الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يوجد ما يسمى بالشخصية الهوائية؟ وما علاجها إن وجدت؟

السؤال

السلام عليكم.

الشخصية الهوائية أو الشخصية الضعيفة التي يسهل السيطرة عليها، أو التي تضعف بسرعة أمام المغريات؛ كيف نصلحها حتى تكون شخصية متزنة؟ وكيف نقضي على الخوف غير العادي؟

أنا أخاف من المستقبل، والفشل والمعاناة في المستقبل مما يضطرني للهروب! فلا أحس بالراحة إلا عندما أهرب من الموقف، وأيضاً أخاف من الفشل أمام الناس، وأنا بطبعي إنسان خجول منذ صغري!

فأرجو منكم العون، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مراد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن أخطر الأشياء في ما يخص الصحة النفسية في نظرنا هو المسميات، فالمسميات والتشخيصات يجب أن تكون قائمة على أسس، ويجب أن يقيمها مختص، بعض الناس ألصقوا بأنفسهم مسميات خطيرة ونعتقد أنها هي لُب المشكلة، وليس ما يعانون منه من حالة.

فمثلاً: في ما يخص الشخصية، فأنت تتحدث عن الشخصية الهوائية أو الشخصية الضعيفة، لا نستطيع أن نقول: إن هنالك شخصية اسمها (شخصية هوائية)، وحتى الشخصية الضعيفة هو أمر حقيقة نسبي، ولا يوجد في التشخيصات العالمية شيء يسمى بالشخصية الضعيفة، لكن هناك ما يعرف بالشخصية القصورية، بمعنى أنها هي الشخصية التي تعتمد على الآخرين، الشخصية التي لا تأخذ المبادرات، الشخصية التي لا يوجد لديها الثقة في مقدراتها، وهكذا.

فإذاً الذي أرجوه منك –وهذا هام وضروري جدّاً– هو: أن تعرف أن هذه التشخيصات تتم على أسس علمية يقوم بها الأطباء، ويقوم بها المختصون في علم النفس، فإن هنالك بعض الاستبيانات وهنالك بعض المقاسات، وهذه المقاسات لها أرقام معينة ولها مفاتيح، وهنالك المقابلة الشخصية، وهنالك المناظرة، وهنالك التحليل الإكلينيكي، وعلى ضوئه يتم التشخيص.

فالذي أرجوه منك هو أن تنزع عن نفسك هذه المسميات، هذا مهم وضروري؛ لأن الإنسان إذا رأى نفسه مثلاً: أنه شخصية ضعيفة، وأطلق على نفسه هذا المسمى لا شك أنه إيحائياً سوف يعمل من خلال هذه الأوصاف التي وصف بها نفسه، أو وصفه له شخص آخر غير مختص، ومن هنا يبدأ الإنسان بلعب الدور السلبي، نحن دائماً نقول: إن من أحسن الأشياء أن يعيد الإنسان تقييم نفسه.

فالذي أرجوه منك هو: أن تعيد تقييم نفسك، انظر إلى نقاط الضعف، وانظر إلى نقاط القوة في شخصيتك، كل إنسان له مراكز قوة، وله إمكانيات معينة يكون فيها إيجابياً جدّاً، وتوجد أيضاً نقاط ضعف.

من الضروري أن يكون الإنسان منصفاً مع ذاته، لا تلجأ إلى التهوين ولا تلجأ إلى التهويل، وهذا ضروري جدّاً، وحاول أن تركز على ما هو إيجابي، لا تكن متشائماً، هذا من أهم السبل العلاجية لما يمكن أن نسميه بأي نوع من الاضطراب في الشخصية، أو اهتزاز الثقة بالنفس.

الإنسان الذي تسهل السيطرة عليه ويضعف بسرعة أمام المغريات: هذا لا بد أن يكون حازماً مع نفسه، يجب أن تكون للنفس كوابح توقفها، الإنسان يجب أن ينمي منظومته القيمية، فمثلاً: الأمور يجب أن تقاس بمقياس الحلال والحرام، وهذا أهم مقياس في رأيي، ومن خلال ذلك يتصرف الإنسان، الإنسان له إرادة، وله كينونة، وله استبصار، ويستطيع أن يغير من نفسه، ولكن الذي يتبع النفس وهواها ويقول: إني ضعيف الشخصية أو إنني أضعف أمام المغريات، هذه أعذار واهية، هذا نوع من النكران، هذا نوع من التبرير النفسي السالب الذي نرفضه تماماً.

فإذاً تقييم النفس، ووضع الضوابط للنفس هو المهم جدّاً، والأمور تقيم كما ذكرت لك وتقاس على مبادئ الحلال والحرام، الحق والباطل، الخير والشر، ما هو مفيد لك ولغيرك، وما هو مضر لك ولغيرك ولمجتمعك، وهكذا يجب أن تكون هنالك معايير تقاس على ضوئها الأشياء، وهذه هي المعايير التي ذكرتها لك.

إذاً: النفس تُصلح بتطبيق المعايير، المعايير الصحيحة، المعايير الإيجابية، المعايير المنضبطة، المعايير القيمية، المعايير الإنسانية، ثم بعد ذلك يأتي موضوع الرفقة والصحبة والقدوة الحسنة، فالإنسان الذي يًصاحب ويطلب مساندة الإنسان الفعال، الإنسان الصالح، الإنسان الخيّر، لا شك أن مثل هذه الرفقة والصحبة والخلة تساعد الإنسان على أمور الدنيا والآخرة.

الإنسان يجب ألا يقبل لنفسه المهانة، ويجب أن ينظر إلى نفسه كيد عليا، ويجب أن يكون عالي الهمة، وهذا هو المطلوب، الاستكانة والاستسلام من أسوأ ما يمكن أن يمليه الإنسان على نفسه.

الخوف العادي دائماً يتم التغلب عليه بأن تعرف أنه خوف عادي، وأنه لا شيء يدعوك لهذا الخوف، وأن تواجه مصادر هذا الخوف، وأن تقول لنفسك: (يجب أن أوجه هذا الخوف التوجيه الإيجابي) بمعنى (أنني أتخذه كطاقة نفسية) وهذه نسميها بطاقة القلق، والتي يجب أن توظف من أجل الإنجاز، ومن أجل أن يكون الإنسان دائماً في الخطوط والصفوف الأمامية، وأن يكون مفيداً لنفسه ولغيره.

الخوف من المستقبل والفشل: هذا في رأيي خوف سلبي، يجب ألا نخاف من المستقبل، ويجب أن نسعى لأن ننمي حاضرنا ومستقبلنا، ونعيش على الأمل والرجاء، والإنسان تكون له أهداف، ومن أفضل الطرق التي يستطيع الإنسان أن يستفيد فيها من طاقاته الخاصة أن يدير وقته بصورة صحيحة، وأن تكون له أهداف في الحياة.

فعليك بالتفكير الإيجابي، وعليك بالمواجهة، وعليك بإدارة الوقت بصورة صحيحة، وعليك أن تطبق المعايير الشرعية والنفسية والاجتماعية في تحديد ما هو صالح وما هو طالح، ودائماً اتبع ما سوف يعود بالنفع عليك وعلى الآخرين.

هنالك أنواع من التفاعلات الاجتماعية الجيدة التي تفيد في بناء الشخصية وفي بناء النفس، وتجعل الإنسان أكثر قدرة على الاختلاط والتفاعل مع الآخرين، فمثلاً: الانضمام للجمعيات الشبابية، الجمعيات التطوعية، جمعيات العمل الخيري، الفرق الشبابية والرياضية، جمعيات تحفيظ القرآن، الكشافة... هنالك أشياء جيدة جدّاً يمكن للإنسان أن يبني من خلالها شخصيته، ويحس إن شاء الله بأنه ناجح وبأنه مفيد.

الذي أرجوه منك وأطلبه هو: أن لا تنظر إلى الماضي بسلبية، قد ذكرت أنك إنسان خجول منذ الصغر، لا تسمّ هذا خجلاً، سمّه حياء، والحياء من الإيمان، وحاول أن تواجه، حاول أن يكون لك حضورك ووجودك، سلم على الناس بطريقة حسنة، تبسم في وجوههم، كن معيناً للآخرين ولنفسك، هذا كله إن شاء الله يقضي على هذه الأفكار السلبية.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً