الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حسن التصرف والتدبير يخفف من تراكم الديون

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أشعر أني إنسانة غير منظمة، خاصة في المجال المادي، ولا أحسن التصرف، حيث أُكثر من الديون، ثم أحتار في تسديدها، فأريد نصيحة منكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن البعض قد لا يحسن التصرف في المال، وذلك بسبب مرض نفسي، فهناك حالة نفسية نسميها بحالة الهوس، يعرف أن أصحابها يكثرون من الإسراف وصرف المال دون وجه غير حق، مما يجعلهم في صعوبات كثيرة، ولا أعتقد أنك تعانين من هذه الحالة المرضية، ولكنه يظهر أنك غير منظمة في إدارة المال، وهذا أمر يعتمد على شخصية الإنسان، ويعتمد على الطريقة التي ينظر بها إلى المال، وأهمية المال، وفي نفس الوقت يعتمد أيضاً على مفهومك حول الدين.

ولا شك أن الدَّين (الاقتراض) ليس بالأمر السهل، وليس بالأمر الذي يجب أن نتهاون فيه، فنحن نعرف أن أطول آية في القرآن الكريم في سورة البقرة هي آية الدين، والدين لا يسقط حتى عن الشهيد، ونعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يصلي على الجنازة يسأل: هل على صاحبكم دين؟ والدين هم بالليل ومذلة بالنهار.

إذن أمر الدين مهم جدّاً، ولابد أن تستشعري هذا، فإذا استشعرت أن الدين أمر هو في عمق الإنسان وليس سهلاً، ويؤدي إلى ظهور كثير من الهموم والمتاعب النفسية، فأعتقد أن ذلك سوف يجعلك تحسني التصرف في المال.

هنالك بعض الناس يقومون بوضع ما نسميه بالموازنة، هناك موازنة شهرية، ونعرف أنه حتى الدول وحتى المؤسسات وكل المنظمات تقوم بوضع موازنة سنوية، وبعد أن يتم الموافقة عليها تصرف هذه الميزانية حسب بنود معينة، فأنتِ مطالبة أيضاً بأن تضعي موازنة شهرية حسب دخلك وتقومي بتحديد الأسبقيات، أيْ: أي البنود يجب أن تصرفي فيها وتنظري فيها أولاً؟ وهذا الأمر بسيط، والإنسان الذي يعرف دخله يستطيع أن يحسن التصرف فيما يود أن يصرفه.

فأنت تعرفين كمية دخلك، ومصدر دخلك، وعلى ضوء ذلك يجب أن تقومي بالصرف والموازنة في ذلك، وليس أكثر من ذلك، ويمكنك الاستعانة بأهل بيتك في إرشادك، وإذا كان يصعب عليك التحكم في المال لدرجة مزعجة، فيمكن أن تتركي دخلك الشهري مع من تثقي فيه من أهل بيتك، ثم بعد ذلك تقومي بالصرف بصورة مرحلية حسب الحاجة، ويجب أن تبتعدي تماماً عن الشراء الذي لا لزوم له، فنحن نعرف أن بعض النساء لديهنَّ نوع من الميول أو الاندفاع نحو الشراء البذخي، أو الشراء لأغراض لا أهمية لها، هذه نعتبرها أيضاً حالة مرضية والبعض قد وضعها تحت الطقوس الوسواسية، ولكني لا أعتقد أيضاً أنك تعانين من هذه الحالة.

فاستشعري أهمية الدين، وانظري إلى ما يأتيك من دخل نظرة تجعلك تحددين أسبقيات الصرف، ولابد للإنسان أن يشعر بقيمة الأشياء، فالإنسان الذي لا يشعر بقيمة المال وبقيمة الأشياء، ربما لا يحسن التصرف فيها.

وأما بالنسبة لتسديد الدين، فعليك أن تضعي جدولة، وتقومي من خلال هذه الجدولة بتسديد ما عليك من ديون، بشرط أن لا تضعي على كاهلك ديوناً أخرى، وليس هناك ما يدعوك للتعب النفسي، خاصة إذا قررت أن لا تكرري أخطاء الماضي، فأرجو أن تستفيدي من عدم حسن التصرف في الماضي، وتجعلي من ذلك تجربة إيجابية، بأن تنظمي صرفك حسب ما هو متوفر لك من مال، وحسب ما هو ضروري، فوفرة المال لا تعني أن نبذر أو نصرف صرفاً بذخياً.

وهنالك أمر أرجو أن أنصحك به وهو الصدقة، حيث قال لي أحد الإخوة: إن دخله ليس بكثير، وكانت عليه بعض الديون، ووجد صعوبة في تسديديها، ومرة من المرات قرر أن يتصدق بجزء بسيط من دخله، وبعد ذلك رأى أن أموره أصحبت متيسرة، وأن الدين أصبح لا يشكل له همّاً، وقام بعد ذلك بترتيب نفسه، وإدارة ماله بصورة جيدة.

هذا الرجل قام بالصدقة بالرغم من أنه عليه دين، وبالرغم من إلمامه بأن للدين أسبقية على الصدقة، أي: أن تسديد الدين له أسبقية على الصدقة، هذه مجرد حدث رأيت أنه ربما يكون مفيداً لنذكر أنفسنا بضرورة الصدقة؛ لأنه ما نقص مال من صدقة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجراً، وعليك بالدعاء، نسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن يقضي دينك.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً