الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى حق الزوجة بسكن مستقل؟

السؤال

السلام عليكم..

لدي أخت تم زواجها من شخص أخبرنا قبل الزواج بأنه يعمل في دولة أخرى، وقد وافقنا على ذلك لتأمين مستقبله ومستقبل أختي، وبناء على رغبة أختي تم الزواج لكننا وضعنا اتفاقات، منها: أنه عند سفره سوف ترجع أختي لبيتها لتسكن معنا.

علماً بأن والدي متوفي، وكان هذا الاتفاق بيننا وبين زوج أختي، وكانت تسكن في بيت مع أهله، ويوجد بالبيت أمه وأخته الصغيرة، وهو قد وافق عند سفره على حضور أختي لبيت والدها لعدم ارتياحها مع والدته وإخوته، وكان ضمن الاتفاق أنه يحاول بقدر استطاعته أن يأخذ أختي معه، وأن يدبر وضعه ليعيشوا مع بعض، وقد وافق على ذلك.

وقد اتفقنا أيضاً أن يقوم بشراء شقة مستقلة عن بيت العائلة عندما يتيسر الأمر ويستقر في البلد، فوافق على ذلك وتم الزواج، ولكن بعد مضي سنة لم يأخذ أختي معه، وحصلت مشكلة مع والدته عندما علمت أن أختي لن تقيم معها، وطلبت من ابنها أن يقول لأختي أن ترجع لبيت والدته لتقيم معها، رغم أن أختي تذهب يومين في الأسبوع لترتب منزلها وتزور والدته وأخواته، فهل من حقي أن أتدخل أنا ووالدتي إن لم تستطع أختي أن تصل معه لحل؟!

علماً بأن ابن عمه الكبير كان موجوداً في جميع الاتفاقات، وزوج أختي رجل فاضل وعلى خلق وعلى قدر المسئولية، ولكن تدخل والدته وعدم رضاها جعله يتراجع عما اتفقنا عليه، فأرشدونا.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يُكثر من أمثالك، كما نسأله أن يبارك في أختك وأن يبارك في أهلك وأن يُصلح ما بين أختك وزوجها وأن يوفقه للوفاء بالشروط التي اتفق معكم عليها، وأن يشرح صدر أختك لقبول ما يمكن قبوله والوقوف بجوار زوجها حتى يتمكن بإذن الله من العيش مها بسلام وأمان وأمن واستقرار.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن ما ذكرته من شروط طيبة ليس فيها ما يتعارض مع الشرع وهذا من حقها، لكن المسائل لا تأتي بهذه الصورة التي تتصورها؛ لأن هذه الشروط حتى وإن كانت من حقكم أن يلتزم بها إلا أنه أحياناً قد يكون الالتزام بها يترتب عليه ضرر كبير، حيث إن الرجل قد أعطاكم هذه الوعود وأعطاكم هذه الاتفاقات ووافق عليها بعيداً عن أهله، ولذلك فإن أمه قد انزعجت عندما علمت بهذه القرارات، والرجل أصبح نتيجة إيمانه وصدقه وشخصيته الملتزمة المعتدلة في حرج بينكم وبين أمه، ولذلك أرى أن تتوسطوا في الأمر.

وكون أختكم تقيم في بيت زوجها هذا هو الأصل، وكونكم اتفقتم على خلاف الأصل ووافق لكم على ذلك فقد أصبح هذا من حقكم، ولكن لو أنكم فعلتم ذلك لساءت العلاقة بينها وبين زوجها.

وأرى دائماً أن الفضل هو الذي يزيد على العدل، والله تبارك وتعالى يقول: ((وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ))[البقرة:237]، فلو أن الأخت الكريمة تستطيع أن تقيم مع والدته خاصة بأنه فيما رأيت من رسالتك أنه لا يوجد هناك رجال إخوة لهذا الزوج، وإنما أمه وأخته وأحياناً قد تأتيه بعض أخواته المتزوجات لإقامة طارئة ثم ينصرفون.

حتى لو فرض وجود رجال أجانب في البيت، فيمكنكم معالجة هذه المشكلة بشكل مستقل عن موضوع الشروط السابقة، يعني إن أمكن بقاؤها مع التحرز من هؤلاء الأجانب وعدم الخلوة أو بقائها لوحدها في البيت فحسن، وإلا طلبتم معالجة الأمر مع أهل الزوج حتى لو أدى ذلك إلى بقاء أختكم معكم مؤقتا حتى يتم ترتيب مكان لائق لها في بيت الزوج، والمقصود أن نفصل هذه القضية عن قضية الشروط السابقة.

فإذن أرى أن الأمر ليس فيه أي حرج شرعي، ولابد أن نُفهم أختنا الكريمة بأن أم الزوج كأمها، وأنها تعاملها كما تعامل أمها، وأما وجود خلافات فهذا شيء طبيعي جدّاً؛ لأن هذه بيئة وهذه بيئة، وهذا جيل وهذا جيل، فوجود خلاف ما بين أختك وما بين أم زوجها هذا شيء طبيعي، ولكن هناك خلافات من الممكن التغلب عليها بسعة الصدر والحلم والأناة، وإدراك الأخت بأنها عندما تكرم أم زوجها فهي تكرم زوجها أساساً.

فأتمنى أن لا نقف عند هذه الشروط؛ لأن الوقوف عندها قد يجفف ينابيع المحبة والثقة، ويجب أن يكون هناك مرونة، خاصة بأنها أصبحت زوجة الآن، وقد يكون عندها أولاد أو في الطريق إلى أن يكون لها أولاد، والأمر لا يقتضي أننا نقف بشدة أمام هذه الشروط.

ولذلك فإن الرجل أصبح الآن في حيرة ما بينكم وبين أمه، فأتمنى من أختنا الكريمة أن تخرج زوجها من هذه الحيرة، بأن تذهب تقيم أطول فترة ممكنة عند أمه، وأن تشعروها أنتم بأن هذه أمها وأنها أبقى لها من أمها الأصلية الآن، أن هذه أمها لأن هذه جدة أبنائها وهذه أم زوجها وينبغي أن نصبر عليها وأن نعاملها بالمعروف، وتحاولوا أن تعطوها رسائل إيجابية لتستقبل تصرفات أمه بصدر أوسع وأرحب أفضل مما هي عليه الآن.

وأما موضوع أنه يأخذها معه فهذه المسألة تكون صعبة في بعض البلاد، خاصة في منطقة الخليج العربي، فلابد أن ننظر في هذا الواقع: هل البلد الذي هو فيه ظروفه تسمح لاستقدام أهله أو لا تسمح؟! لأنه قد يكون يرغب وتتمنى، وأعتقد أن كل رجل في العالم يتمنى أن تكون امرأته معه، ولكن الأمر قد يكون أصعب وأكبر.

وأما فيما يتعلق بموضوع الشقة فهذا إن تيسر الأمر وما زال الرجل يعمل في الخارج ولعل أموره لم تتيسر، ولا أرغب أن نقف طويلاً عند هذه الشروط، ما دام الرجل رجلاً محترما ورجلا فاضلا بإذن الله تعالى، فأرى أن تعضوا عليه بالنواجذ، وهذه الشروط اعتبروها كأنها غير موجودة، ولكن لا مانع أن تذكروه بها بين الحين والآخر، لعله يستطيع أن ينفذها ولعل تذكيركم له ينفعه.

وبتدخلكم مع أختكم إذا كانت تستطيع أن تتكلم معه وأن تقنعه فاتركوها وحدها، وإذا كانت لا تستطيع فلا مانع أن تتكلموا معه ولكن برفق شديد وأدب جم واحترام وتقدير، حتى لا تؤدي إلى تجفيف منابع المحبة وإلى قطع أواصر الثقة ما بين الرجل وبين أختك، نسأل الله لكم التوفيق والسداد، كما أسأله تبارك وتعالى أن يجمعها بزوجها على خير، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً