وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله بن حبيب الأزرقي بمرو، قال: حدثنا سيف بن قيس بن ريحان المروزي، قال: حدثنا عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، قال: حدثنا أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة، أن اشترى فرسه من دواب دخلت أبا قتادة المدينة، فلقيه مسعدة الفزاري، فقال: يا ما هذا الفرس؟ فقال أبا قتادة، أبو قتادة: فرس أردت أن أربطها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم، قال أبو قتادة: أما إني أسأل الله عز وجل أن ألقينك وأنا عليها، قال: "آمين" .
فبينا أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته، إذ رفعت رأسها، وصرت أذنها، فقال: أحلف بالله لقد حست بريح خيل، فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية، فكيف حين جاء الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم رفعت الفرس أيضا رأسها، وصرت أذنيها، فقال: أحلف بالله لقد حست بريح خيل، فوضع عليها سرجها، فأسرجها وأخذ سلاحه، ثم نهض، حتى أتى مكانا يقال له الزوراء، فلقيه رجل من الصحابة، فقال له: يا أبا قتادة تسوط دابتك وقد أخذت اللقاح، وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها وأصحابه، فقال: أين؟ فأشار له نحو الثنية، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه جلوسا عند دباب، فقمع دابته ثم خلاها، فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "امض يا صحبك الله". أبا قتادة
[ ص: 192 ] قال أبو قتادة: فخرجت، فإذا بإنسان يحاكني، فلم أنشب أن هجمنا على العسكر، فقال لي: يا ما تقول؟ أما القوم فلا طاقة لنا بهم، فقال أبو قتادة: تقول إني واقف حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم أريد أن تشد في ناحية وأشد في ناحية، فوثب أبا قتادة، أبو قتادة، فشق القوم ورمي بسهم، فوقع في جبهته قال أبو قتادة: فنزعت فدحه، وأنا أظن أني قد نزعت الحديدة ومضيت على وجهي، فلم أنشب أن طلع علي فارس على فرس فاره، وأداة كليلة على وجهه مغفر له، فأثبتني ولم أثبته، قال: لقد لقانيك الله يا وكشف عن وجهه، فإذا مسعدة الفزاري، فقال: أيما أحب إليك: مجالدة، أو مطاعنة أو مصارعة، قال: فقلت ذاك إلى الله عز وجل وإليك، قال: فقال: صراع، فأحال رجله عن دابته وأحلت رجلي عن دابتي، ثم علقت دابتي وسلاحي إلى شيء، وعلق دابته وسلاحه إلى شيء، ثم تواثبنا فلم أنشب أن رزق الله عز وجل الظفر عليه، فإذا أنا على صدره فوالله إني لمن أهم الناس من رجل متأبط قد عالجت منه ما عالجت أن أقوم فآخذ سيفي أن يقوم فيأخذ سيفه وأنا بين عسكرين لا آمن أن يهجم علي أحدهما إذا شيء يمس رأسي، فإذا نحن قد تعالجنا، حتى بلغنا سلاح مسعدة، فضربت بيدي إلى سيفه فلما رأى أن السيف قد وقع بيدي، قال: يا أبا قتادة، استحيني، قال: قلت: لا والله، أو ترد أمك الهاوية، قال: يا أبا قتادة فمن للصبية؟ قال: قلت: النار، قال: ثم قتلته، ثم أدرجته في بردي، ثم أخذت ثيابه فلبستها، وأخذت سلاحه ثم استويت على فرسه وكانت فرسي نفذت حين تعالجنا، فرجعت رجعة إلى العسكر، قال: فعرقبوها ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فارسا، قال: فألحت لهم فوقفوا فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة فطعنت ابن أخيه طعنة دققت صلبه، قال: وأكشف من معه، قال: وخشيت اللقاح برمحي [ ص: 193 ] قال: وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه فلما نظر إليهم العسكر فروا، قال: فلما انتهوا إلى موضع العسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت، قال: فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله عرقبت فرس أبا قتادة قال: فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ويح أمك رب عدو لك في الحرب مرتين" قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى إذا انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم أبي قتادة، بأبي قتادة فيما يرون سجي في ثيابه، قال: فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله، استشهد أبو قتادة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله على آثار القوم يرتجز" فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرس قد عرقبت وينظرون إلي مسجى على ثيابي، قال: فخرج أبا قتادة أو عمر بن الخطاب يسعى حتى كشف الثوب فإذا هو أبو بكر الصديق مسعدة، فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، مسعدة يا رسول الله، فكبر الناس ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأحسب "أفلح وجهك أبا قتادة، أبو قتادة سيد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة، وفي ولدك، وفي ولد ولدك" عكرمة قال: "وفي ولد ولد ولدك، ما هذا بوجهك يا قال: قلت: بأبي وأمي، سهم أصابني، والذي أكرمك بما أكرمك، لقد ظننت أني نزعته، قال: ادن مني يا أبا قتادة؟" قال: فدنوت منه، قال: فنزع النصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع راحته عليه، فوالذي أكرم محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ولا قرح علي أبا قتادة،