الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس دينية واكتئاب وضغوط نفسية بعد الطلاق

السؤال

السلام عليكم.

أنا عمري 29 سنة، استشارتي طويلة فليتسع صدركم لي.

أعاني من مرض نفسي منذ سنتين فأكثر، فأنا أفكر داخلياً أو أتكلم داخلياً أحياناً بشكل إرادي وأحياناً لا إرادي، وأصبت قبل 14 عاماً بوسواس قهري بسبب صدمة وفاة والدي، بدأ بالطهارة بحيث كنت أعيد الوضوء عدة مرات وأشك بخروج البول مني -أعزكم الله- علماً أنني أعلم أن البول لم يخرج، وتعبت أعصابي لدرجة أنني تركت الصلاة لسنوات وتطور الوسواس فأصبح في العقيدة وفي الثوابت الدينية وفي وجود الله تعالى، علماً أنني قوية الإيمان -والحمد لله- والناس تشهد لي بهذا الشيء، فقبل أن أصاب بهذا الوسواس كنت محافظة على صلاتي فكان وقت الصلاة بالنسبة لي كالسيف على رقبتي والناس تشهد لي بالإيمان والخوف من الله، وكنت مستقيمة جداً في حياتي وموفقة في دراستي جداً، حيث كنت متفوقة.

بقيت أجاهد هذه الأفكار وأقول بأن الله موجود وأني متيقنة من هذا الشيء ثم عدت للصلاة والحمد لله، وبدأت أشفى من وسواس العقيدة بالتدريج بالدعاء والرقية الشرعية والمحافظة على الصلاة والدروس والمحاضرات الدينية، لكن وسواس الطهارة بقي، ولكن ليس كالسابق، وكنت طوال الوقت وأنا أقاوم الوسواس وأقوي إيماني والحمد لله، لكني تزوجت وفشل زواجي ولم يستمر سوى شهر ونصف وطُلقت، فكانت صدمة أخرى لكنها خلصتني من وسواس الطهارة بشكل شبه نهائي، لكن طليقي اتهمني بوجود عيب خلقي لدي، وعلى هذا الأساس تم الطلاق في حين أنني ذهبت إلى طبيبة نسائية وقامت بفحصي وكانت النتيجة أنني طبيعية 100% فبقيت أعاني من هذه العقدة لشهور طويلة ولم يساعدني أحد في تخطيها سوى الله.

وتولد لدي وسواس جديد هو الذي ذكرته في البداية، أفكار داخلية منها معقولة ومنها عبارات كفرية تضغط على دماغي بحيث يهيئ لي الشيطان أنني أفكر فيها، وأنا أقاوم طوال الوقت، فهو يحاول تكفيري؛ لأن الله تعالى أعطاني الصبر على تجربتي هذه، وكنت راضية بقدري ومتفائلة بالمستقبل، ولدي دائماً يقين أنني لا أكفر وأنها مجرد همزات الشيطان ـ والعياذ بالله ـ وهي كلها أفكار داخلية لكني عانيت كثيراً بسبب تعلقي بزوجي السابق ثم افترقت عنه فلم أنسَ بسهولة، وكنت دائماً أجلس وحدي وأصبّر نفسي، ودائماً مكتئبة وحزينة وأحس بالضيق، ودائماً أفكر في الأسوأ، ذهبت إلى طبيب نفسي فأعطاني دواء اسمه باروتين 20 وأولان لفتح الشهية، لكن لم أستمر عليه، أحسست أنني بدأت أهذي، فتركت العلاج.

علماً أنني ربة بيت ولا أخرج من البيت كثيراً، وتخرجت منذ 6 سنوات لكن لم أعمل، وأحس دائماً بالوحدة والاحتصار والملل وقلة الثقة بالنفس، لجأت إلى استخدام العسل وغذاء الملكة، علماً أن معدتي متعبة جداً، ولدي إمساك وشهيتي قليلة للطعام، ولدي هبوط في الضغط، لكنني الآن أحس أنني قريبة من الله تعالى، وأشعر بمعيته دائماً، وهذا ما أعطاني القوة لمقاومة تجربتي، لكن أمي كانت دائماً تضغط على أعصابي وحتى الآن بسبب طلاقي مما كان سبباً رئيسيا في تعبي وزيادة ضغط الوسواس علي، ولا أجد من يرفع معنوياتي، وبذلك أصبحت ضعيفة للغاية.

بماذا تنصحونني بعد كل هذا؟

ولكم خالص الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك، ونشكرك على هذا السؤال الجيد.

حقيقة لقد سردت قصتك وواقعك النفسي بصورة واضحة وممتازة جدّاً، وأقول لك: أبشري ما دمت أنت تحسين أنك قريبة من الله تعالى وأنك في معيته، فهذا حقيقة أسمى ما يصبو إليه الإنسان، وهذا - إن شاء الله تعالى – يفرج عنك كل كربك.

لا شك أنك قد مررت بابتلاءات، هذه الابتلاءات تمثلت في الوساوس القهرية بكل أنواعها، والوساوس التي تتمركز حول العقيدة دائماً هي مزعجة للإنسان ولكن نقول - إن شاء الله تعالى – هي دليل على صدق الإيمان وصحة العقيدة، ولا شك أن الطلاق كان ابتلاءً، ثم هذا الذي ذكره زوجك بأن لديك عيبا خلقيا، ولكن - الحمد لله - اتضح أن هذا ليس صحيحاً.

تلمست من رسالتك اقتدارك وتفهمك لحالتك، كما أنك تطبقين آليات العلاج السلوكي حسب ما هو مطلوب، فأنت متفهمة تماماً لحالتك وهذا أهم شيء في مراحل العلاج السلوكي الرئيسية، ثم بعد ذلك هذا الدافع النفسي القوي الذي تقومين به وذلك بتحقير هذه الوساوس ورفضها وعدم اتباعها، بل القيام بما هو ضدها، وهذا هو صميم العلاج السلوكي المعرفي، فأرجو أن تسيري على نفس هذا المنوال وعلى نفس هذا الطريق.

ولا شك أن الوساوس حين تسيطر على الإنسان يحاول الشيطان أن يجد متسعاً ويجد مجالاً لأن يدخل إلى نفس الإنسان ويوسوس له مما يزيد من هذه الوساوس، ولكن - الحمد لله - أنت أيضاً على وعي بذلك، فأسأل الله أن يحفظك وأن يُبعد عنك هذه الوساوس.

ولا تنسي أن هذه الدنيا هي دار بلاء، وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فعليك بالصبر لتنالي ثواب الصابرين.

وما ذكرته بعد ذلك من أن أمك تقوم ببعض الضغوط عليك بسبب الطلاق، فأعتقد أن الحوار مع والدتك وأن تجعليها على استبصار أن هذا الأمر قد وقع وأن هذا هو المقسوم، والطلاق لن يعيبك شيئاً ما دمت أنت لم ترتكبي خطأ، فهذا يجب أن يُفهم، ونسأل الله تعالى أن يجعل لك ما هو خير، وأن يعوضك عن هذا الزوج بزوج أفضل منه.

هذا هو الأمر الذي أرى أن والدتك يجب أن تكون على قناعة به، وأنت من جانبك لا ينبغي أن تكوني حساسة حيال كل الأمور، فالانتقادات تأتي من هنا ومن هناك من القريب ومن البعيد، وهذه سنة الحياة، فأرجو ألا تأخذي الأمور بحساسية شديدة.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وأعتقد أن العلاج الدوائي سوف يفيدك كثيراً؛ لأن العلاج الدوائي حقيقة جيد جدّاً في علاج الوساوس القهرية حتى وإن كانت أفعالا، ولكن ما دامت الأفكار هي المسيطرة فهذا - إن شاء الله تعالى – يكون الدواء فيه مفيداً جدًّا، وأنت لديك هذا التفكير الداخلي وهو حقيقة تفكير قائم على القلق وعلى الوساوس، والوساوس القهرية هي في الأصل نوع من القلق النفسي.

فالذي أراه أن العقار الذي يسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac) سوف يكون عقاراً مثالياً لعلاج مثل حالتك، هو دواء غير إدماني وغير تعودي ولا يسبب أي آثار جانبية، خاصة أنه لا يؤثر مطلقاً على مستوى اليقظة لدى الإنسان، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراماً) يومياً بعد الأكل، ثم بعد ذلك ترفعين الجرعة إلى كبسولتين (أربعين مليجراماً) في اليوم، واستمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى.

هنالك عقار آخر مدعم يعرف باسم تجارياً (الرزبريدال Risporidal) أو ما يسمى علمياً باسم (رزبريادون Risperidone)، أرجو أن تتناوليه بجرعة واحد مليجراما فقط، هذه جرعة صغيرة جدّاً وجرعة بسيطة جدّاً، تناوليه بجرعة واحد مليجراما ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن تناوله.

أرجو أن تلتزمي التزاماً قاطعاً بتناول هذه الأدوية، لأننا مهما كانت مسببات الوساوس ومهما اختلف النظريات حولها إلا أن النظرية البيولوجية تعتبر نظرية قوية جدّاً، وهنالك الآن الكثير من المؤشرات العلمية التي تدعم هذه النظرية، ويعتقد أن هنالك اضطرابا في كيمياء الدماغ خاصة في المادة التي تعرف باسم (سيروتونين Serotonin)، وهي مادة رئيسية في التحكم في المزاج، وانخفاض في إفرازها أو ضعفها أو اضطراب فيها قد يؤدي إلى القلق أو الاكتئاب أو الوساوس القهرية، فأرجو أن تهتمي جدّاً لأمر الدواء، والدواء في حد ذاته سوف يحسن من مزاجك ويقلل من هذا القلق وهذه الوساوس، وهذا - إن شاء الله تعالى – يعطيك دافعية أقوى واستمرارية أفضل في تطبيق العلاج السلوكي، وأنت لديك الاستعداد ولديك المعرفة ولديك الإلمام ولديك القابلية أيضاً للاستجابة للعلاج السلوكي، فأرجو أن تكوني حريصة على ذلك.

أرجو أيضاً أن تديري وقتك بصورة سليمة وأن تستفيدي من الوقت بصورة صحيحة، فهذا أيضاً لا يعطي مجالاً لمثل هذا القلق والتوتر والاكتئاب.

لا شك أن تمسكك بعقيدتك سوف يكون أكبر معين لك، وأرجو أن تتواصلي اجتماعياً، وأرجو أن تمارسي شيئاً من الرياضة حسب ما هو متيسر، وأرجو أن تكوني دائماً إيجابية في تفكيرك.

هذه هي النصائح التي أقولها لك، وأنا على ثقة كاملة وبفضل الله تعالى أولاً ثم بجهدك ومثابرتك ثانياً أنك سوف تكون لديك صحة نفسية مرتفعة وممتازة وسوف تختفي هذه الوساوس وكل هذه الأعراض.

أسأل الله لك الصحة والعافية وحياة كلها هناء وسعادة.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العالج السلوكي لوساوس العقيدة: ( 244914 - 260030 - 263422 - 259593 - 260447 - 265121 ).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً