الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموقف النفسي والعملي من أصحاب البلاء

السؤال

السلام عليكم.
أجد ضيقاً شديداً تجاه أمور لا تخصني ولا أتضرر بها، ولكنها أحياناً تكون قريبة مني وتشعرني بضيق نفسي وألم داخلي لا أستطيع التخلص منه، ويزداد الأمر عند النوم، فأتذكر ذلك الأمر ولا أكاد أنام من شدة الضيق.
معظم هذه الأمور تكون إنسانية تتعلق بالصحة مثلاً..

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عزة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلا ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يرزقك الرحمة بخلقه وعباده، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يصرف عنك كل داء، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – أقول: إنه مما لا شك فيه أن الإنسان مدني بطبعه، وأنه يستحيل أن يعيش وحده، وأن الإنسان الطبيعي يتأثر بالبيئة المحيطة به سلباً وإيجاباً، فإذا كان يعيش وسط بيئة سعيدة انعكست تلك السعادة على نفسه، وإذا كان يعيش وسط بيئة تعيسة شقية فلابد له من حظ من ذلك، وهذه طبيعة الإنسان الطبيعي الذي جُبل على الفطرة الحسنة؛ لأن الإنسان كالمرآة تنعكس عليها الصورة التي تمر بها.

إلا أن هذا الضيق الشديد الذي ذكرته يكون استقباله في النفس على محورين:

المحور الأول: محور الرحمة والعطف والشفقة والتأثر الشديد لما يُدرك الناس من ظروف صحية أو مادية أو غير ذلك، فإن هذا هو شأن المسلم أنه عندما يرى إخوانه في بلاءٍ أو كرب فإنه يتأثر بما يحدث له كما لو كان يُصيبه شخصياً، فهو نتيجة صفاء في فطرته يُنزل نفسه منزلة إخوانه أصحاب البلاء، فيتأثر لهم، وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حال أصحابه والصالحين من بعدهم، أنهم أصحاب قلوب رحيمة تتفجر رحمة وعطفاً وحناناً وبرّاً على أصحاب البلاء والأعذار، ولذلك عندما دخل هؤلاء القوم الذين جاءوا من قبل نجد وكانوا مرتادي النمور، والنمور كما ذكر العلماء عبارة عن ثياب رثة بالية ممزقة شُبهت بجلد النمر، لأنها لا تحمل نسيجاً واحداً، وإنما كما لو كانت مخططة لكثرة القطوع والخروق التي بها، فعرف في وجه النبي عليه الصلاة والسلام التأثر بذلك، ثم صعد المنبر فوراً فحمد الله وأثنى عليه، وحث أصحابه على البذل والتصدق لإخوانهم، ولما أكرم الله أصحابه بالتجاوب مع دعوته صلى الله عليه وسلم وجاء الصحابة بكثير من الخير، حتى إن رجلاً جاء بصرة عجزت يداه عن حملها، تأثر كثيراً بذلك، وفرح صلى الله عليه وسلم وعُرف البِشْر في وجهه.

فهذه كلها دلالات على أن الإنسان صاحب الفطرة السليمة لا يملك في صدره حجراً، وإنما يملك قلباً ملئ رحمة وشفقة على عباد الله، وهو مما لا شك فيه مأجور. إلا أن الأمر لو زاد عن حده لانقلب إلى ضده، فإنه ينبغي أن يكون الإنسان متوازناً، فلا أشعر بتلك الأمور شعوراً يجعلني أعجز عن أداء حياتي أو القيام بواجباتي أو يجعلني مثلاً أشعر بنوع من فقدان النوم نتيجة شدة الألم، والواجب تجاه تلك الأحداث أولاً ما يلي:

1) الدعاء لأصحاب البلاء أن يرفع الله عنهم بلاءهم، وأن يخفف عنهم ما هم فيه.
2) أن نسأل الله السلامة والعافية، ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا إذا رأينا أصحاب البلاء قلنا (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً).
3) يقوم بدور إيجابي، ولا يكتفي بالجانب النفسي وفقط، وإنما عليه أيضاً إذا استطاع أن يساعد أن لا يبخل على نفسه؛ لأن هذا الخير إنما هو لنفسه أساساً، كما قال الله تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ))[فصلت:46]. إذا لم يستطع بيده فلا مانع أن يتوسط لدى الجهات القادرة على تفريج الكربات إذا كان من أصحاب الجاه أو المنزلة أو المكانة.
4) أيضاً من الوسائل: الدعاء لهؤلاء بالشفاء، وأن يكثر من الدعاء لهم لعل الله تبارك وتعالى أن يفرج عنهم ببركة دعائه.
هذا إذا كان الأمر كما ذكرت من باب العطف والرحمة والشفقة.

والمحور الثاني: أن يكون والعياذ بالله من باب التشفي أو من باب الفرح بما أن الإنسان في خير وأن هؤلاء قد لحق بهم ضرر، فتلك حالة مرضية نسأل الله السلامة والعافية، ولا أعتقد أنك تقصدينها؛ لأنه كما ورد في الأثر (لا تُظهر الشماتة بأخيك فلعل الله أن يعافيه ويبتليك).

إذن أقول أختي الكريمة: هذه هي العوامل، فإذا ما جئت إلى النوم أو إذا ما تكالبت عليك تلك الأفكار فاعلمي أنها إن زادت عن حدها فهي عبارة عن شيء استغله الشيطان لأنه يعلم أنه سيؤثر عليك في نومك وفي طعامك وفي صلاتك، ولذلك عليك أن تطاردي تلك الأفكار، كلما جاءت هذه الأفكار إلى نفسك حاولي أن تستعيذي بالله عز وجل منها، وأن تشتتيها في ذاكرتك، حتى لا تسيطر على عقلك، وحتى لا تحرمك من النوم، أو حتى تشعرك بنوع من الضيق الذي يترتب عليه إفساد حياتك؛ لأن هذا أمر نحن لسنا مأمورين به؛ لأن الله جل جلاله قال: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، ونحن لا ينبغي أن نظل في خندق العواطف والمشاعر حتى نُبتلى في أنفسنا بأمراض وعلل نفسية، وإنما علينا أن نعالج الأمر بما يليق به، والذي ذكرته فيه كفاية، لو أن الله تبارك وتعالى شرح صدرك له، وعليك بالدعاء أن يعافيك الله تعالى من ذلك، وأسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يصرف السوء عن كل مكروب من أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.
هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً