعامل بالفوائد فهي محرمة يجب عليك أن تتوب إلى الله منها، والتوبة تكون الآن - بارك الله فيك – بأن تعقد النية والعزم أنك لن تتعامل مرة أخرى بهذه البطاقات ولن تسحب من خلالها فلساً واحداً، وأن هذا آخر عهدك بهذه الأشياء، ثم تواصل عملية السداد، ودعاء الله تبارك وتعالى أن يعينك على الالتزام وأن يوفقك إليه، وأن تجتهد ألا تفتح باباً آخر من الديون مهما كانت الظروف - إياك ثم إياك – لأنك لو فتحت باباً آخر من الديون فلن تعان، واعلم أن الله تبارك وتعالى وعدك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن المدين الذي يريد السداد والأداء يعينه الله تبارك وتعالى على السداد والأداء.

فإذا علم الله منك صدقاً أعانك، ومن علامات الصدق - بارك الله فيك – ألا تفتح باباً آخر من أبواب الدين، وأن تتخلص - جزاك الله خيراً – من الأمور التكميلية أو من التحسينيات، وأن تحتفظ فقط بالأشياء الضرورية التي لا غنى لك عنها، وثق وتأكد من أنك ستعان إذا اتبعت هذه الطريقة: إعادة ضبط مصاريفك، وجدولة الديون التي عليك بطريقة صحيحة، والتخلص من الأشياء التكميلية أو التحسينيات في حياتك، والاكتفاء بالأشياء الضرورية، وبإذن الله تعالى سوف تعان - بإذن الله تعالى – على قضاء دينك، وستخرج منها سالماً، وأهم شيء هي التوبة – كما ذكرت – فإن فعلت ذلك فستكون بخير في دينك ودنياك.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يعينك الله تبارك وتعالى على أداء دينك عاجلاً غير آجل.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً