الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 263 ] 12 - باب الهجرة إلى الحبشة

                                                                                        4231 - قال أبو يعلى : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : استأذن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله تعالى فيها لا أخاف أحدا ، فأذن له ، فأتى النجاشي .

                                                                                        قال : فحدثني عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : فلما رأيت مكانه حسدته ، قلت : والله لأستقتلن لهذا وأصحابه ، فأتيت النجاشي فدخلت معه عليه ، فقلت : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا ، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا ، لا أنا ولا أحد من أصحابي ، قال : ادعه ، قلت : إنه لا يجيء معي فأرسل معي رسولا ، فجاء فلما انتهى إلى الباب [ ص: 264 ] ناديت : ائذن لعمرو بن العاص ، فنادى هو من خلفي : ائذن لعبد الله ، قال : فسمع صوته فأذن له قبلي ، قال : فدخل هو وأصحابه ، قال : فأذن لي ، فدخلت فإذا هو جالس ، فذكر أين كان مقعده من السرير ، فلما رأيته جئت حتى قعدت بين يديه وجعلته خلف ظهري ، وأقعدت بين كل رجلين رجلا من أصحابي ، قال : فقال النجاشي : نحروا نحروا ، أي : تكلموا ، فقال عمرو : إن ابن عم هذا بأرضنا ، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك والله إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع هذه النطفة إليك أبدا ، ولا أحد من أصحابي ، قال : فتشهد ، فأنا أول ما سمعت التشهد يومئذ ، فقال : صدق ابن عمي ، وأنا على دينه ، قال : فصاح ، وقال : أوه ، حتى قلت : إن الحبشة لا تتكلم ، قال : أناموس مثل ناموس موسى ؟ ما يقول في عيسى ؟ قال : يقول : هو روح الله وكلمته ، قال : فتناول شيئا من الأرض فقال : ما أخطأ شيئا مما قال ولا هذه ، ولولا ملكي لتبعتكم ، وقال لي : ما كنت لأبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا ، وقال لجعفر رضي الله عنه : اذهب فأنت آمن بأرضي ، فمن ضربك قتلته ، ومن سبك غرمته وقال لآذنه : متى أتاك هذا يستأذن علي فأذن له ، إلا أن أكون عند أهلي ، فإن كنت عند أهلي فأخبره ، فإن أبى فأذن له ، قال : وتفرقنا فلم يكن أحد أحب إلي من أكون لقيته خاليا من جعفر ، فاستقبلني في طريق مرة ، فلم أر أحدا ونظرت خلفي فلم أر أحدا ، قال : فدنوت فأخذت بيده ، فقلت : تعلم أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ؟ قال : فقال : هداك الله تعالى ، فاثبت ، قال : وتركني وذهب .

                                                                                        [ ص: 265 ] قال : فأتيت أصحابي ، فكأنما شهدوا معي ، فأخذوني فألقوا علي قطيفة ، أو ثوبا ، فجعلوا يغممونني ، فجعلت أخرج رأسي من هذه الناحية مرة ، ومن هذه الناحية مرة ، حتى أفلت وما علي قشرة ، قال : فلقيت حبشية فأخذت قناعها ، فجعلته على عورتي ، فقالت كذا وكذا ، فقلت كذا وكذا ، فأتيت جعفرا رضي الله عنه فقال : ما لك ؟ فقلت : ذهب كل شيء لي حتى ما ترك علي قشرة ، وما الذي ترى علي إلا قناع حبشية ، قال : فانطلق ، وانطلقت معه حتى أتيت إلى باب الملك ، فقال : ائذن لحزب الله ، قال : آذنه ، إنه مع أهله ، قال : استأذن ، فاستأذن ، فأذن له ، فقال : إن عمرا قد تابعني على ديني ، قال : كلا ، قال : بلى ، قال : كلا ، قال : بلى ، فقال لإنسان : اذهب معه فإن كان فعل فلا يقول شيئا إلا كتبته ، قال : نعم ، فجعل يكتب ما أقول حتى ما تركت شيئا حتى القدح ، ولو شاء أن آخذ من أموالهم إلى مالي لفعلت
                                                                                        .

                                                                                        هذا إسناد حسن ، إلا أنه مخالف للمشهور أن إسلام عمرو رضي الله عنه كان على يد النجاشي نفسه .

                                                                                        تفرد به عمير بن إسحاق ، ولم يرو عنه غير عبد الله بن عون ، وقد قال ابن معين : لا يساوي شيئا ، ووثقه مرة ، وفي الجملة يكتب حديثه .

                                                                                        وقال البزار : لا نعلمه يروى عن عمرو رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد .

                                                                                        [ ص: 266 ] [ ص: 267 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية