الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج كره العمل إذا انعدمت الأسباب الوجيهة

السؤال

أعمل بجهة حكومية بجد والتزام، وأحب عملي جداً، وفجأة ترقيت إلى منصب نائب المدير، لكن في مكان آخر لا يبعد عن مكان عملي القديم إلا بضعة أمتار، لكني لا أحب هذا العمل الجديد ولا أميل إليه أبداً، بل كنت أتحاشاه تماماً، وللأسف فأنا مرغم عليه، وهو ليس له مزايا مادية.

وقد أصبحت أكره العمل وأحس أني ذاهب للسجن من شدة كرهي له، ونفسيتي أصبحت تحت الصفر، وأحاول أن أقنع نفسي بأنه عمل جيد ولابد أن أقبله، ولكني لا أستطيع، فماذا أفعل؟ وكيف أتقبل عملي الجديد؟ وهل أذهب لمقابلة الرئيس الأعلى الذي بيده إرجاعي لعملي القديم؟ وكيف أفهمه بأني ما دمت غير مرتاح في عملي فلن أستطيع الإنجاز فيه، أم أسكت وأمارس عملي الجديد بلا أي روح أو مشاعر؟ وكيف أتكيف مع العمل؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فيجب أن تحمد الله كثيراً أنه قد أتيحت لك هذه الخيارات، أنت أمام خيار جديد وهذا من فضل الله عليك، ولابد أن تتذكر أن كثيراً من الناس ليس لهم أي خيارات، قد تضيق بهم الأمور ويصابون بابتلاءات كثيرة، ولا يجد الواحد فيهم أي نوع من العمل يقتات منه، هذه النقطة الأولى أنك الآن أتيح لك خيار آخر، وأنت في عملك وفي وظيفتك، ويمكنك أن تذهب إلى هذا العمل الجديد، أو يمكنك أن تبقى في مكانك، فالخيار نفسه في رأيي إنجاز كبير.

وما دمت قد أتيحت لك فرصة للذهاب إلى عمل آخر، حتى وإن لم تكن فيه منافع مالية، فالاختيار في حد ذاته دليل على الثقة في مقدراتك، ودليل على أنه يمكن أن تتبوأ مناصب ذات مسئولية، إذن فشعورك بقيمة العمل أو هذا الموقع الجديد هي التي ربما تقنعك بأن تُقدم عليه كخطوة إيجابية.

الإنسان من حقه أن يفاضل ومن حقه أن يرى أين مصلحته، ولكن في نهاية الأمر يجب أن يكون الإنسان أيضاً متجرداً ومستبصراً، وإذا رفض أمراً لابد أن تكون هنالك أسباب مقنعة، أنت ذكرت أنك تكره هذا العمل، وهذا الأمر يمكن تجاوزه عن طريق الاستخارة، فالإنسان حينما يكره عملاً ما أو أمراً ما أو يكون متردداً فالاستخارة هي الحل، أنت الآن تستشير وعليك الآن تستخير، وفي رأيي أن الاستخارة مطلوبة ومطلوبة جدّاً في هذا الأمر، فأرجو أن تقدم عليها.

نحن لا نستطيع أن نقول لك يجب أن تذهب إلى العمل الجديد؛ لأن هذا ليس بالقرار السليم، ونحن لا نتخذ مثل هذه القرارات، إنما من قبيل التناصح أقول لك: إذا كان لديك أسباب مقنعة بألا تذهب فلا تذهب إليه، أما الكراهية في حد ذاتها فليست سبباً أبداً.

بعض الناس قد يتطبع على مكانٍ ما يجد أنه مرتاح فيه وأن هنالك زملاء وأصدقاء حوله وأصبح متعودا على روتين العمل، وقد يخاف من أي نوع من التجديد أو أي نوع من عمل جديد، حتى وإن كان في ذلك مصلحة له، هذا أيضاً منهج لا نؤيده أبداً، فالإنسان يجب أن يتفاعل، ويجب أن يكون طموحاً، وإذا أتيحت له فرصة للتقدم ولمزيد من التأهيل ولمزيد من الإبداع ولمزيد من إثبات الذات والمقدرات والمهارات، فلماذا لا يقدم على ذلك؟!

إذن اجلس مع نفسك جلسة فيها شيء من التجرد والمصداقية والمكاشفة والمصارحة، وضع خيار هذا العمل الجديد أمامك: ما هي المنافع المعنوية والمهنية والوظيفية التي سوف تجنيها منه؟ أنت ذكرت أنه لا توجد منافع مادية، وهذا أمر يجب أن تتجاوزه، ولكن يجب أن تنظر إلى المنافع المعنوية، المنافع التأهيلية، وهذا العمل ربما يكون فيه فتح جديد بالنسبة لك، وربما يجعلك مؤهلاً لأن تتحصل على ترقيات مستقبلية أخرى يكون فيها الكثير من المنافع، يجب أن تعيد النظر في قرارك، وأنا أقول لك أن يكره الإنسان الشيء فقط هذا ليس سبباً لأن يتخذ قراراً سلبياً.

الأمر إذن في يدك ويجب أن تقيم ما بين هذا وذاك، وحقيقة أنا أكثر ميولاً لأن تذهب إلى العمل الجديد إذا كان السبب هو الكراهية -كما ذكرت- لا أرى أبداً شيئاً يمنعك، ولكننا حقيقة لن يكون من الحكمة والفطنة أن نتخذ لك قراراً أبداً، إذا أردت فعلاً أن تزيد رغبتك في العمل الجديد يجب أن تقيّم هذا العمل الجديد، ويجب أن تتذكر أن الثقة التي وُضعت فيك تدل على أنك إنسان مقتدر وأنت أهل لذلك.

يجب أن تضع هذا كدافع أساسي لاتخاذ القرار، وإذا رأيت أنك لا تستطيع أداء هذا العمل وأنك لن تأسف يوماً من الأيام أو تحس بالندم على أنك قد أضعت على نفسك هذه الفرصة، ففي هذه الحالة اذهب إلى المسئول وقل له: (يا أخِي أنا لا أستطيع أن أقوم بهذا العمل، وأود أن أبقى في مكاني)، أنا أقول لك صراحة: لا أؤيد هذا، ولكن في نهاية الأمر لا نستطيع أيضاً أن نجبرك على مكان تحس فيه أنك غير متوائم معه.

يمكن للإنسان أن يغير رأيه ومن فكره ومن قراراته إذا نظر للأمور بعمق وإذا نظر لها بإيجابية، وأنا أود أن أذكرك بأننا نعيش في عالم تنافسي، الفرص قد لا تتكرر، التنافس على الوظائف أصبح الآن واضحا، وسوق العمل أصبح يقوم على مبدأ العرض والطلب، ومن الواضح أنك مطلوب، ومن الواضح أن هنالك عرضاً الآن أمامك، فالأمر في نهاية الأمر متروك لك، وأنا لا أقول لك أنك في حاجة إلى أي علاج دوائي، أنت لست مريضاً مطلقاً، هو فقط فقدان القدرة على التواؤم والتكيف مع ظرف جديد حتى وإن كان أفضل.

هذا ما نقدمه من الناحية الاستشارية، ويبقى عليك الاستخارة، نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن ييسر لك الخير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً