الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعراض القولون العصبي وتأثرها بالحالة النفسية عند المريض

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

مشكلتي بدأت منذ حوالي ثلاث سنوات، حيث أصابتني حالة من الانتفاخ في البطن وأيضاً تجشؤ مستمر مصحوب بدوار، استمرت الحالة أسبوعاً فقررت الذهاب إلى طبيب فكشف عليّ وأخبرني أني مصاب بالقولون العصبي، فوصف لي بعض الأدوية الخاصة بسوء الهضم.

تحسنت حالتي قليلاً لكن بعد شهر عاودتني نفس الأعراض، ولكن هذه المرة مصحوبة بارتفاع في ضربات القلب فرجعت لنفس الطبيب فأجرى لي تخطيطاً للقلب فكانت النتيجة لا شيء غير عادي، وأخبرني أن حالتي نفسية، فوصف لي دواء افلو كرديل Propranolol.

تحسنت حالتي قليلاً واختفى الخفقان، في أحد الأيام وأثناء مشاهدتي لفيلم في التلفزيون فيه مشاهد رعب أحسست بشعور غريب في البطن وشعرت بنوع من الخوف وتكررت الحالة معي مرات عديدة، حيث عندما أرى مشاهد الدم والقتل ينتابني شعور بالضيق والدوخة والخوف، علماً أني سابقاً كنت أشاهد مشاهد القتل والذبح في العراق بصفة عادية، ولأني لا أقوى على مشاهدة حتى فيلم رعب فما سبب حالتي هذه؟!

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فحين نظرتُ وتأملتُ في نمط الأعراض التي انتابتك بدأت بأعراض ما يسمى بالقولون العصبي، وحقيقة القولون العصبي هو انعكاس لحالة نفسية داخلية تتسم بوجود القلق، فالآن هناك أدلة قوية أن القلق هو الذي يؤدي إلى القولون العصبي، وكلمة العصبي تدل على المنشأ النفسي لهذه الحالة، وبعد أن يُصاب الإنسان بالقولون العصبي هذا في حد ذاته يؤدي إلى مزيد من القلق والتوتر.

إذن هناك نوع من الحلقة المفرغة التي يدخل فيها الإنسان، وهناك أيضاً من الباحثين من ربط ما بين القولون العصبي والاكتئاب النفسي، ولكني في حالتك لا أرى هناك أعراض حقيقية تجعلنا ننزعج أنك مصاب باكتئاب نفسي.

تطورت حالتك بعد ذلك وأصبحت المخاوف هي سمتها، وارتفاع ضربات القلب هو تعبير عن هذا القلق وهذا الخوف، وهذه نسميها بالأعراض الجسدية المصاحبة للقلق.

إذن الطبيب الذي فحصك وشخصك هو صادق ومحق حين قال أن هذه الحالة حالة نفسية، وأنا أؤكد لك أنها من الحالات النفسية البسيطة وليست بالمستعصية.

بعد ذلك حدث لك من الشعور الغريب في البطن والشعور بنوع من الخوف وتكرر ذلك حين كنت تشاهد أحد الأفلام المرعبة.. أقول لك: أنت أصلاً لديك الاستعداد للقلق وللمخاوف، وكانت تجربة هذا الفيلم هي خبرة مباشرة أمامك، هذه الخبرة المباشرة حركت الكثير من المخاوف التي كانت مختزنة في عقلك الباطني، مما جعلها تظهر في شكل نوبة خوف وهلع وهرع.

أنت ذكرت أنك كنت تألف مشاهدة هذه المشاهد المرعبة ولا يخيفك ذلك.. هذه المشاهد التي كنت تشاهدها في العراق وعلى التلفزيون وخلافه، هي مشاهد مشتركة، أي أن بقية العالم كله يشاهدها معك، ولذا هنالك يحدث نوع من الذوبان – إذا جاز التعبير – أو نوع من التجاذب للخوف، أي أن الخوف لا يقع عليك وحدك، إنما بقية الناس أيضاً يشاهدون نفس هذه المناظر.

إذن الخبرة السابقة من مشاهدة أشاء مربعة ومحزنة كانت خبرة عامة وليست خبرة خاصة، ولكن مشاهدة الفيلم هي كانت خبرة خاصة جدّاً، وإذا أدت إلى تولد هذا الخوف والرعب الذي أصلاً قابل لديه ولديك بعض الاستعداد، أرجو أن يكون هذا الشرح مقنعاً وأنا حرصت أن أشرح لك الأمور بتسلسل علمي واضح ومبسط.

يأتي بعد ذلك العلاج، والعلاج والشفاء يأتي في خمسين بالمائة من فهمك لحالتك والاقتناع بما ذكرناه لك، وهذا يجب أن يكون دافعاً لك لعدم التردد على الأطباء.

ثانياً: تعتبر ممارسة الرياضة أمراً هاماً وضرورياً لعلاج هذه الأعراض التي تعاني منها، فالرياضة لها فعل إيجابي قوي على أعراض القلق والخوف خاصة ما نسميه بالحالات (النفسوجسدية) مثل حالة القولون العصبي، فكن حريصاً جدّاً على ممارسة الرياضة، ومن أفضل مناهج ممارسة الرياضة هي أن تكون ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع، أو يومياً، أو ألا تقل مدة ممارسة الرياضة عن أربعين دقيقة إلى ساعة في اليوم.

يأتي بعد ذلك أن يكون لك الآليات الداخلية النفسية التي تحقر من خلالها هذه الأعراض القلقية: اجري حواراً مع نفسك، قل لنفسك (لماذا أخاف؟ لا شيء يجعلني أخاف، هذا مجرد قلق حدث لي قبل ذلك، وأنا قد تطبعت عليه وقد تواءمت عليه وقد تعودت عليه، فلماذا أقلق ولماذا أخاف؟ يجب ألا يكون معيقاً لي، يجب ألا يعطلني في حياتي، يجب أن أخرج، يجب أن أمارس الرياضة، يجب أن أتواصل مع إخوتي، يجب أن أذهب وأدي صلواتي الخمس في المسجد) وهكذا.

هذا الحوار النفسي الداخلي مهم جدّاً لإقناع الذات بالتبديل والتغيير، وهو منهج ممتاز جدّاً إذا طبقته بجدية وقناعة، والكثير جدّاً قد استفاد من ذلك.

يأتي بعد ذلك أن أنصحك أيضاً ألا تكتم الأشياء التي لا ترضيك في نفسك، فكلنا نكون عرضة لما لا يرضينا في الحياة، وكثيراً ما نحاول أن نطبق مبادئنا وقيمنا على الآخرين، وهذا أيضاً قد يجعلنا في احتكاكات وصدمات نفسية مع الآخرين.

الذي أنصحك به هو أن تفرغ عن نفسك أولاً بأول، عبر عن كل ما لا يرضيك بصورة مهذبة ومنضبطة، وهذا نسميه بالتفريغ النفسي، وهذا علاج نفسي ناجع جدّاً.

كن لك فعالية اجتماعية، وتواصل مع أصدقائك، نظم وقتك واستثمره بصورة جيدة... هذا كله علاج ويصرف انتباهك عن أعراض القلق ويجعلك أقل تركيزاً عليها مما يجعلك تتحسن كثيراً.

يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي، وأود أن أبشرك أنه بفضل الله تعالى توجد أدوية ممتازة وفعالة لعلاج المخاوف القلقية، وعقار البروبرانلول Propranlol والذي يعرف بإندرال Iinderal والذي وصفه لك الطبيب هو دواء لا بأس به، ولكنه يعالج فقط أعراض الخفقان والرعشة والارتجاف، ولا يعالج الخوف في حد ذاته من منشئه الداخلي، لا يقتله من أصوله وجذوره التي موجودة في داخل النفس، ولذا سوف أصف لك علاجاً يعتبر من الأدوية الفعالة والممتازة جدّاً، هذا الدواء يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراماً ليلاً بعد الأكل، وتستمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين (مائة مليجرام) في اليوم ليلاً، واستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر.

عليك بالالتزام بتناول هذا الدواء خاصة أنه دواء غير إدماني وغير تعودي ومن الأدوية السليمة، وبجانب السرترالين يوجد عقار أيضاً مساعد يعرف تجارياً باسم (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علمياً باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، أرجو أن تتناوله بجرعة حبة واحدة في الصباح وحبة واحدة في المساء، وقوة الحبة هي نصف مليجرام فقط.

استمر على هذه الجرعة من هذا الدواء لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة في اليوم، يمكن أن تتناولها في الصباح أو في المساء، واستمر على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء، نسأل الله لك الشفاء والعافية، وأنا على قناعة كاملة أن التزامك وتناولك للأدوية التي وصفناها لك واتباعك للإرشادات التي ذكرناها وتفهمك لطبيعة حالتك سوف يكون سبباً في شفائك بإذن الله، ونشكرك على ثقتك فيما يقدمه موقعك إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً