الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية دينية سببت مشاكل نفسية واجتماعية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتيتكم بعد غياب طويل، لأنني أثق في النصائح التي توجهونها لي، وأتمنى أن ألاقي قلباً يستقبل أسئلتي التي ربما تخرجني عن الإسلام (لا سمح الله).

ألا تلاحظون أن أصحاب المعاصي والمنكرات يتمتعون بحرية، وحتى حظوظ الدنيا تأتيهم بلا تعب كزوج كريم، حساس، بينما نحن نعيش في الدنيا بلا طعم، حتى إنني في الآونة الأخيرة بدأت آكل التراب بكثرة بنية الانتحار، مما أدى ذلك إلى ضعف في الحركة وكثرة الآلام، وما أدري!

أمي قالت لي: إن أكل التراب حرام، وأنا نفسي تموت إذا ما أكلت التراب، فقلت ما الفائدة من العيش، خليني آكل التراب وأموت، (قلت ذلك في نفسي).

والله أنا حاسة بأن الله لا يستجيب إلا لأهل المعاصي، (وما في أحد ما يغلط ويعصي)، حتى الوالدة تحب أخواتى أكثر مني؛ لأنهن في اعتقادها العاقلات، فكلما الواحد يبتعد عن الدين كلما يكون عاقلاً يعرف السياسة، ويعرف يمشي أموره في الحياة جيداً.

وزوجي مثل عوايده، ما يتكلم، صامت طول الوقت، وحينما أسأله لماذا أنت هكذا، يقول: الله خلقني كده، أحس أنني أكرهه، وحتى عيالي بدأت أكرههم، وشقاوتهم زايدة، وأحياناً أدعو عليهم، وأتمنى من الله أن لا يستجيب أي دعاء أدعوه عند الغضب، ثم عندما أهدأ أبدأ أبكي وأشوف ولديَّ وبراءة طفولتهم، وكأنهم منتظرون مني أن ألعب معهم، ما أعرف كيف ألعب معهم ومشاكل الدنيا والأهل والزوج محيطة بي، زوجي لا يريد أن يجيب لي الجوال، لو فقير أعذره، ولكن ماذا أقول في رجال ما يحبون إلا أنفسهم.

ثقتي بالله أصبحت ضعيفة جداً، حتى أنني أصبحت أشك في وجوده، وعندما قلت ذلك لجاراتي استغربن وقالوا لي: لا تقولي ذلك حتى لا تكفري، وجاء ذلك الإحساس حينما أرى قوة الشر هي المنتصرة في العراق وفي فلسطين، صدقوني أنا حاسة بأنني لن أدخل الجنة بسبب هذه الوساوس، وربما أستحق ذلك لأنني ما قدمت شيئاً لرب العالمين.

أرجوكم أنا وجعة؛ لأنني أشك في وجود الله، ما أدري ليش، أنا أصبحت هكذا بعد ما كنت أنصح، حتى التناصح ما صرت أنصح، حتى الحجاب أصبحت أتهاون به إلى هذه الدرجة، أصبحت ضعيفة الإيمان، ربى يستر كيف يكون الختام؟
والله أنا آسفة جداً على الإطاله.
وشكراً لكم.

الإجابــة

الأخت الفاضلة/ فجر الغد (أم أسامة) ثبتها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ؛؛

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا دائما في أي وفي أي موضوع فنحن هنا لمساعدتك ومساعدة جميع المسلمين وتلك وظيفتنا الأساسية والتي نحبها ونسعد بها، فاتصلي بنا دائماً ولا تترددي مهما كان الموضوع الذي تطرحينه، ونسأله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لك، وأن يتوب عليك وأن يثبتك على الحق وأن يصلح حالك ويهدأ بالك، وأن يذهب عنك وعن أسرتك كل مكروه وسوء اللهم آمين.

بخصوص ما ورد برسالتك فهي بالطبع ليست غريبة علينا من إنسانة مثلك عرفناها في الرسائل السابقة، ولذلك لا تشغلي بالك واكتبي ولا يهمك المهم أن تكوني على استعداد لقبول مساعدتنا لك والاستفادة منها في تغيير وضعك والخروج من المشكلة التي تطرحينها.

وطبعاً أنت حشدت أمامنا كماً هائلاً من المشاكل العقائدية والنفسية والاجتماعية والصحية، مما يدل على أنك فعلاً في وضع غير طبيعي، ولكن اعلمي أختنا أم أسامة أن الحق تبارك وتعالى قال: (إن الله لا يغير بما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فمن المستحيل أن يغير الإنسان العالم من حوله، بل ومن الصعب أن يغير غيره حتى ولو كان أقرب الناس إليه، أما أن يغير الإنسان نفسه فهذا هو الأجدى والأنفع والأوقع وهو الذي كلفنا الله به، بداية حيث قال سبحانه (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم:6) وقال تعالى أيضا: (يوم تأتي كل نفسي تجادل عن نفسها) ويوم القيامة يقول الناس جميعاً حتى الأنبياء والرسل: نفسي نفسي.

إذا أراد الإنسان الإصلاح لابد أن يبدأ بنفسه وهذا ما أنصحك به أولاً وقبل كل شيء؛ لأن كل المشاكل التي أشرت إليها أنتِ أساساً سببها وهذا ما ذكرتيه أنت في أخر الرسالة حيث قلت بالنص (وربما أستحق ذلك لأنني ما قدمت شيئاً لرب العالمين) وأنت بذلك - جزاك الله خيراً – قد ساعدت في حل المشكلة فعلاً، وما دام الإنسان قد حدد أساس المشكلة فمن السهل عليه أن يصل إلى حلها بإذن الله.

أنا واثق من قدرتك على ذلك فأنت لديك إمكانات هائلة من فضل الله إلا إنك لم تستفيدي منها وهذا ما سيسألك الله عنه يوم القيامة.

تعال بنا نستعرض المشكلة، ونتعاون معك في حلها على بركة الله:

1- كونك تظنين أن أهل المعاصي أسعد حالاً من أهل الطاعة والإيمان هذا في الواقع وهم وزيف ولا أساس له من الصحة لأن المعاصي تورث الحزن والكآبة والنفور وضيق الصدر والنفس والحسرة وما تظنين أنه متعه وسعادة هذا في الظاهر فقط، وإلا فهم أتعس الناس ولا أدل على ذلك من حال الناس في الدول الكافرة حيث يراجع الملايين العيادات النفسية بصفة مستمرة، وينتحر الألف من الناس سنوياً، فقط اليابان وحدها انتحر في العام الماضي 33 ألف شخص كما ورد بالصحف، فلو كان هؤلاء سعداء كما تظنين فلماذا ينتحرون ويتخلصون من حياتهم؟ إذاً هذا وهم، والسعيد حقاً هو التقي النقي الذي يحرص على طاعة الله ورسوله، وإذا كنت أنت لا تشعرين بالسعادة كما هو واضح برسالتك، فأنت السبب في ذلك لأنك تتركين أسباب السعادة الحقيقية، وكل يوم تبتعدين عن الالتزام الذي كنت عليه والدعوة التي كنت مشغولة بها، فبدلاً من أن تجتهدي في العبادة أصبحت تفكرين في الانتحار مما يدل على أنك ضيعت الطريق إلى السعادة حتى فقدتيها أو الكثير منها، والحل في يدك سهل جداً يتمثل في العودة إلى الله والدعوة إليه كما كنت، فحاولي أن ترجعي إلى القراءة والبحث والإطلاع والعبادة وقراءة القرآن والانشغال بالدعوة، وكثرة الدعاء والإلحاح على الله مع الصبر الجميل، وسترين بنفسك عودة السعادة لأنك غيرت نفسك فأكرمك الله بتغيير الأمور كلها من حولك فتوكلي على الله.

2- مسألة أن الله لا يستجيب إلا للعصاة هذا أيضا من الخطأ وهي ليس بصحيح على الإطلاق لأنه عكس ما ورد بالقرآن والسنة، بل وعكس الواقع وسأضرب لك مثالاً على ذلك: أنت عندك اثنين من الأبناء، نسأله أن يبارك لك فيهما – لو أن الأول كان مطيعاً لك والثاني يخالف أوامرك – أيهما سوف تحبينه أكثر وتنفيذين طلباته؟ أليس الأول؟ هذا هو الواقع فإذا كان العبد صالحاً مطيعاً لله منفذاً لأوامره فإن الله يحبه ويعطيه أكثر من غيره بنص القرآن حيث قال جل وعلا: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وقال أيضا: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) فما رأيك بعد ذلك؟ ألست أنت التي فهمت الأمر خطئاً؟

3- أما كون المسلمين في هذا الضعف والهوان وتسلط الشر عليهم كما ذكرت – ولا يستجيب الله لهم - فهذا أمر طبيعي جداً لأن غالب المسلمين الآن لا يطبق من الإسلام شيئا ولا يتحرى أسباب إجابة الدعاء ولا يحرص على مرضاة الله، فسلط الله عليهم أعداءهم علهم يرجعون إلى دينهم وسنة نبيهم فينصرهم الله على عدوهم ويستجيب لدعائهم كما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل حتى في عصرنا الحاضر تجدي أمثلة كثيرة لمثل هذا ، (ولا يظلم ربك أحداً).

4- وموضوع زوجك فأنت فعلاً تعرفين طبيعته وفوق ذلك أنت لم تقدري على تغييره فهذا ضعف منك وعجز وكان الأولى بك أن تتعلمي كيف تغيرنه.

5- دعاؤك على أولادك حرام شرعاً لأن الإسلام نهى عن ذلك فادعي لهم بدلاً من الدعاء عليهم لاحتمال أن يستجيب الله لدعائك بسبب جهلك وخطئك.

6- أما موضوع الشك في وجود الله وضعف الثقة به فهذا أمر طبيعي لامرأة مثلك ابتعدت عن الشرع وأصبحت تتهاون بالحجاب وتركت الدعوة إلى الله وأصبحت مشغولة بالدنيا ولماذا هذا عنده وهذا ليس عنده فعودي إلى مجالس الذكر وحلق العلم ومارسي الدعوة كما كنت أول وأقرئي القرآن وأكثري من الصلاة على النبي ، وتضرعي إلى الله أن يغفر لك وأن يتوب عليك وأن يثبتك على الحق وإن شاء الله سوف تتحسنين كثيراً .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً